الأحد، 31 مايو 2009

ورحل ماجد

ورحل ماجد


عندما قُتل كليبُ وائل، جاءت وفود ربيعة لسالم الزير تسأله أن يحدد دية مقابل دم أخيه. قال لهم اسألوا اليمامة ابنته. قالت: أريدُ كليبَ حياً!

أستذكرُ حديثاً متلفزاً للسلطان قابوس -سلطان عمان- يحض المواطنين فيه على العمل المتواصل بجد وإخلاص وإتقان، واستشهد الرجلُ الحكيم بحديث من الأثر جاء عن الرسول محمد حضّ فيه تابعيه أن يغرسوا الفسيلة حتى ولو سمعوا صيحة القيامة.

أكتبُ هذه النافذة اليوم والخجلُ يملأني بشدة كبيرة. كان هناك مواطن عماني (ربما سيتمنى أنه لم يكن كذلك) اسمه أحمد بن سعيد الهاشمي وقد رزقه اللهُ بمولود كما يرزق أغلب الناس في سلطنة عمان. إلاّ أن هذا المولود عانى منذ أن خلقه اللهُ تشوهاً خلقياً. وُلدَ الطفل ماجد في مستشفى صور، واكتشفَ مرضهُ الوراثي في ذلك المستشفى، إلاّ أنه وللأسف الشديد فإن مستشفى صور المرجعي لا يملك إمكانية علاج الطفل. لهذا لزمَ تحويل الطفل لمستشفىً تخصصي أكبر، وكانَ المثالُ هنا المستشفى السلطاني.

إذن دعونا نسترجعُ الأحداث مجدداً. خلقَ اللهُ طفلاً، وصادف أن سماهُ أبوه "ماجد". وكانت المصادفة الأخرى أن هذا الوليد أصابه تشوه خلقي نتيجة لمرض وراثي. المرضُ قاتل إن لم يسعفه تدخل طبي سريع ومباشر. لا بد أن يتحرك الأطباء عاجلاً، فهذه رسالتهم الإنسانية. لقد تحركوا، وشملت تحركاتهم اتصالات بالمستشفى المذكور الذي قال للمريض أننا لا نملكُ سريراً، ولهذا لا نستطيعُ استقبال هذه الحالة.

وكي لا أطنب في الموضوع، توفي الطفل "ماجد". لقد مات. أي أن الله اختاره. أي أنه دخل الجنة (ربما يقول قائل قد نجحت مؤسسات وزارة الصحة بإرسال طفل للجنة، فلنفرح!).

هل تعرفون ما الفارقُ بهذه القضية؟!

الفارقُ أنها المرة الأولى التي أرى فيها مواطناً يطلبُ على الملأ "واسطة". لقد طُرح موضوع في "سبلة عمان" يطلب من القراء الذين يملكون "واسطة" في مؤسسات وزارة الصحة أن يتحركوا لتوفير سرير للمريض قبل أن تسوء الأمور. إنها المرة الأولى التي أرى فيها طلباً عاماً للحصول على خدمة حكومية تعتبرُ حقاً أصيلاً لكل مواطن (وحتى مقيم، كلهم يصنفون ب"إنسان" وكل إنسان له حقوق).


دعونا نعود لحديث الفسيلة. هل تعتقدون أن وزارة الصحة عرقلت فعلاً نقل الطفل المريض للمستشفى السلطاني؟ هل تعتقدون أن الأمر كان فقط عوائق بيروقراطية ورعونة من بعض المسؤولين الذين أساؤوا تقدير الأمور؟ هل هي حادثة تشرفُ وزارة الصحة؟

لا أدري حقيقة إجابة واحدة على التساؤلات السابقة. لكنني أدرك حقيقة واحدة، وأراها بوضوح تام: إن ما حدث هو جريمة أخلاقية، وإنسانية كبيرة. إنها عدم اهتمام بإنسان يحتضر. لا أظن حقيقة أن ما حدث ينم عن استيعاب من قبل وزارة الصحة بحديث السلطان عن الفسيلة والتحريض على الزراعة (إن حاكينا الخطاب الإعلامي بعمان). ولا أظن أيضًا أن السلطان قابوس سعيد بما حصل (إن افترضنا صحة المعلومات الواردة هنا).

ماجد الهاشمي مات، وهو لم يدركْ بعدُ أنهُ يحملُ اسماً. ولم يدرك والديه. بل إن الأب لم يتحسس ويحضن طفله بعدُ، فقد عاجله الموتُ. ولو كنتُ مكان الأب لسألتُ المستشفى إن كان سيملك سريراً للولد قبل ولادته تحسباً للظروف!

ما حدث شبيه بما قاله درويش في جريمة قتل الدرة..

محمّد،
يعشّش في حضن والده
طائراً خائفاً من جحيم السماء:
احمني يا أبي من الطيران إلى فوق!
إنّ جناحي صغيرٌ على الريح…
والضوء أسود
محمّد،
يريد الرجوع إلى البيت،
من دون درّاجة…
أو قميصٍ جديد
يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ…
إلى دفتر الصرف والنحو:
خذني إلى بيتنا، يا أبي،
كي أعدّ دروسي
وأكمل عمري رويداً رويداً…
على شاطئ البحر،
تحت النخيل ولا شيء أبعد،
لا شيء أبعد

اضغط هنا للمزيد
أيضًا هنا

الجمعة، 29 مايو 2009

قراءة في فكر الوردي «3 ـ 3»

قراءة في فكر الوردي «3 ـ 3»



كانت هنا الأجزاء الأولى، والثانية من هذه السلسلة. ونورد اليوم الجزء الأخير وهو مأخوذ من ملحق شرفات بجريدة عُمان عدد 27\05. سلسلة بسيطة طمحنا من خلالها بث بعض الآراء للقاريء، وبطبيعة الحال التعريف بالدكتور علي الوردي. أحسُ بفرحة أن هذه المقالات مرت أمام أعينُ القراء.

صالح البلوشي
حمد بن سنان الغيثي

وتستمر رحلة علي الوردي. فيدخل بكتابه «مهزلة العقل البشري» أشياء خطيرة إلى الثقافة العربية الإسلامية. حيث يقدم الوردي في هذا الكتاب خلاصة أبحاث علم الاجتماع حول حتمية نشوء التنازع في الجماعات البشرية. ثم يلتفت لموقف المثاليين من نشوء التنازع في تاريخنا.

يقسم الوردي المجتمعات إلى قسمين: مجتمع متحرك، وساكن. المجتمع المتحرك يكثر فيه النزاع، وهذا يقود إلى الصراع ثم التجديد. أما المجتمع الساكن ـ وهو شائع في التجمعات البدائية ـ فلا نزاع به، بل أفراده متماسكون ومؤمنون بما عندهم.
ترجع الأبحاث الاجتماعية ـ كما أشار الوردي ـ أسباب التنازع لطبيعة الإنسان، فالإنسان مجبول على ذلك بحكم تكوينه وإن قل التنازع الفعلي في محيطه للجأ لاصطناع تنازع وهمي ليروح به عن نفسه كالمصارعات والألعاب التنافسية. ويؤكد الوردي أن حتمية النزاعات تقودها استحالة إشباع الحاجات البشرية، وحب الإنسان لذاته. فالصراعُ هنا ليس صراعاً على الموارد والإنتاج كما هو الحال عند الماركسيين، بل هو صراع من أجل المكانة والتقدير أيضًا.
الإنسان يقود الصراع إذن، والصراع قد يتخد أشكالاً عدة وستكون له نتائج بطبيعة الحال. حب الصراع وايجاد النزاعات يقود الوردي للاعتقاد بأن الإنسان وحشي بالطبع مدني بالتطبع، وهذا معاكس لمقولة أرسطو «الإنسان مدني بطبعه». الميل للصراعات في الكائنات الحية رسمته بدقة النظرية الداروينة بصيغتيها البيولوجية والاجتماعية. إلاّ أن طبيعة النزاع عند الإنسان يحددها تطور المجتمع والوعي الجمعي. الصراع في المجتمعات الساكنة يكون على الغنائم والمصالح الشخصية، فلا يتطور المجتمع جراء هذه الصراعات. بينما يكون الصراع على أشده في المجتمعات المتحركة، وغالباً ما يكون الصراع على المبادئ والقيم والأفكار.

والمجتمع المتحرك لا بد أن يحوي جبهتين على الأقل ليحصل الصراع. جبهة مع، وجبهة ضد الجديد. ويسترسل الوردي في وصف الفريقين: فمن يقف ضد التغيير يكون غالبًا من أهل المصلحة والسطوة والنفوذ، فكل إصلاح جديد مربك للنظام القائم وللمجتمع. المحافظون يرفعون شعارهم عالياً «ليس بالإمكان أبدع مما كان». أما دعاة التغيير فإنهم ينشدون الإصلاح وايجاد واقع أفضل ـ كما يرون. ومن خلال هذا الصراع يتحرك المجتمع نحو الأمام.

طبيعة النزاع عند المسلمين

والمنطق القديم المنتشر في أمتنا لا يعترف إلاّ بأحادية الحقيقة. وقد نقد الوردي هذا المنطق في كتابه «منطق ابن خلدون». لذلك لم ير السلف إلاّ صحة موقفهم فيما كانوا يختلفون فيه. وعندما تغمد السيوف وتنتهك الدماء، يقول المنتصرون إننا لا نختلف على شيء، ولن نختلف. إننا أمة واحدة وعلى قلب رجل واحد، «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا». ولا تزال مواعظهم الرنانة تدعو إلى الوحدة والتمسك بالجماعة إلى يومنا هذا دون إدراك منهم أن هذا يناقض الطبيعة البشرية. نستقر هذا بوضوح في أدبيات المنتصرين وكتاباتهم عن أنفسهم وعن تاريخهم، وأن الله اصطفى بعضهم للقيام بدوره. ربما كان أبشع استغلال لنظرية الجماعة الواحدة هو ترويج الدولة الأموية لنظرية الجبر الإلهي، وأن الله اصطفى بني أمية ليحموا الإسلام والمسلمين، وبناء على ذلك فقد اتهموا كل خارج على دولتهم بالخروج عن الإسلام، ولا تزال ذات العقلية تتناسل في المجتمعات الإسلامية.

