الاثنين، 16 فبراير 2009

رسالة للسادة المعتصم البهلاني ومعاوية الرواحي

رسالة للسادة المعتصم البهلاني ومعاوية الرواحي





للأخوين رسائل هُنا: معاوية الرواحي، المعتصم البهلاني.



السادة: معاوية الرواحي، والمعتصم البهلاني



تحية طيبة وبعد،،



لقد سعدتُ مرة أخرى بالرسالة الجميلة التي دونها معاوية الرواحي في مهذونته، وبالمقال الجميل عن الإقصائية الذي كتبه المعتصم البهلاني في موقع الحارة العمانية. ها هو الوطن يثمر كتاباً جميلين، فمرحا له، ولنا.



شارك الشاعر العربي أدونيس بأمسية نقدية مساء السبت الماضي بمدينة السلطان قابوس مع ضيوفٍ آخرين. أحسستُ بنشوة السعادة حينما كنت أستمع لكلمات أدونيس. وأدونيس هذا عجيب من طراز خاص. لقد ألقى الرجلُ "بياناً ثقافياً ضد الدين والسلطة السياسية" أمام الحضور والرسميين الذين مثلهم رئيس بلدية مسقط، وقد ضمن تصفيقهم لبيانه الثقافي! ربما، إن شاء الله يوماً، سأوردُ نص البيان في هذه المدونة التي تشرق عليها شمسٌ كل يوم..



أيها السادة الأصدقاء..

لقد أكد الرواحي معاوية ألاّ ضيرَ في التحالف مع القانونيين وإن كانوا ذوي دماءٍ سلطوية لأجل ضرب الإقصائيين الدينيين ضربة رجلٍ واحدٍ فلا تقوى عضلاتهم على العراك بعد ذلك. وقد أورد لنا المعتصم البهلاني نظرته بشأن الدوائر التي ينتمي الفرد الاجتماعي في سبيل حماية نفسه وفكره، كي يفسر لنا بعض مظاهر الحركة الإقصائية.



أعتقد، ولا أجزم، أن ما يدعو إليه معاوية هو جيد وسيءٌ أيضًا، لكن نفعه أقل من ضرره. السلطة تراهن على مسألة الثابت، فهي تمنيّ النفس بأن تكون الثابت الأكبر في الثقافة الجمعية بمجتمع عربي محمي من الرياح الخارجية. لهذا فإنها تبتعد عن زيد وعمر بمقدار حاجة زيد وعمر لها، ومن ثم تضرب الأول بالثاني، والثاني بالأول وتوهمهما معاً بالقرب من ليلى وجنة الخلد، وملكٍ لا يبلى، وما يمنيهما الشيطان إلاّ غروراً.



في الأيام الماضية وصف الكاتب السياسي عبدالله النفيسي الدول العربية بأنها تضاجع الشيطان. إنني أظن أن هذه الدول تمثل الشيطان في أحد أطواره على الأقل. هناك تجارب عدة في الدول العربية تحالفت خلالها السلطة مع الإسلاميين تارة، ومع الليبراليين طوراً آخر. وفي كل مشهد من مشاهد المسرحية تعاظمت حركات الإقصاء. لقد مارسها الملك الحسين بن طلال، والرئيس أنور السادات خلال فترة الثمانينات فاحتضنوا الإسلاميين لسببين اثنين: إقصاء اليسار العربي بشقيه: الليبرالي والماركسي ، وتجنيد الشباب العربي لمعسكرات الجهاد الأفغاني. إلاّ أن السحر لابد أن ينقلب على الساحر، فانفلت العقد من يد أخينا المصري ومات بسكاكين الإسلاميين، وأنجبت الأردن أحد أشهر الإرهابيين في الألفية الجديدة وهو أبي مصعب الزرقاوي، ولا ننسى أن الدولة الأردنية تعيش اليوم أزمة سياسية في نظر أبناء التيار الإسلامي الذي أقصي عن دار الحكم بقدرة ساحر!



إن السلطة –يا معاوية- لا تحركها حالة معرفية معلومة، كي يتحالف معها دعاة الحرية. لأن الهاجس المسيطر عليها هو هاجس ثابت متعلق بالثبات في المركز الاجتماعي، وفي الحالة السياسية الراهنة والمتجذرة في كلاسيكيات التراث. إن السلطة تتبنى خطاب "الحقيقة المطلقة الثابتة النهائية والمتألهة" والمصطلح لعلي حرب. لأجل هذا يا معاوية، كُتب على بني آدم الحذر في التعامل مع السلطة.