وبعد انتهاء عصر الدولة الأموية وتقادم الزمن تبلور الفقه السُني على عدم جواز الدعوة للتجديد السياسي، أي أن الخروج على الإمام القائم محرم شرعاً وذلك تحت ذرائع شتى. ولا يفوت الحذق أنهم بذلك يدفعون المجتمع للسكون وللاستكانة للواقع وشرعنته. ولم ينتشر هذا الرأي لدى أصحابه إلاّ لكونهم موظفين عند الدولة القائمة، مستفيدين من الوضع القائم، وبذلك ينضمون للفئة المحافظة الرافضة للنزاع.

لكن المجتمعات الحديثة أدركت حتمية حقيقة التنازع فاعترفت به وسمحت له، ونظمته في أطر سياسية واجتماعية واضحة، أبرزها ما بات يعرف اليوم بالديمقراطية حيث تتنازع الأحزاب في الأفكار والسياسيات ثم يحكم الشعب بالأغلبية لأحدهم ضد الآخر.

رسالة الدين عند الوردي

لا شك أن الوعاظ الدينين يحاولون دعوة الناس للمثل العليا التي تحض عليها الأديان. إلاّ أن الوردي يشدد على أن من يحاول تغيير طبيعة الإنسان بالموعظة والكلام المجرد لا ينجح. يستمع الناس له بوقار وربما تسيل بعض الدموع حين يُذكرون بالعذاب لكن الناس لا تلبث تركض وراء الدنيا بعد سماع الموعظة.

يعتقد الوردي أن القرآن به أكثر من المواعظ الدينية، ففيه دعوة للحراك الاجتماعي الأزلي بين الظالم والمظلوم، والمترف والفقير: «التاريخ في القرآن عبارة عن صراع مرير بين رجال من طراز فرعون ورجال من طراز موسى. وهذا الصراع المرير به مبادئ الحركة والتدافع الاجتماعي. يناشد المسلمون اليوم العلماء أن يقتبسوا من القرآن أسس علومهم وأدلة نظرياتهم العلمية. وهم بهذا يخدرون عقول المسلمين ويجعلونهم راضخين لجور الحكام بإهمالهم ما جاء به القرآن من مبادئ الحركة والتدافع الاجتماعي». ويقول أيضاً: إن «كل دين يحتوي على ظاهر وباطن. الباطن يتمثل بالمبادئ الاجتماعية التي جاء بها النبي. ولا يكاد يمر الزمن على الدين حتى يستلم زمامه الكهان، وعندئذ ينسى الناس مبادئ الدين الأولى ويهتمون بالطقوس الشكلية؛ إذ يتخيلون الله كأنه سلطان من السلاطين لا يريد من رعيته سوى إبداء الخضوع له ولا يبالي فيما سوى ذلك بشيء. والمُلاحظ أن المترفين هم أقدر الناس على القيام بالطقوس الشكلية، فيشيدون المساجد والأوقاف، فيخيل للناس أنهم أقرب إلى الله من غيرهم، ولعلهم يعتقدون أن الله مترف مثلهم».

مراجعة الاشكاليات التاريخية

بالعراق طائفتان كبيرتان: سنة وشيعة. وقد نشأ الوردي في إطار هذا المجتمع المتمايز.ولا يفوت القارئ الصراع الدموي الذي شهده العراق في السنوات الماضية وقد دار بين هاتين الطائفتين. يرجع علي الوردي لبدايات التاريخ الإسلامي وأزماته التي أنتجت لنا إشكاليات عميقة. إنه يستطلع ظواهر هذا التاريخ وفقا لأسس علم الاجتماع.

لاحظ علي الوردي أن المسلمين أثناء دراستهم للتاريخ ركزوا على الشخوص دون المبادئ، فهم يهتمون بأن يكون فلان أحب عند الله من فلان، أو أن فلان أشجع أو أعلم من فلان آخر. هذه القراءة للتاريخ لا تفيدهم في شيء بل تزيدهم تفرقة. ثم يلاحظ الوردي مرة أخرى البغضاء الكبيرة بين شيعة علي، وشيعة عمر رغم أنهما ينتميان لمدرسة محمد بن عبدالله.

يعتقد الوردي أن المبادئ الاجتماعية التي سار عليها أبو بكر وعمر وعلي هي واحدة في حقيقتها، ولا بد من تفاوت واختلاف في تطبيقها بسبب اختلاف الظروف والطبيعة الفردية. لذلك لا معنى هنا لدراسة التفاضل بين هؤلاء. «لكن دراسة النزاع بين علي ومعاوية مهم لمعرفة التصادم بين مبدئين متضادين أحدهما يحرص على الأموال العامة، والآخر يريد أن يقسم أموال الأمة حسب مصالحه». الفرق كبير إذن ـ حسب الوردي ـ في نهج الحكم بين هؤلاء ومعاوية، لكن صراع الأتباع لم ينشأ بين هؤلاء الطرفين، لقد نشأ بين أصحاب المدرسة الواحدة، فما السبب؟

يتتبع الوردي الروايات التاريخية جيداً في كتابه هذا ليخرج بنتيجة تشير بأصابع الاتهام إلى بني أمية، ومعاوية خصوصاً في تكريس وترسيخ الافتراق بين الجماعات الإسلامية منذ بدايات التاريخ الإسلامي. فمعاوية الداهية هو أول من اخترع مصطلح «الصحابة» ليرفعه ضد شعار «المهاجرين والأنصار» الذي رفعه علي بن أبي طالب. ثم يربط الوردي كذلك بين تكرار بعض المرويات عن الرسول التي تدعو ـ ولو من طرف خفي ـ لإطاعة معاوية. يقول الوردي: «نشأ مصطلح الصحابة مع معاوية لخلق شرعية له، في مقابل مصطلح المهاجرين والأنصار. وجاء أبو هريرة بحديث لمعاوية «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم» ليقول معاوية لعلي: عندي من الصحابة ما عندك. لا ضير إن كانوا ممن قاتلوا النبي أو قاتلوا معه».
إن تحول طبيعة الدولة في عصر معاوية من دولة تقوم على العدالة الاجتماعية والمالية إلى دولة تستأثر بالفيء والغنائم وترسخ التفرقة العنصرية أدى لنشوء معارضة مسلحة ضد الدولة الأموية اتخذت من عليّ وبنيه رموزاً لها. استلهم الثوار القيم التي نادى بها علي وعمار وأبو ذر في دعايتهم، واستطاعوا أخيرًا القضاء على الدولة الأموية إلاّ أن هذا وقع بعد حصول الافتراق بين هذه الجماعات الإسلامية.

إن طبيعة الظلم الاجتماعي والمالي واحدة مهما اختلفت الشعارات والممارسات. الشيعة المعارضون للدولة الأموية ليسوا هم الشيعة الذين أتوا في العصور اللاحقة. يعتقد الوردي ألاّ فرق بين الشيعة المتأخرين وبين نظرائهم من المذاهب الأخرى، فهم جميعًا نسوا المبادئ التي نادى إليها أصحابهم، وتفرغوا للتعصب للظالمين كلٌ من شيعته. يقول الوردي: «الشيعة يحيّون ناصر الدين شاه، ويكرهون هرون الرشيد مع أن كليهما كانا ينهبان أموال الأمة ويشتريان الجواري ثم يبكيان بعد ذلك من خشية الله».

اختلاف اليوم

لقد تغير العالم حقا عما كان عليه قبل قرون. لقد ماتت أفكار عديدة مثل: نظرية الحكم الإلهي، و نظرية الخلافة –وإن لم ينقح التراث منها. إن كان الحاكم في قديم الزمان يحكم باسم النص الديني، فإنه في عالم اليوم يحكم بعدد الأصوات التي يفوز بها. إلاّ أن هذه الديمقراطية ليست شعاراً جميلاً نشاهده في نشرات الأخبار، بل ينبغي أن تكون مسلك حياة لمريديها. ومسلك الحياة لن يسلك دون وعي الناس به وإيمانهم بضرورته.
هذه النفرة باتجاه الديمقراطية في عالم اليوم، تدفعها شعور الجماهير بالظلم. وربما لا يكون الظلم مباشرًا على الجماعة بقدر ما هو شعور بحالة عامة من الظلم والغبن تتأتى من أحداث قد تكون فردية.
إن الانقسام الكبير في المجتمع العراقي بسبب الافتراق المذهبي ستزول آثاره –كما يظن الوردي ـ بانتهاج الديمقراطية كمنهج حكم، ونسبية الحقيقة كركيزة لإعادة قراءة الماضي وتمحيصه لحاضر ومستقبل أفضل.


الخميس، 28 مايو 2009

دفاعاً عن الدين

دفاعاً عن الدين



في هذا المقطع يستعرضُ الأب بارون فيلم "ملائكة وشياطين" لدان براون لينتقد "أسطورة" عرقلة الدين -الكاثوليكي- للتقدم العلمي. إنه يقول أن الدين من الله، واللهُ العالِمُ لا يناقضُ ما خلقه... مقطع مثير للاهتمام.

الثلاثاء، 26 مايو 2009

الشعرُ

الشعرُ




قال مظفرُ النواب يوماً أن الشعر يُترنمُ به، وهذه إحدى خصائصه. لولا ذلك لكان مالحاً. ولو كانُ الشعرُ لمحمود درويش، وإن كان المترنمُ مارسيل خليفة فسيكونُ حالة استثنائية جداً.


الاثنين، 25 مايو 2009

تعزية لحسني مبارك

تعزية لحسني مبارك


مقال لأحمد السعيد أجدهُ معبراً جداً:

- تعازينا يا سيادة الرئيس.. إن قال لك أحد عظم الله أجركم فلا تعتقله بشبهة أنه اخونجي.. فغالبية شعبك من المؤمنين وان لم يكن لهؤلاء نصيب في الحكم أو التقرب منك.

سمعت أن طائرة رئاسية خاصة نقلت حفيدك الى فرنسا بينما تُمنع عربة إطفاء وإنقاذ جلبها متبرعون بريطانيون ومنهم النائب جورج غالاوي من دخول غزة والعمل على رفع الأنقاض من فوق جثث أطفالها.. هل تعلم أن هؤلاء الانجليز قد فقدو الأمل بإدخال العربة وأعادوها الى ليبيا مؤقتا؟؟

وفي اليوم الذي عادت طائرتك الرئاسية بحفيدك بعد أن قضى الله التعجيل بأجله, يتم منع وفد طبي من دخول غزة؟ ماذا لو مُنع الأطباء عن حفيدك وهو في شدة المرض يا سيادة الرئيس؟

ولمَ قبلتم بنقله الى فرنسا؟ أما أخبروك أن أحسن الفرق الطبية الاجنبية يتم احتجازها حاليا خارج معبر رفح المغلق غير بعيد عن مكان اجازتك الدائمة في شرم الشيخ

هل أخبرك رئيس مخابراتك أنه في الوقت الذي تدفن فيه أنت حفيدك, يقوم الفلسطينون بدفن الطفل ربحي جندية الذي يصغر حفيدك بعامين والذي مات أمس بعد طول عناء من المرض والوهن

هل تعلم أنه كان يتبول دماً منذ أذار الماضي دون أن يقوى الاطباء على تشخيص مرضه أو أن يسمح له بالسفر للعلاج؟؟؟

ربما كان ألم رحيل الولد أخف وطأة من مرارة شعور أب بقلة ذات الحيلة.. وهو يرى جسد ابنه الضعيف يذبل شيئا فشيئا.. بينما يقوم الأمن بحراسة أقفال المعبر المغلق تنفيذا لأوامركم ؟

لم يطلب أحد استعارة طائرتك الرئاسية لنقل الطفل ربحي... بل كان أهله سيكتفون بنقله على حمار عبر معبر رفح فيما لو سمح ذلك البغل الذي يغلق المعبر لهم بالوصول الى الجانب الاخر من السجن الغزّي؟

فراق الحبيب مؤلم يا سيادة الريّس!! لكنه لا يعادل شعور من امتزجت لديه لوعة فقدان الولد بالمرارة من ظلم الأخوة والقرف من سيادتكم

وعظّم الله أجركم


OSQ again

OSQ again



الأحد، 24 مايو 2009

whisper in autumn

whisper in Autumn




والشتاءُ يضربُ بقوةٍ هنا، والسماءُ لا تزالُ تنسكبُ كما هي.
همس في الشتاء لن يكون برزبن ولا في صحار، بل سيكون في السماء هذه المرة. في السماء البعيدة.

الخميس، 21 مايو 2009

صور وكلمات

صور وكلمات













إذن وكما عرضنا سابقاً، كانت عطلة نهاية الأسبوع الفائت جميلة جداً. كانت استثنائية. وكأن السماء أدركت ذلك، فانسكبت كثيراً خلال الأيام الماضية لتمسح هذه الذكرى! لكن هيهات.. هيهات.

ربما شاهدتم في مقاطع الفيديو التي رُفعت على اليوتيوب تلك العجوز التي ترقص على الموسيقى العربية. أذكر أننا انتبهنا لوجودها حالما كان العازفُ يعزف. كانت ترقص في ركن بعيد، ولهذا قفز الشيطان في عقل أحد الأصدقاء ليحضني على دعوتها للرقص في وسط الصورة التي ستؤخذ لاحقاً. وقد رقصت العجوز ليرقص بعدها العديد من الناس. أحد حضور المعرض -وقد زار الهند كما قال- خمّن أن لغة عُمان هي الهندية. قلت له العمانيون عرب مسلمون. استدرك شيئاً، ثم ابتسم. كان هناك زائر أيضًا من أصول سواحيلية. قال أنه زار عمان في أحد السنوات، ولقى معاملة سيئة في مطار السيب "حينها"، فرجع إلى بلده على أول طائرة مغادرة. قلتُ له إنني لا أستوعب الحادثة، فالعمانيون لا يخلقون المشاكل إن لم تكن أمامهم مشكلة قائمة.

وكان المعرضُ جميلاً بالنسبة لنا. ربما هي رؤية الأصدقاء، والضحك المستشري في الأفواه من كل شيء، والتعليقات الغريبة، والحركات الأغرب. ربما كان الأجمل هو حضور الأعلام والملابس العمانية، وأشرطة وزارة الإعلام العمانية المملة عن عمان، إلاّ أننا لم نستخدمها واستخدمنا عوضاً عن ذلك مقاطع وزارة السياحة.

وحينما تتسلل ذكرى البلد في عقل شاعر، فإنه يصدح:

دقت الساعة القاسية
وقفوا في ميادينها الجهمة الخاوية
واستداروا على درجات النصب
شجراً من لهب
تعصف الريح بين وريقاته الغضة الدانية
فيئن: "بلادي .. بلادي"
(بلادي البعيدة!)

الأربعاء، 20 مايو 2009

قراءة في فكر علي الوردي 2-3

قراءة في فكر علي الوردي 2-3
تستكمل شرفات نشر هذه السلسلة من عرض أفكار وبعض كتب علي الوردي. الجزء الأول هنا. والسلسلة من كتابة صالح البلوشي، وحمد سنان الغيثي. ما أود قوله هنا: أن بحوث علي الوردي في التراث الإسلامي لا تزال محافظة على جدتها وثوريتها. كان همنا إرسال رسالة للناس حول هذه الآراء، أي تقريبهم منها كي ينظروا بمنظور آخر للأحداث في هذا الزمن الطائفي.

يعد كتاب وعاظ السلاطين من أهم الكتب التي قام الدكتور علي الوردي بتأليفها، وقد صاحبت نشره ضجة كبيرة في العراق وصلت لحد التكفير والتهديد بالقتل، وصدور خمسة كتب للرد عليه، كان أشهرها كتاب "مع الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين" للعالم الشيعي الشهير مرتضى العسكري الذي ما زال يطبع إلى اليوم. قدم الوردي كتابه إلى الذين ظلوا طوال التاريخ الإسلامي يمطرون الناس بمواعظهم وخطبهم الرنانة، فلم ينتفعوا منها بشىء لأنهم ـ حسب الوردي ـ دأبوا على وعظ المظلومين وتركوا الظالمين. وقد اتخذ الطغاة الوعاظ آلات في أيديهم لينذروا الناس بعذاب الآخرة وينسوهم بذلك ما حل بهم في هذه الدنيا من عذاب مقيم.

وهذا الكتاب هو كغيره من كتب الوردي من حيث نقد المنطق القديم والقول بأن التاريخ لا يسير على هذا المنطق وإنما على أساس الطبيعة الإنسانية وما تحمله من نزعات وميول لا يمكن تغييرها بسرعة. شدد الوردي أيضًا على أن الأخلاق لا تكتسب من خلال الوعظ الأفلاطوني لأنها من نتاج الظروف الاجتماعية.

موضوعات الكتاب

يختلف كتاب وعاظ السلاطين تماماً عن الكتب العديدة التي ألفت للبحث في التاريخ الإسلامي، فهو ليس ككتاب "محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية" للشيخ محمد الخضري، أو سلسلة أحمد أمين الشهيرة في التاريخ الإسلامي، إنما هو بحث في تاريخ الفكر الإسلامي على ضوء المنطق الحديث وهو ـ حسب اطلاعنا ـ الكتاب الوحيد في موضوعه الذي يعالج الكثير من موضوعات الفكر الإسلامي مثل: السلف الصالح، وشخصية عبد الله بن سبأ الأسطورية، وعلاقة قريش بالشعر، وشخصية عمار بن ياسر ودوره في أحداث الفتنة التي وقعت في صدر الإسلام، والعلاقة بين السنة والشيعة وغيرها من الموضوعات المهمة والتي يستحق كل واحد منها وفقة فاحصة.
هناك أسباب عديدة دفعت الدكتور الوردي إلى تأليف هذا الكتاب منها موقفه المعروف من المنطق القديم الذي واصل نقده الشديد له في هذا الكتاب عبر نقده للأساليب الوعظية المتبعة اليوم. فالوردي يعتقد أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد وحده، لأنها كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جبل عليه ذلك الشىء من صفات أصيلة.

حول الوعظ الإفلاطوني


يخصص الدكتور الوردي الفصول الأولى من كتابه هذا لمناقشة ظاهرة الوعظ الديني التي استفحلت في التاريخ والحاضر الإسلامي. يعتقد الوردي بأن الوعظ المجرد يكون ذا ضرر بليغ في تكوين الشخصية البشرية إذا كان ينشد أهدافاً معاكسة لقيم العرف الاجتماعي. فعندما يذهب المسلم إلى المسجد أو المدرسة يسمع هناك وعظاً أفلاطونياً يحضه على ترك الدنيا والإقبال على الآخرة، فتبدأ أزمة نفسية بالتكون فيه، فهو كمثل حال جميع البشر يحب الدنيا وما فيها من ملذات ومغريات ولكن عندما يسمع كلام الواعظ يأمره بترك هذه الدنيا الخلابة يمسي حائرًا فضميره ووجدانه الداخلي يأمره بإطاعة الواعظ، لكن نفسه تجذبه من الناحية الأخرى نحو الدنيا جذباً لا خلاص منه، فهو إذن واقع بين حجري الرحى: لا يستطيع أن يترك الدنيا، ولامخالفة كلام الواعظ لأن ضميره يدفعه لتأنيبه خاصة أنه وُعد بالجنة التي سوف تكون من نصيب من يترك الدنيا للآخرة.


والوعظ ليس المحدد الوحيد لسلوك الفرد، فالعرف الاجتماعي يسيطر على العقل الباطن للإنسان وإن كان معاكساً للوعظ. يقول الدكتور علي الوردي: "من خصائص الطبيعة البشرية أنها شديدة التأثر بما يوحي العرف الاجتماعي إليها من قيم واعتبارات، فالإنسان يود أن يظهر بين الناس بالمظهر الذي يروق في أعينهم، فإذا احترم الناس صفة معينة ترى الفرد يحاول شتى المحاولات للاتصاف بتلك الصفة وللتباهي بها والتنافس عليها".