يعللّ المعتصم البهلاني ظاهرة الإقصائية بالدوائر التي ينتمي لها الفردُ، وقد تكون دوائر اجتماعية: كالأسرة، والقبيلة، والأحلاف القبلية، والإثنية،، أو دوائر فكرية: كالمذهب، والطائفة. ويميل الفرد –كما كتب البهلاني- إلى إقصاء الفكرة وصاحبها إن افتقد الآليات السليمة لتنقية الأفكار واستيعابها. أتفق مع البهلاني في هذا، بل والملاحظ أن الأفراد الغير متجذرين في هذه الدوائر اجتماعياً أو فكرياً أنهم سرعان ما يأكدون انتمائاتهم لهذه الدوائر إن استدعى الظرف الاجتماعي أو الفكري لذلك، وأبرز مثال لهذا هو الفرز الطائفي والمذهبي عند العلمانيين والملاحدة في "العراق الأمريكي"، لأنهم دون الانتماء لهذه الدوائر ستدوسهم الأقدام، "مثال: أحمد الجلبي".



هذه الدوائر الحاضنة هي نتاج لمجتمعات ذات بنيات ثقافية لم تتعرض للخدش أو التغيير بصورة ممنهجة، ولهذا فإن نتاجها يظل متشابهاً ومتكرراً "مثال: الإقصائيون". كسر هذه البنيات الثقافية يكمن في ركيزتين مهمتين: التعليم، والإعلام. لنتحدث عن سلطنة عمان كتطبيق هنا. لقد تم تغيير المناهج الدراسية لجميع المراحل التعليمية بالسلطنة، إلاّ أن الخطاب الجديد ليس ذي جاذبية أكيدة. إنه خطاب ضعيف الصوت، مهزوز الإيقاع ويبدو غريباً في مجتمع يعيش بمنطق آخر، ويفقتد للأمثلة الكاريزمية، والتطبيق العملي. الخطاب الجديد يدعو إلى التسامح بصوت خافت، والجهة المسؤولة عنه –كما يبدو لي- لم تعنَ بإخراجه إخراجاً احترافياً كي "يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار". لهذا فهذا الخطاب المتسامح والضعيف يسقط سريعاً أمام الخطاب الشرس الذي يسمعه النشّـأ في وسائل الإعلام "الغير حكومية"، وفي خُطب الجمعة التي تهرب أحياناً عن الخطب الرسمية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالسلطنة.



لطالما كان الخطاب الديني الرسمي بسلطنة عمان خطاباً هادئاً ومتوازناً "بشكل عام" مع التغييرات الإقليمية. لهذا لم نجد المصنفات العمانية الحديثة أصيبت بداء الإقصاء المباشر. عليه، يردد الكثير أن النبرة الإقصائية التي تسللت للدينيين قد جاءت من وراء الحدود، ويقصدون هنا من "التيار السلفي". لقد قُلبت هذه النظرية مؤخراً بإصدار وزارة الأوقاف 50 ألف نسخة من كتاب "العقل" للشيخ أحمد الخليلي مفتي عام السلطنة. وقع الكتاب بيدي، وأظن أنه أعطى الشرعية المباشرة للإقصائيين بحكم الشرعية الدينية التي يتمتع بها مؤلفه: "ربما لن يختلف معي القاريء الموضوعي للكتاب بأنه كتاب إقصائي لمخالفي مؤلفه". ويبدو لي أن الشيخ سار –من حيث لايدري- على منوال عبدالله الشعيلي مؤلف كتاب "الولاء" الذي حاول إسباغ الشرعية على الإقصائيين السياسيين من خلال كتابه، إلاّ أن الشعيلي لا يتمتع بالمرجعية السياسية ولا بالكاريزما التي يتمتع بها مؤلف "العقل" الشيخ الخليلي، فأُهمل كتاب الولاء، وبقي كتاب الخليلي ماثلاً في الحاضر الاجتماعي الإقصائي، وفي هذا بلاءٌ عظيم!



مَـا العمَـل؟



إننا نرى هنا أن الممارسات الإقصائية المستمرة والمتكررة تاريخياً تخلق نمطاً ثقافياً لايلبث إلاّ أن يتجذر في المنظومة الثقافية العامة لمجتمعٍ ما. إننا بحاجة "لحركة منظمة وواعية" لخلق جيل جديد غير إقصائي. هذه الحركة تكون من خلال مؤسستي التعليم والإعلام الاتي ينبغي أن يحرّكهما مؤسسات المجتمع المدني بشرط تواجد انفتاح قيمي في الإطار الفكري للمنظومة السياسية "مثال: المنظومة القيمية الجديدة التي أدخلها أتاتورك في تركيا بعشرينات القرن الماضي". الخيار الآخر، هو وجود أمثلة شخصيات اجتماعية غير إقصائية وذات كاريزما طاغية وبارزة للعيان تكون على طراز المهاتما غاندي في الهند، تدعو إلى التآلف والتعاضد واحتضان الآخر والاعتراف به. هذا الخيار سيكوّن بؤر ثقافية، لكنها تستهلك الكثير من الوقت لتنتج واقعاً اجتماعياً أقل إقصائية.



وبما أننا -يا معاوية- لسنا ضمن الخيار الأول، فإنه يجدر بنا إلتماس الطريق الثاني..



هل ستعطي الإقصائي خدك الآخر؟

لا يا معاوية. فنحن أيضًا لسنا من حواريِّ المسيح، لكننا نتبّع في الصراع أساليب أكثر تحضّراً.



لكم التحيّـة..