شر المجتمعات ـ حسب الوردي ـ هو ذلك المجتمع الذي يحترم طريقاً معيناً في الحياة في الوقت الذي ينصح الواعظون فيه باتباع طريق معاكس له. في هذا المجتمع ذي الوجهين ينمو الصراع النفسي لدى بعض أفراده ويأخذ بتلابيبهم وقد يلجأ كثير منهم الى حياة الانعزال أو الرهبنة. إنهم لا يستطيعون أن يوفقوا بين تلك الدوافع المتناقضة، ولذا نراهم طلقوا الدنيا وذهبوا إلى صوامعهم أو أبراجهم العاجية يجترون مثلهم العليا اجتراراً. أما الباقون من الناس ممن لا يستطيعون الاعتزال فنراهم يلجأون في سبيل التوفيق بين مبادىء الوعظ وقيم المجتمع إلى حيلة أخرى هي ما نسميها بازدواج الشخصية.

ازدواج الشخصية

المطالع لتاريخ وسيرة بعض الملوك والخلفاء يجد تناقضاً شديدًا يحيط في الكثير من جوانب حياتهم المختلفة. ينطبق عليهم وصف الوعظ الأفلاطوني فتجد أحدهم مثلاً يحيط نفسه بالحكماء والوعاظ ورجال الدين لوعظه وتعليمه السلوك الصحيح في الحكم وإصلاح الرعية، ثم تجده باكياً عند سماع الموعظة، أو متألماً بقوة عند علمه بوجود مظلومين في مملكته. لكنه في ذات الوقت يقتل ويفتك المعارضين له بأبشع الأشكال. إنه بهذا المعنى مزدوج الشخصية، وازدواج الشخصية هذا يختلف من بعض الوجوه عن النفاق، فالمنافق مزدوج في قوله أو فعله ولكنه يعرف أنه مزدوج إذ يتقصد هذا الازدواج لكي يتزلف إلى شخص أو يطلب منه شيئاً.

أما مزدوج الشخصية فهو لا يدري بازدواجه، ولا يريد أن يدري، وله في الواقع وجهان: يداري الواعظين بأحدهما، ويداري بقية الناس بالآخر. وإذا ذكر بهذا أنكر وربما أرعد وزمجر. وللمثال يذكر الوردي قصة أهل الكوفة مع الحسين بن علي: فقد خرج الحسين بن علي من مكة في طريقه إلى الكوفة بعد أن طلبه أهلها للبيعة وخلع يزيد بن معاوية، فلقي في طريقه الشاعر المعروف الفرزدق فسأله عن أحوال الكوفه وأهلها وهو يتوقع أن يسمع أخبارا طيبة عنها. لكن الفرزدق أجاب بكل حزن: إن قلوب أهل الكوفة معك، ولكن سيوفهم عليك.
برز الصراع النفسي وازدواجية الشخصية بقوة في تلك الفترة الزمنية. فأهل الكوفة الذين طلبوا من الحسين القدوم إليهم لإنقاذهم من سلطة بني أمية هم أنفسهم الذين خرجوا لقتاله. يقول الدكتور علي الوردي: "وهذه الأزمة تنتاب النفوس عادة في المراحل التاريخية الحرجة التي يصطرع فيها عاملان متناقضان: عامل المباديء العليا من جهة، وعامل الإغراء والطموح من الجهة الأخرى".

لاحظ الوردي أن العرب يفوقون غيرهم من الشعوب في ازدواج الشخصية، والسبب في ذلك ـ حسب رأيه ـ هو وقوعهم تحت تأثير عاملين متناقضين من القيم: قيم البداوة وقيم الحضارة. فالأولى تحرض على الكبرياء وحب الرئاسة والتفاخر بالأنساب، في حين تؤكد القيم الإسلامية على التقوى والعدالة والخضوع لدين الله. لذلك أصبح العربي بدويا في عقله الباطن، مسلما في عقله الظاهر فهو يمجد الفخر والقوة بينما في أفعاله يعظ الناس بتقوى الله وبالمساواة بين الناس.


السلف الصالح

بحث الدكتور علي الوردي في كتابه مسألة السلف الصالح وكيف يجب علينا أن نتعامل مع هذه المسألة. يقول إن الواعظين يريدون أن يرجعوا بنا إلى صدر الإسلام وهم يشيرون دائماً إلى المسلمين الأولين قائلين: انظروا إليهم، لقد اتبعوا الحق فنجحوا، وليس لنا إلا أن نتبع طريقهم بحذافيره لكي ننال النجاح مثلهم.

ينتقد الدكتور الوردي هذا المنطق لأن المسلمين في نظره نجحوا ثم فشلوا وليس لنا إلا أن ندرس عبرة النجاح والفشل في تاريخهم لكي نتعظ بها. يصف الوردي نظرة الوعاظ بأنها نفس نظرة المنطق القديم والتصنيف الثنائي الذي يقول إن الحسن حسن على الدوام والقبيح يبقى قبيحاً إلى يوم القيامة، والمنطق الاجتماعي الحديث يستخف بهذا الرأي فالحسن في نظر المنطق الحديث لا يبقى حسناً إلى الأبد، فهو في حركة وتغير مستمر.

يفصّل الوردي حديثه أن الوعاظ يريدون منا أن ندرس الإسلام ونبارك حركته الأولى باعتبار أنها الحركة الخالدة التي لا تحتاج إلى تطوير، وهذا الرأي ـ حسب الوردي ـ لا يرضاه الإسلام نفسه ولا نبي الإسلام. فقد جاء محمد (ص) للناس بخطوة اجتماعية كبرى، وهو يعلم أن التاريخ يسير بخطوات متتابعة فلا بد إذن أن تعقب خطوته خطوات أخرى على توالي الأجيال من غير توقف.

وهل كان السلف الصالحُ صالحاً حقاً؟ يتتبع علي الوردي نشوء الطبقة المترفة في المدينة، ثم انتشارها في بقية الأمصار الإسلامية. لقد عادت الطبقية الاجتماعية والترف المالي بأغطية إسلامية إلى الظهور مع توالي توارد الغنائم والجواري والعبيد إلى المدينة في عهد عمر وعثمان، وبذلك ذبلت القيم الاجتماعية التي نادى بها محمد(ص). ولعل عمر بن الخطاب أدرك ذلك فاتخذ تدابير تحد من انقسام المجتمع الإسلامي لكن خنجر أبي لؤلؤة حال دون إتمام مشروعه.


في عهد عثمان انقسم السلف الصالح، فوقف الأغنياء منهم مع عثمان، أما الفقراء من أمثال أبي ذر وعمار وغيرهم فقد كانوا يؤلبون الناس ضد المترفين الذين استفادوا من غنائم الفتوحات. وقد أدى هذا لنشوء الفتنة، ونشأت معها أسطورة عبدالله بن سبأ.

عبد الله بن سبأ

من المسائل التي بحثها الوردي في كتابه شخصية عبد الله بن سبأ التاريخية. هذه الشخصية مثيرة للجدل، فقد حمّلها جل المؤرخين المسلمين مسؤولية الفتن التي ظهرت في بداية الإسلام، فابن سبأ ـ في نظرهم ـ حرك الصحابي أبا ذر للدعوة بإعادة تقسيم الأموال في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وهو الذي كان على رأس من ألب الأمصار الاسلامية للثورة على عثمان، وهو الذي جاء بفكرة الوصية والإمامة التي كانت أساس ظهور بعض الفرق الإسلامية. بهذا كان ابن سبأ وفقاً لهؤلاء المؤرخين ومن سار على ركبهم من أرباب الفرق منبع كل الشرور والمصائب والرزايا في بداية الإسلام إلى يومنا هذا.

إذن شخصية ابن سبأ ـ كما يقول الوردي ـ خارقة جداً، ولا بد أنه كان يملك قوة نفسية استطاع أن يؤثر بها في جماهير المسلمين آنذاك، وقد كان هذا التأثير بليغاً كفاية ليثير الثورات ويمنع الصلح في معركة الجمل ويبث في الإسلام أفكارًا غريبة تبقى بعده إلى يومنا هذا.
فيما تتجه معظم المرويات التاريخية لتثبيت يد ابن سبأ في أحداث الفتنة، نجد بعض الباحثين المحدثين يعتبرون هذه الشخصية أسطورية محضة، ومن هؤلاء طه حسين، مرتضى العسكري، عبدالعزيز الهلابي وغيرهم. لكن ما موقف صاحبنا علي الوردي من هذا؟
يعقب الوردي على هذه الروايات: "يخيل لي أن ابن سبأ الذي ينسب إليه تحريك الثورة كان وهماً من الأوهام كما قال الدكتور طه حسين، ويبدو أن هذه الشخصية العجيبة اخترعت اختراعاً، وقد اخترعها أولئك الأغنياء الذين كانت الثورة موجهة ضدهم. وهذا هو شأن الطبقات المترفة في كل مرحلة من مراحل التاريخ إزاء من يثور عليهم فكل انتفاضة اجتماعية يعزوها أعداؤها إلى تأثير أجنبي".
لكن علي الوردي لا يكتفي بذلك، بل يقرر أن أبا ذر الغفاري وعمار بن ياسر كان لهما الدور الأكبر في تأليب مسلمي الأمصار ضد الخليفة، لعدم التساوي في تقسيم الفيء. وبذلك يدخل أبو ذر وعمار ضمن جماعة السبئيين!

قريش

تتبع الوردي قصة قريش منذ بدء الإسلام ليس تتبعاً لقبيلة عربية فقط، بل لاندماج الدولة بأرستقراطيتها مع الدين، وهذا الدين الذي كان دين المستضعفين والمظلومين ثم تحوّل مساره فصار دولة فاتحة بها ملوك وأمراء ورعية وعبيد. رفضت قريش الإسلام لا لأنه ديانة توحدية، بل لأنها اعتقدت أنه يهدد نظامهما الاقتصادي ومكانتها الاجتماعية بين القبائل. فالمسلمون كانوا يصلون تجاه بيت المقدس، وفي هذا انحسار لدور مكة إن انتشر الإسلام.

وبعد فتح مكة تم تحطيم الأصنام على يد الرسول، ويستغرب الوردي كيف لم يتأثر القرشيون من منظر الأصنام المحطمة التي كانوا يعبدونها طيلة حياتهم. كانوا يحاربون محمداً ثلاثا وعشرين سنة دفاعاً عن معتقدهم كما كانوا يقولون وإذا بهم يستكينون أمام الواقع الجديد. يعتقد الوردي أن سادة قريش قد دخلوا الإسلام ليس إيماناً به، بل نفاقاً، واستغلالاً للوضع الجديد. وقد امتلأت أيديهم بالغنائم الكثيرة التي ألف بها الرسول قلوبهم بعد غزوة حنين، لكن موت محمد (ص) فتح أمامهم آفاقاً أخرى. حدثت مماحكات بين أبي بكر وعمر وسادة قريش أثناء خلافة الاثنين. وقد قارن عمر بين علي وعثمان، فقال: لو ولّوها الأجلح ـ علي ـ لحملهم على الجادة، ولو وليها عثمان لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، ولو فعلها لقتلوه". وقد مات عثمان حقاً في أتون الفتنة التي مزقت الإسلام إلى فرق، ويتهم الوردي معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم للسعي في مقتل عثمان ومنع الصلح بين المتخاصمين.

يؤكد الوردي في دراسته أن تتبعه للتاريخ الإسلامي ليس لأجل التسلية، بل هو دراسة للقيم والمباديء التي أدت لنشوء الصراع المسلح بين جماعة المسلمين. رأى الوردي أن قريشاً لم تنزل من كبريائها، بل تربصت بالإسلام حتى استغلته وأدارته لصالحها بتوليّ بني أمية الحكم. والإسلام الشوريُ الذي دعا إليه محمد في ناحيته السياسية قد صار ملكاً وراثياً لايختلف عما كان عليه قيصر وكسرى.



الثلاثاء، 19 مايو 2009

أيام عمانية في كوينزلاند

أيام عمانية في كوينزلاند
























أستحضر مقولة محمود درويش: "احمل بلادك أنى ذهبت، وكن نرجسياً إذا لزم الأمر". لقد حملنا عمان في كوينزلاند لأهل كوينزلاند. كنا -ولازلنا معتزين- بعمانيتنا، وثقافتنا العربية. لم يدفع لنا أحد لنفعل ذلك، بل كان عملاً تطوعياً محضاً -رغم مشاقه-. مئات من الناس عرفوا عن عمان تلك الدولة التي تجيد الاختفاء على ورق الخريطة. نقول لعمان: ربما استطعنا رد جزءً بسيطاً من الفضل الكبير علينا.


أيام عمانية في كوينزلاند
خريجون بكوينزلاند، ومعرض عماني في قلب برزبن التجاري

كتب: حمد سنان الغيثي
تصوير: مفيد الكلباني


نظمت الجمعية العمانية بكوينزلاند أياماً عمانية في مقاطعة كوينزلاند الأسترالية، رعى خلالها القنصل العام لسلطنة عمان في أستراليا سعادة حمد بن حمود الحجري حفل الخريجين الذي نظمته الجمعية مساء السبت في جامعة جريفيث، وقام أيضًا بافتتاح معرض "اكتشف عُمان" الذي أقامته الجمعية في شارع كوينز التجاري بمدينة برزبن صباح الأحد.


حفل الخريجين:

أقيم حفل الخريجين في جامعة جريفيث بفرعها في منطقة الساوث بانك القريبة من الحي التجاري لمدينة برزبن مساء يوم السبت بتاريخ 16 مايو. هدفت الجمعية من خلال الحفل تكريم أعضائها في مناسبة تخرجهم، جامعة إياهم تحت سقف واحد عماني الملامح. وقد تعددت فقرات حفل الخريجين لتكون البداية مع قراءة القرآن الكريم الذي قام بتلاوته الطفل الأزهر بن زاهر الزكواني الذي تلا الآيات السبع الأولى من سورة العلق التي تحض على القراءة والتعلم. ثم توالت الفقرات تباعاً، ليلقي سعادة حمد الحجري كلمة شكر فيها الجمعية على دعوته لحضور الحفل، وهنَّـأ الطلاب على التخرج، مذكراً إياهم بالهدف الأسمى من تحصليهم الدراسي بعيداً عن عُمان، وهو خدمة عمان. وكانت هُناك كلمة من إدارة الجمعية ألقاها رئيس الجمعية زاهر بن سليمان الزكواني عدّد فيها بعض المحطات المهمة للجمعية وطلابها، وهنّأ الخريجين كذلك.

في الفقرات التي تلت، أدّى شباب الجمعية رقصات من التراث العماني مع الموسيقى الشعبية، ليصقف الحضور طويلاً لهم. عُرض أيضًا تسجيل بصري لفعاليات الجمعية خلال الشهور العشرة الماضية التي شملت فعاليات الأعياد الماضية، العيد الوطني الثامن والثلاثين، الاحتفاء بالأعضاء الجدد، والفعاليات الرياضية والترفيهية التي أقامتها الجمعية. كانت هناك أيضًا وقفة جميلة مع الشعر الشعبي التي جاءت من خلال الشاعر داؤد بن حمود الجلنداني، وقد تفاعل الحضور مع القصائد الملقاة. ألقت الدكتورة كاملة بنت الوليد الهنائيه كلمة الخريجين، سردت فيها مصاعب البداية، وحلاوة النهاية، والتطلع للوطن العماني. في نهاية الحفل وزّع سعادة حمد الحجري الجوائز وشهادات التقدير على الخريجين، ومتميزي الأنشطة من أعضاء الجمعية، كذلك قُدِّمت شهادات تقديرية لوزارة السياحة العمانية، ووزارة الإعلام، والهيئة العامة للصناعات الحرفية، وجامعة السلطان قابوس، وهيئة برزبن للتسويق، وبعض الجامعات الأسترالية لدعمها المستمر للجمعية في فعالياتها.


معرض عماني في قلب برزبن التجاري

ومنذ صبيحة الأحد بتاريخ 17 مايو زيّنت الأعلام العُمانية المنطقة المركزية في شارع كوينز التجاري الكائن بقلب مدينة برزبن. وقد افتتح القنصل العام للسلطنة بأستراليا سعادة حمد الحجري المعرض العماني الذي عُنون ب "اكتشف عُمان". وقد تواجد الشباب العماني منذ الصباح الباكر في ذلك الشارع لترتيب وتنظيم المعروضات، وتركيب الأجهزة المختلفة.

الحضور كان كثيفاً عاكساً موقع المعرض في قلب الحي التجاري، وكون الأحد يوم عطلة رسمية بأستراليا. اشتمل المعرض على بانرات علقت عليها صوراً مميزة من سلطنة عمان، ومنحوتات ومشغولات فضية وتراثية حرفية عمانية شملت الأدوات التي استخدمها العماني قديماً مثل: أدوات الطعام وحفظه، والمناديس وملابس المرأة العمانية المزركشة. إضافة ضم المعرض ركناً هاماً للكتب التعريفية للسلطنة بمناطقها ومحافظاتها المختلفة، وكتباً تسويقية بها لمحات أخّاذة من البيئة الطبيعية والمجتمع العماني. قامت كذلك عضوات الجمعية بإنشاء ركن خاص للحناء العماني. وشهد هذا الركن ازدحاماً كبيراً بالفتيات الأستراليات اللاتي بهرن بالحناء العماني، وليطلبن رسم بعض النقوش على أيديهن. استخدم العارضون شاشات بلازمية لعرض مقاطع فيديو تعطي لمحات للحياة والثقافة في سلطنة عمان. زيّن الحفل كذلك الفنان العماني زياد الحربي الذي أقام ركناً آخر للطرب العربي، مستخدماً آلة العود في عزف مقطوعات رائعة من الموسيقى العربية. كذلك لم يبخل الفنان زياد بعزف وغناء أغانٍ من التراث العماني مثل موسيقى فن البرعة. وقد وصِّلت آلة العود التي استخدمها زياد الحربي بمكبرات صوت غطّت شارع كوينز بأكمله ليفاجأ منظمو المعرض بالأعداد الكبيرة التي وقفت لتسمع هذه الموسيقى العربية في شارع تجاري بأستراليا. ومع توالي ألحان وغناء العازف شارك الشباب العماني بأداء الرقصات الشعبية بالزي العُماني، ولم تنقصهم العِصِيّ العمانية التي قبضوا عليها بأيمانهم. وقد استمرت هذه الرقصات والمعزوفات حتى الرابعة مساءً وقت انتهاء المعرض.

تميز المعرض بكثافة الزوار الذين وجدوا أكثر من خمسين شاباً وشابة عمانية باستقبالهم هناك. زار المعرض كذلك عدد مهم من مسؤولي أندية الطلبة الخليجية بكوينزلاند، وتواجد الشباب الخليجي بكثافة هناك، وقد أعربوا عن تقديرهم للدور التي تلعبه الجمعية العمانية في التعريف بالثقافة العربية في دولة مثل استراليا.

على هامش المعرض التقينا رئيس الجمعية العمانية بكوينزلاند زاهر الزكواني متسائلين عن التحديات التي تواجه الجمعية والإنجازات التي حققتها، فقال الزكواني: الحمد والمنة لله، فإقامة حدثين كبيرين في أقل من أربع وعشرين ساعة إنجاز مهم بحد ذاته. الشباب العماني في كوينزلاند عمل كعائلة متناغمة والنتائج مبشرة وتبعث على الارتياح. لا ننسى شُكر الجهات الداعمة في السلطنة للجمعية، ونخص بذلك وزارة السياحة التي قدمت الكثير من الدعم للجمعية لتخرج معرض "اكتشف عُمان" بهذه الصورة المشرقة. التحديات قائمة دائماً، ورغم أن عمل الجمعية هو تطوعي محض إلاّ أن الصعوبات المادية تظل العائق الأكبر أمام تقديم عمان للجمهور الأسترالي. لكننا استطعنا اليوم التغلب على ذلك، وفعاليات الجمعية أخذت موقعها في الإعلام الأسترالي.

جدير بالذكر أن المزيد من التفاصيل موجودة في موقع الجمعية، وهناك مقاطع فيديو في موقع يوتيوب، ويستطيع الراغب إيجادها من خلال الكلمة المفتاحية "جمعية كوينزلاند".

الخميس، 14 مايو 2009

Omani Exhibition in CBD

Omani Exhibition in CBD

Few days from now, Omani Society in Queensland will hold "Discover Oman" exhibition in the busiest street in Queensland state "Queen St" where most shopping centers and some governmental firms located.

I expect seeing some fellas in Omani dress, and may be some omani girls as well (unless they're shay) . Those guys will show Oman to queenslanders. Omani consular general in Australia will be around as well. Some media are invited.

It is gonna be quite big event, and I hope at the end of it we represent Oman in a good image.
By the way guys, you are most welcome to come.

Hamed

الأربعاء، 13 مايو 2009

التمييز العنصري

التمييز العنصري



قال المُتنبي هاجياً كافور الإخشيدي عظيم مصرَ يوماً:
... لا تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معهُ... إن العبيدَ لأنجاس مناكيدُ

ولئن قال المتنبي هذه الأبيات هاجياًكافور، فقد قال أجمل منها مادحاً لكافور، لكن المثير للدهشة في الأمر هو استخدام العنصريين لهذا البيت تدليلاً على حكمة سيدنا المتنبي.

اليومَ أنظر للسنةِ، نحنُ في 2009، ربما متحررين شكلاً من معطف الماضي لكنه روحنا التي نعيشُ بها، وننظرُ بها للأمور. الكاتبُ سالم آل تويه له ملف كامل يتحدث فيه عن العنصرية في سلطنة عُمان، فما كان من أحد الإخوة الذين يعيشون معنا على هذه الأرض المُسماة عمان إلاّ أن أردفهُ بالقول:

لا تشتري العبد إلا والعصا معه... إن العبيد لأنجــاس مناكــيد
نامت نواطير مصر عن ثعالبها ... وقد بشمن وما تفنى العناقيد
لا يقبض الموتُ نفسا من نفوسهم ... إلا وفي يده من نتنها عود
من علم الأسود المخصي مكرمة ... أقومه البيض أم آباؤه السود
أم أذنه في يد النخاس دامية ... أم قدره وهو بالفلسين مردود

أتألم لما قرأته، فهو يشير إلى دمار كبير يستوطن صاحبه. العنصريونَ لم يختفوا من العالم، إنهم يمارسون عنصريتهم باستحياء في أحيان عديدة. ويبدو أن صاحبنا هذا، المولود في عصر النهضة، لم يغسل عقله ووعيه من ترسبات المجتمع القبلي والعنصري بل يأكد بوضوح كبير أن التصنيفات القبلية والعرقية لا تزال سائدة في أذهان من يسكن هذا المجتمع.

لن يختلف متجادلان -كما أحسبُ- في نسبة هذه النظرة للثقافة القبيلة التي استطونت مجتمع صحراء الجزيرة العربية، فالقبيلة العربية كانت هي الوحدة الاجتماعية والسياسية المسيطرة في هذا المجتمع العربي الفضفاض. وفي الصحراء يخفتُ صوتُ الحكومة المركزية، وتقل سطوتها على الفرد، فتبرزُ القبيلة بكيانها السياسي، وتنظيماتها الاجتماعية. ولابدَ في هذه الوحدة التنظيمية القائمة على أساس العرق والولاء القبلي من فئة من المُستضعفين أو الموالي أو العبيد ليقوموا بأعمال عديدة دون مقابل. وحينما تقوى شوكة الدولة وتزداد عساكرها، وحينما تستوطن القبيلة الأرض، ويتداعى شكلها السياسي فإن ثقافتها الاجتماعية لا تأفلُ بسرعة، بل تتلاشى ببطء شديد.

الله خالق الإنسان بصفة واحدة، فكلهم أبناء آدم، ولم يستعبد بعضهم لبعض. لكن الإنسان يستعبد أخاه بشكل مباشر أو غير مباشر، فيرى في أخيه إنساناً من درجة أقل. والأمر سيّان أكان التمييزُ العنصريُ يجري على أيدي النازيين ضد اليهود، أم على يدِ اليهود ضد الفلسطينيين، أم بيد العاربة ضد المستعربين. الأمرُ سيان، وإن تعددت الأشكال.

ونحن نرى العنصريين في بلادنا يحقُ لنا التساؤل من أين أتوا؟ وكيف تشكلت ثقافتهم؟ لن أخالف الواقع إن جزمت أن كل هذه المعطيات هي نتاج لثقافة مترسبة من الماضي، لكنني أتساءلُ أيضًا عن مدى قوة القوى الثقافية المعاكسة التي ينبغي أن تربح المعركة الثقافية، لأنها فقط ثقافة العصر الحالي. هذه القوى الثقافية المعاكسة تتركزُ كما أتخيلها في الدين الذي يدعو في أهم نصوصه للتخلص من العبودية -مهما كان شكلها- للعيش في ظل المساواة والتكافؤ. هناك أيضًا ثقافة العصر الحديث التي كنا نتخيلُ ترسيخها في المناهج التربوية والخطاب الإعلامي الذي يوجه المجتمع دون ريب لقيم معينة.

الصيرورة التاريخية تحكي لنا أن الانتقال إلى الحضر يُلغي هذه الثقافة العنصرية بمرور الزمن الطويل. كتب ابن خلدون بعض الملاحظات في هذا الشأن بمقدمة تاريخه الشهير، لكن العمر المار بسرعة قد لا يدركنا للعيش في مجتمع عماني خالي من العنصرية.

الطبقية، والعنصرية، والقبلية، والجهوية كلها لا تقود إلى المساواة في معاملة الناس. ينبغي أن تقوم الأجهزة الحكومية المختلفة -باعتبارها الأجهزة الفاعلة في المجتمع- بمكافحة هذه الظواهر المأساوية. وينبغي على الكُتاب ومن لف لفيفهم نقد هذه الظواهر، ولفت أنظار المجتمع نحوها.

سيزيفُ لم تعد على أكتافه الصخرة
يحملها الذين يولدون في مخادع الرقيق
والبحرُ -كالصحراء- لا يروي العطش
لأن من يقول "لا" لا يرتوي إلاّ من الدموع

أمل دنقل.

قراءة في فكر الوردي «1- 2»

قراءة في فكر الوردي «1- 2»


هذا المقال ينُشر في عدد شرفات اليوم، وهو لصالح البلوشي، وحمد الغيثي.

في هذه المقالة والمقالة التالية سنحاول تسليط الضوء على الدكتور علي الوردي وأهم القضايا الفكرية والاجتماعية التي شغلته. سنركز بشكل خاص على الآراء التي نشرها في كتبه: منطق ابن خلدون، ومهزلة العقل البشري، ووعاظ السلاطين.
الدكتور علي الوردي باحث اجتماعي عراقي ولد بكاظمية بغداد سنة 1913 حيث مرقد الإمام موسى الكاظم. وتوفي في الثالث عشر من الشهر السابع تموز سنة 1995. نشأ الوردي فقيراً عصامياً مثابراً يعمل ويدرس ويجتهد، وكان إلى جانب ذلك مولعاً بالقراءة إلى حد النهم بها حتى أنه طرد من محل كان يعمل به بسبب القراءة أثناء العمل.

مشواره الأكاديمي


أنهى الوردي شهادة البكالوريا سنة 1936 بحصوله على المركز الأول على مستوى العراق، ولذلك أوفدته الحكومة العراقية للدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت. أكمل البكالوريوس عام 1943 ثم سافر للدراسة في جامعة تكساس الأمريكية لينهي الماجستير1948، والدكتوراة عام 1950 في علم الاجتماع، وقد كانت أطروحته للدكتوراة حول نظرية ابن خلدون الاجتماعية.

عاد إلى العراق فعُيّن مدرساً في كلية الآداب بجامعة بغداد، ثم أصبح أستاذاً مساعداً عام 1953، ثم تمت ترقيته إلى مرتبة الأستاذية في علم الاجتماع. أحال نفسه إلى التقاعد سنة 1970 ومنحته جامعة بغداد لقب "أستاذ متمرس" وهو أول لقب علمي يحصل عليه أستاذ جامعي في العراق. منذ ذلك التاريخ انكب الوردي على عمله الموسوعي الذي وصفه بعمل العمر "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" الذي لم يستطع تكملته بسبب الظروف السياسية التي مرت بالعراق بعد ذلك، فآثر الوردي السلامة.

فكره


ركز الوردي كتاباته على قضايا شائكة في الثقافة العربية، كي يعرضها من منظور آخر، غير تقليدي. تميّز الوردي بموضوعيته العلمية التي ساعدته كثيراً في تجاوز الأطر الفكرية التقليدية في قراءة الماضي والحاضر. ولأجل هذا دعا الوردي إلى التحلي بأسس المنطق الحديث في التفكير والتخلي عن "المنطق القديم أو المنطق الأرسطي" الذي حمله المسؤولية الكبرى فيما آل إليه العقل العربي في مجال الدين، والأخلاق، والسياسة. قدم الوردي قراءات جديدة للأخلاق وتطورها في المجتمعات العربية، وكذلك دعا لتحرر المرأة في مجتمعات تشهد تحولات جذرية. ولأن الوردي نشأ في مجتمع يعاني من ثنائية مذهبية (سنة - شيعة) فقد نبش الرجل التاريخ الإسلامي مفتشاً في معضلاته عن قيم غيبها المتخاصمون.


المتجادلون حول الوردي


المنهج الحر في التفكير والبحث عند علي الوردي أثار حنق الجميع عليه. اتهمه القوميون العرب بالقطرية بعد صدور كتابه الفذ "شخصية الفرد العراقي"، لأنهم رأوا فيه تناقضًا مع أطروحتهم التي تقول إن الشخصية العربية متشابهة في كل البلدان العربية. كذلك هاجمه الشيوعيون لعدم اعتماده المنهج المادي التاريخي في دراساته، ولتوجيه انتقادات اجتماعية في كتاب "مهزلة العقل البشري" لمنهج كارل ماركس. انتقده كذلك علماء الشيعة بعد صدور كتابه "وعاظ السلاطين" وأصدروا عدة كتب للرد عليه لأنه دعا إلى تحرير المذهب الشيعي من بعض الظواهر والطقوس التي يرى الوردي أنها دخيلة على الفكر الشيعي وغير منسجمة مع تعاليم أئمة أهل البيت. أما علماء أهل السنة فقد أخذوا على الكتاب المذكور أنه ينتقد الخلفاء السنة من الأمويين والعباسيين ولذلك اتهموه بالطائفية. علماء اللغة العربية شاركوا في الهجوم على الوردي بعد صدور كتابه "أسطورة الأدب الرفيع" الذي دعا فيه إلى تحرير اللغة العربية من الأقيسة المنطقية في النحو والصرف لتصبح اللغة أداة أفضل للفهم والتواصل، وفيه انتقد أيضاً الأدباء على تمسكهم بالكلاسيكيات الأدبية القديمة وعدم اهتمامهم بما يحدث في العصر الحديث من انقلاب فكري واجتماعي كبير.


الوردي وعلم الاجتماع


يقول الوردي: إنه اتجه إلى تخصص علم الاجتماع بسبب رغبته الشديدة في فهم طبيعة المجتمع العراقي. لذا قام بتأليف موسوعته "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث". بحث الوردي فيها الكثير من الظواهر الاجتماعية الموجودة في العراق، ورصد تطوراتها وجذورها التي تمتد إلى العهدين العثماني والملكي. ضم الكتاب - أيضًا- دراسات مفصلة للكثير من الشخصيات والأحداث التاريخية التي كانت لها صلة وثيقة بما كان يحدث في العراق مثل الحروب العثمانية الصفوية، وتأثيرها الاجتماعي والطائفي على مكونات الشعب العراقي المختلفة بأطيافه المتنوعة ومذاهبه المتعددة، وكذلك عن الثورة العربية التي انطلقت من الحجاز، وظهور فرقة البابية في إيران وانتقال تأثيرها إلى العراق، والصراع الطائفي بين السنة والشيعة والذي حذر علي الوردي من انفجاره الكبير بعد سقوط الاستبداد السياسي في العراق، وهذا ما حدث فعلاً بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003.

يعتبر كتاب "شخصية الفرد العراقي" الذي ألفه الوردي سنة 1950 واحداً من أشهر كتبه التي أثارت نقاشاً حاداً وجدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية العراقية آنذاك. بحث فيه الوردي بشكل خاص ظاهرة ازدواج الشخصية في المجتمع العراقي، واعتبرها ظاهرة اجتماعية وليست نفسية، وأرجعها لوقوع المجتمع العراقي تحت تأثير نسقين من القيم الاجتماعية المتناقضة هما قيم البداوة وقيم الحضارة بحيث يضطر بعض الأفراد للاندفاع وراء نسق قيمي معين تارة ووراء نسق قيمي آخر تارة أخرى وهو ما يولد الازدواج في الشخصية.

توقفه عن الكتابة


توقف الدكتور علي الوردي عن التأليف بعد رفض السلطات العراقية السماح له بنشر الجزء السابع من موسوعته "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"عام 1979. وقد أصيب الوردي حينها بالإحباط الشديد بسبب اعتزازه كثيراً بهذا العمل الموسوعي. اتجه الوردي بعدها لكتابة المقالات والردود في الصحف والمجلات العراقية مثل "الثورة" ومجلة "ألف باء" وغيرها. ومما يجدر ذكره أن الوردي منع من السفر إلى خارج العراق بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية صيف 1988، وقد ظل بالعراق إلى أن توفاه الله في الثالث عشر من يوليو 1996.


منطق ابن خلدون


نظن أن علي الوردي مال بشدة إلى براجماتية ابن خلدون، والأسس المنطقية التي أقام عليها مقدمته الشهيرة. ولن نتعجب هذا بعد أن عرفنا أن جزءًا كبيراً من محور رسالة الدكتوراة لعلي الوردي كانت حول ابن خلدون. إن اختيارنا لكتاب "منطق ابن خلدون" كفاتحة لعرض آراء علي الوردي لم يكن عبثياً، فالمبادئ والأسس المنطقية التي احتضنها هذا الكتاب كانت بمثابة الأسلحة الفكرية التي تسلح بها علي الوردي في مشواره الفكري لتحليل بعض الظواهر الاجتماعية في التاريخ والحاضر العربي.


قام علي الوردي في كتاب "منطق ابن خلدون" بتحليل البنية المنطقية التي انتهجها ابن خلدون في تأليف مقدمته، وحاول الإحاطة بالعوامل الواعية واللاوعية التي قادت إلى قيام هذا الفكر. كل الدلائل تشير ـ كما يصف الوردي- إلى أن ابن خلدون قد ثار على الأسس المنطقية التي قام عليها الفكر الإسلامي ـ بشقيه الفلسفي والكلامي ـ والتي استقاها من التراث الإغريقي القديم في صيغته الأرسطوطاليسية. هذه العقلانية الخلدونية تتساوق مع المنطق الحديث ذي الحقيقة النسبية، وهي بطبيعة الحال تتنافر مع المنطق القديم، منطق الحقيقة المطلقة.


في بداية كتابه هذا، أفرد الوردي فصلاً كاملاً لعرض خصائص المنطق القديم وأهم مبادئه، التي سيثور عليها ابن خلدون، ثم سيبدأ تداعيها مع ثورة فرانسيس بيكون على التراث الفلسفي القديم. قبل التوقف مع هذا المنطق يجدر بنا الإشارة إلى أن المنطق الأرسطوطاليسي دخل المنظومة الفكرية الإسلامية بشكل كاسح في عصر المأمون العباسي من خلال ترجمة التراث الإغريقي إلى العربية. وقد استخدمت الفرق والطوائف الإسلامية - السياسية والدينية - أدوات هذا المنطق حتى يومنا هذا لادعاء احتكار الحقيقة المطلقة، وتوفير مناخ خصب للإقصائيين في المجال الديني والسياسي والاجتماعي.


لابد إذن من عرض بسيط لخصائص المنطق الأرسطي؛ لأن الوردي سوف يتحرك ضد هذا الفكر في مسيرته البحثية والإنتاجية، ولأننا – أي كاتبي هذا المقال- سوف نستعرض الآراء الوردية في الجزء الثاني من هذا المقال أيضا.


خصائص المنطق القديم (الأرسطي)


تميز المنطق الأرسطي بخصائص عامة لازمته، وقد أفرد لها الوردي الفصل الأول في كتابه هذا. هناك خاصيتان مهمتان ناقشهما الوردي:


1. صورية المنطق: ميز المنطق الأرسطي الأشياء إلى صورة ومادة، ونعت المادة "بالهيولى". ركز المنطق اهتمامه بصورة الشيء وشكله ليهمل محتواه ومادته وواقعه. لهذا نرى الأرسطيين ومنهم الفقهاء المسلمون يهتمون بالصورة المتخيلة للشيء ليهملوا الواقع والفائدة الاجتماعية المتأتية منه، وللمثال: تكلموا قديماً عما ينبغي أن يكون في "الخليفة" أو "الإمام" من الصفات الخُلقية والدينية لكن تداول الخلافة على أرض الواقع كان تمام البعد عما سطره الفقهاء في كتبهم. قارئ التراث الإسلامي يرى خصوبة تأليفية امتازت بها جميع المذاهب في رسم الصورة المثلى للنظام السياسي ولرئيسه، لكنهم قلما كتبوا حول النظام الذي يظلهم. ضرب الوردي مثالاً آخر عن صورية الفقه الإسلامي، فهذا الفقه حرّم النظام المالي المعاصر بتحريمه للبنوك والتعامل معها بحجة أنها بنوك ربوية. لقد قام الفقهاء بربط "صورة" ربا الجاهلية ـ المنهي عنه في الإسلام- بصورة البنوك التي تعمل على تدوير المدخرات المالية بين الزبائن، فهذه البنوك "تأخذ المال ممن لا يستطيعون استثماره وتعطيه إلى القادرين على استثماره بفائدة بسيطة". يعلق الوردي على أصحاب الذهنية التحريمية بأنه "يكفيهم في حرمة العمل أن يكون في الصورة المنهي عنها، وليس المهم بعد ذلك أن يكون من الناحية العملية عملاً ضاراً أو نافعاً".


صورية المنطق نلاحظها بتجلٍ آخر عند الفقهاء، نراها في تعاملهم مع إشكالية الموسيقى في هذا العصر. إنهم يحرمون الموسيقى والغناء؛ لأن السلف حرمها "بالصورة" التي هي عليها الآن. لقد حرم السلف ضرب الأوتار وغناء القيان. لكن فقهاءنا اليوم يبيحون الأناشيد والتواشيح الدينية التي تحتوي على الدفوف والتأثيرات الصوتية البشرية والطبيعية؛ لأن هؤلاء المنشدين لا يستخدمون الفتيات الحسان ولا الآلات الوترية والمزامير رغم الإيقاع الموسيقي الناتج عن هذه التأثيرات الصوتية "الطبيعية".


2. استنباطية المنطق: تميز هذا المنطق أيضًا بأنه استنباطي، فهو يبحث عن كليات عقلية عامة كي يستنبط منها النتائج الخاصة. وعلى هذا يقوم القياس الذي يتألف عادة من: مقدمة كبرى، ومقدمة صغرى، ونتيجة. يضرب الوردي مثلاً لهذا:

- كل إنسان فان (مقدمة كبرى)
- سقراط إنسان (مقدمة صغرى)
- إذن سقراط فان (نتيجة)

تنشأ إشكاليات عديدة بسبب استخدام هذا المنهج، أولها أن المقدمة الكبرى التي تعد حقيقة بديهية في عرف أهل هذا المنطق هي ليست كذلك في الحقيقة، فالعلم الحديث يرفع راية النسبية وقابلية البحث في جميع النواحي. الإشكالية الأخرى هي أن هؤلاء استخدموا الآيات والأحاديث كمقدمات لأقيستهم المنطقية، وهي ـ بطبيعة الحال- قابلة لإعطاء النتائج المبتغاة من خلال المقدمة الصغرى. لذلك نرى الفرق والمذاهب الإسلامية تتجادل منذ قرون عديدة في ذات المسائل وبالاعتماد على نفس الآيات والأحاديث دون إقناع أحدهم الآخر، فكل فريق يخرج بنتيجة مغايرة عن الآخر حتى وإن استخدموا الآيات والأحاديث الدينية ذاتها. يضرب الوردي مثلاً لهذه الجدليات بحادثة استشهاد الحسين بن علي، فبعض الفرق الإسلامية قالت: إن الحسين كان شهيداً ومحقاً بخروجه على يزيد، وقالت فرق أخرى إنه مخطئ حاول تفريق الأمة ووجب قتله.


مبادئ المنطق الأرسطي


إضافة لتلك الخصائص، عدد الوردي مبادئ قام عليها المنطق الأرسطي منها: مبدأ العقلانية؛ فقد وثق المناطقة في العقل وقدرته المطلقة في الحكم على الأشياء دون الرجوع إلى الحواس. مبدأ السببية؛ اعتقدوا أن لكل سبب مسببا، لكنهم عندما يجهلون السبب ينكرون الواقعة برمتها أو يلجأون إلى تعليق السبب على الله فلا يبحثون عنه! مبدأ الماهية؛ فقالوا إن حقيقة الشيء ثابتة لا تتغيير بمرور الزمان، فالشيء الخيِّر يبقى خيراً، والشرير يظل شريراً، ثم قالوا أيضًا: إن النقيضين لا يجتمعان في الشيء، فالخير مطلق، والشر مطلق ولا يمكن أن يكون المرء ـ مثلاً- خيراً في فعل، وشريراً في فعل آخر. واعتقد المناطقة أيضًا بقانون الوسط المرفوع؛ فلا مجال لدرجة بين الدرجتين، فلا وسط بين القبيح وبين الحسن.


إن المبادئ التي طبعت المنطق الأرسطي جعلته ذهنياً تجريدياً خالصاً لا يتأثر بتغير الظواهر في الطبيعة، ولذلك لم يستطع هذا المنطق استقراء الطبيعة وتفسير ظواهرها وبيان عللها؛ لأن أصحابه تنزهوا عن ذلك بسبب تغيرها المستمر وحركتها الدؤوب، وفي عرف هذا المنطق أن المتغير أقل درجة من الثابت. على النقيض من ذلك نشأت فلسفة العلوم التجريبة الحديثة التي أدركت أن التغير والتطور هو سنة طبيعية.


فلسفة ابن خلدون


المجتمع المثالي نشأ نتيجة للتفكير المثالي الذهني المجرد فهو يفترض الصورة النقية والصحيحة للشيء: الدين الصحيح، والمذهب الحق، والمدينة الفاضلة للفارابي. إن المثاليين لا يتصورون أن الشيء قد يكون: حسناً وقبيحاً، صالحاً وطالحاً في ذات الوقت. بل يعتبرون هذه الوضعية منافية لما أراده الله لعباده إن تكلمنا عن الجانب الديني هنا. ينطبق هذا على نظرة المثاليين للأنبياء والصحابة والمعصومين. يعتقد المثاليون أن هؤلاء منزهون فهم لا يخطئون بل توافقهم الإصابة والتوفيق دائماً. برزت تجليات هذه النظرة في العقائد الصوفية والشيعية التي مجدت الأولياء وأهل البيت، فأضفت على طبيعتهم البشرية طبائع أخرى.


لقد حلل الوردي مقدمة ابن خلدون، واستقرأ الأسس المنطقية التي تقوم عليها، فوجدها تقوم على المشاهدات الحسية والمتغير في تاريخ المجتمعات. لم ينظر ابن خلدون للمعطيات التي أمامه من أعلى السماء، بل نظر إليها من الأرض حيثُ هي، وبذلك ناقض ابن خلدون المنطق الأرسطي المثالي. انقلب ابن خلدون على قانون "الماهية" في الفكر الأرسطي حينما تحدث عن البداوة والحضر، فقد ميّز في كل منهما صفات حسنة وسيئة، ولم ينظر إليهما بشكل مطلق، أبيض أم أسود.


الأخلاق عند ابن خلدون


آمن ابن خلدون، وآمن الوردي معه أن الظروف الاجتماعية والبيئية تشكل الأخلاق. ولهذا فمطالبة الناس باتخاذ أنماط معينة من الأخلاق هو ضرب من العبث إن كانت البيئة الحاضنة لا تدعمه. يقتبس الوردي من توينبي أن الظروف الجيولوجية أدت لتشكل الصحراء في المنطقة العربية، وهذا بدوره قسّم سكانها إلى فريقين: بدو يتنقلون خلف المرعى، وحضر استوطنوا الأنهار المجاورة ممتهنين الزراعة. ويسترسل توينبي أن قصة آدم وسقوطه من الجنة ليست سوى رمز لهذا التحول الجغرافي. وترمز قصة ابني آدم قابيل وهابيل للصراع بين البداوة والحضارة، فقد جاء في التوراة أن هابيل كان راعياً، وقابيل كان مزارعاً.


حينما ندرك أثر البيئة في تشكيل الإنسان وأخلاقه، سنفهم سر تواصل المواعظ الدينية منذ قرون على آذان الناس دون أن يتمسك الناس بما في هذه المواعظ. لا يستطيع سكان المدن التوقف عن الغش والكذب والاحتيال، وقد جاء في الأثر أن شر الأماكن هي الأسواق. ولا يستطيع البدو التوقف عن النهب والسطو والإغارة. نمط البيئة في كل منهما يحتم على أهلها اتباع هذه الأخلاق كي يستطيع النجاة والتأقلم، ثم يوفر مكانة أفضل له في بيئته.


شيوع المدنية الحديثة، وتحول نسبة مهمة من التجمعات البدوية والريفية في العالم أدى لتوسع رقعة الحضر. ولا بد هنا أن يتغير مفهوم الأخلاق مرة أخرى. يقول الوردي: إن الأخلاق الجديدة أصبحت قائمة على أساس أن يكون الإنسان مؤدباً مع غيره نافعاً لهم غير ضار. ولا يهم المجتمع بعد ذلك أن ينغمس الإنسان في ملذاته كما يشتهي، فهذا أمر عائد له وحده. إذن لم يعد المجتمع الحديث ينظر للفرد بناء على مثالية أخلاقه، بل على مدى نفعه وضره لهذا المجتمع.


الدولة في نظر ابن خلدون


يعتقد ابن خلدون أن الدولة قوية في بدايتها، ما حافظت على عصبيتها، ثم تضعف بانتشار الترف. بناءً على هذا قسم ابن خلدون الدولة إلى مراحل عمرية حضارية تنتهي بانتشار الفساد والضعف في أجهزة الدولة وغياب العدل فتأتي عصبية أخرى لتؤسس دولة جديدة.


يخالف هذا النظرة الإسلامية التقليدية التي تؤمن أن الدول تنهار بابتعادها عن شرع الله. لقد ظن الفقهاء أن الانحطاط السياسي للدولة هو بسبب البعد عن الدين والسنة، ولهذا بالإمكان الرجوع إلى القوة بإعادة التمسك بالأصول. بينما يرى ابن خلدون أن دولة الإسلام استنفدت ما عندها ويجب عليها إفساح المجال لحضارة أخرى قادمة. لم يتوان ابن خلدون عن تبيان جهل الفقهاء وأهل الدين بالسياسة، بل وطالب أهل العصبية (الساسة) بإبعاد أهل الدين عن مراكز اتخاذ القرار السياسي؛ لأنهم لا يرون الأمور نظرة واقعية بل يقيسونها على المثالية التي يتصورونها في المجتمعات.


والمتتبع لمصنفات الفرق الإسلامية المختلفة في رؤيتها للدولة القائمة في حينه، يراها إما إيجابية أو سلبية مطلقة. ساد في أدبيات هذه الفرق منطق "هذا من شيعتي، وهذا من عدوي"، فالدولة التي "من شيعتي" هي دولة عادلة، خارجيٌ كل من ثار عليها، والعكس صحيح أيضًا فقد اعتبر الفقهاء بعض الدول سيئة طالحة مغتصبة للحق من أهله، لم تقم عدلاً ولم تفعل خيراً. لكن ابن خلدون يرى أن الدولة تكون جيدة ما أقامت العدل بين الناس، ومتى ما ساءت وضعفت فإنها تنتظر مرور عصبية أخرى تطالب بتكوين دولة جديدة.


إلاّ أن نظرية العصبية السياسية للدولة التي كان أول من لاحظها ابن خلدون لم تعد تتناسب مع هذا الزمن، فالدول الحديثة لا تقوم على العصبيات إلاّ فيما شذ وندر. الدولة الحديثة تقوم على العقد الاجتماعي والديمقراطية حيث تحترم الدولة الإنسان وخياراته ولا تتدخل فيها مادام لا يؤثر بذلك على الآخرين، ويقوم الفرد بالمقابل بدفع الضرائب للدولة التي تسهر على المصلحة العامة. لكن الدولة الحديثة التي يصنعها الإنسان لا تستهوي المثاليين. إنهم لا يستسيغونها؛ لأنهم يرون الإنسان من السماء، لا من الأرض.

الأحد، 10 مايو 2009

فلك داؤد

فلك داؤد
الفلك سماء، والسماء بها أفلاك. وقديماً نظر الفلاسفة نحو الأفلاك. ظنوا أنها تشارك الله في تسيير حياة الإنسان. وها هو داؤد يرسمُ فلكاً في العالم. فلكاً للقاريء، وللعاشق، وربما للنجوم أيضًا. من يدري؟

داؤد شاعر. وهو أيضًا صديقي. أما كيف يكون شاعر صديقي فهذه لا أحيرُ جوابها. إنهُ شاعر أي أنه كان يكتب شعراً، شعراً شعبياً. لكنه بدأ يكتب مؤخراً شعراً فصيحاً، شعراً رقيقاً جميلاً.

كان يا ما كان، كنتُ أسمعُ شعراً بصوت داؤد كثيراً. وذلك الشعر الكثير موجود في مدونته صوتاً.
مضت تلك الأيامُ الجميلة لكن الذاكرة راسخة حتى تمام المعنى..

هل لكم أن تقرؤوه أيضًا؟
إنني سوف أقرأه كثيراً،
لأنه جميل.

فلك داؤد