الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

نيتشه

نيتشه


"مستمعون جدد يجب أن يوجدوا لأجل موسيقى جديدة. عيون جديدة ترى ما هو أبعد. ضمير جديد لأجل حقائق حتى الآن هي بكماء، وإرادة اقتصاد من نمط كبير. المُحافظة على القوى الذاتية والحماسة الخاصة. يجب أن يكون ثمة احترام للذات، ومحبة للذات، وحرية غير مقيدة تجاه الذات. حسن إذن! هؤلاء المطرقون هكذا هم فقط قرائي، قرائي الأخصاء، قرائي المختارون:
أي أهمية للآخرين، الآخرين الذين لعلهم كل البشرية؟
يجب التفوق على البشرية بالعزم، وبتشدد النفس... وبالاحتقار".
من مقدمة "عدو المسيح".

كتاب آخر لنيتشه، وتساؤل يراودني حول أصالة أفكاره وفلسفته -إن كانت كذلك-. ما مدى ما أخذه من نظرية تشارلز داروين في التطور الأحيائي؟ إنه يقول ما لم يقله تشارلز داروين صراحة، الذي لم يخلط بين الأحياء والتجمعات البشرية. وكيف تُقرأ اليوم فلسفة نيتشه بعد شيوع ثقافات المساواة بين البشر، و"الديموقراطية"؟
.

الاثنين، 28 ديسمبر 2009

السنة تمضي

السَنَــةُ تمضي


المجدُ للهِ في الأعالي
وعلى الأرضِ السلام
وبالناسِ المسرة

.. المكان فاض بالحضورِ. صوتُ الأرجن وجوقة الأناشيد صدحا بصوت مهيب من مكان عال في تلك الكنيسة. الكاهنُ أمام المذبح ماسكاً الكتاب المقدس بيده، والحضور ينظرُ إليه.

الكاثوليكُ يتأهبون للمُضي اتجاه الكاهن، ليشربوا خمراً، ويأكلوا كسرة خبز، عسى أن يغفر لهم المسيحُ أخطاء سنة تنقضي. عسى أن تتنزلَ الصلوات والرحمات على المخطئين. أولئك الذين لم يحصلوا على هدية في الكريسماس، فليذكروا أن المسيح هو هديتهم، هو مصدر سعادتهم الآخرة والعاجلة، هكذا قال الكاهن العجوز للحضور.

كنتُ هناك حاضراً كأي إنسان، كأي المؤمنين أو غير المؤمنين الذين حضروا. ها هي السنة تمضي، أيام قلائل ويبدأ تقويم جديد، سنة جديدة. ماذا يتجددُ من الإنسان في السنة الجديدة؟ أتحلُ عليه الرحمة من الله؟ أم يرحمُ الإنسان نفسه؟

أنظر الآن للسنة المنقضية، ما فيها؟ وما تعلمتُ منها؟ وما هي التجاربُ التي خضتُها فأنضجتني؟ أو التي رأيتُ نفسي فيها متهوراً، أو حتى أحمقاً؟ ما هي القرارات التي اتخذتُها عن وعي، وأتحملُ تبعاتها؟ ما هو كم المعرفة الذي أضفتهُ لنفسي؟ وهل كان ذلك مهماً حقاً؟

ألقتْ عصاها.. واستقرَ بها النوى
.. كما قرَ عيناً.. بالإيابِ المُسافرُ..

.. بالبيئة التي نشأنا بها، تختلطُ المفردات بالشخوص، فيضيعُ المعنى. يتلاشى المعنى لكلمات مثل: صداقة، حب، ود.. إلخ. كل معرفة تحولها البيئة واللغة إلى صداقة. والصداقة ليست من الصدقِ هُنا. إنها شيء آخر، لكنها ليست صداقة. الصداقة ليست صداقة، درس مهم تطرحه الحياة لعابريها. أيُ دمار قد يجلبه الإنسان لذاته حينما تختلُ لديه المفاهيم، والدلالات؟ لكن لم يعرفُ إنسان آخر؟ هل بحثاً عن الصداقة؟ لا أعتقد. إنها المنفعة التي تؤلفُ بينهم. والمنفعة ما تنفعُ الناس حاضراً أم عاجلاً.

لستُ أدري

.. البيئة تحدد ثقافة الإنسان. الإنسان لا يفهم ما لا يألفه. كيف يمكن أن ينشأ حوار بين إنسانين ينتميان لثقافتين مختلفتين. لا يمكن. وإن حدث فلن يكون حوار، سيكون صخباً. ما لم يكتسب الإنسان قيماً تعينه على فهم الآخرين، واحترامهم فما فائدة الحديث معه؟ ما جدوى الحديث إذن؟

في لُجة الرعب العميق والفراغ والسكون
ما غاية الإنسان من أتعابه؟ ما غايةُ الحياة؟

.. يقول من لا أذكرُ اسمه أن نعيم الجنة هو السكون، في اللاحركة، في اللامشكلة، واللاصخب. إنه سكون الفردوس. وأسألُ نفسي، ما جدوى الحياة إن كان نعيم الآخرة هو السكون؟ الجنين ساكن لتسعة أشهر أيضًا، وسفينة محطمة أمام البحر ساكنة أيضًا، وميت في قبره ساكن منذ القرون البعيدة (لا معنى للزمن عنده). ما هو أقصى دعة قد يصل إليها إنسان في الحياة قبل الممات؟

قبل أسابيع رأيتُ العجوز توماس على شاطيء للبحر، كان مع كلبه. خرج من فناء قديم، يضمُ كوخاً بسيطاً. سألناه على مهل عن عيشته على البحر. أجاب أنه استقال من الحياة، وهرب إلى هُنا وحيداً مع كلبه ليقضي بقية حياته في هدوء. إنه هدوء الجنان، هدوء اللاصخب، هدوء الخروج من الحيـاة. فما جدوى الحياة؟

ضد من؟
ومتى القلبُ في الخفقانِ
اطمأن؟

.. مكتبة واسعة. تحوي معارف الحياة، وخبرات الإنسان، تمنى بعض الناس توفرها، لقرائتها، والوصول للمعرفة الكاملة. إنها العشرية الثانية من هذا القرن، والمكتبة الحقة لن تكون مكتبة صنعها الإنسان، بل ما كتبتها الطبيعة في الخلية الحية. ملايين من الشفرات، ملايين من العمليات الحيوية، ملايين من الألغاز وتصورات الإجابات عليها. من يعرفُ قراءة الشفرة سيقرأ الإنسان، وسيقرأ الطبيعة. من يُدركُ ذلك سينظرُ إلى نفسه، كشيء مبرمج أمكن أن يكون مختلفاً إن اختلفت الاحتمالات. ما هي نظرة الإنسان لذاته إن علِمَ منقلبه في الحياة منذ سنواته الأولى من خلال المكتبة التي يحملها في جسده.؟

ليس لي وطن
يمكنك زرع عظامي إلى جانب أي نهر

.. زمن العولمة أتى منذ عقد أو عقدين. والعولمة ليست تجارة فقط أو تبادل للخدمات، إنها تثاقف، أو ثقافة الأقوى. إنها تغير المفاهيم، والقيم. هناك من لا يفهم، فيمسكُ الماضي، لكن الحاضر يتغير والمستقبلُ. في هذا الزمن المنبسط، زمن حركة الناس بين الأراضين السبع، ما هو مفهوم الوطن؟ أيشكلُ الانتماء لوطن الإنسانَ -إن توافقنا على مصطلح الوطن-؟ لقد تحول اسم الوطن وشعارهُ شيئاً فشيئاً إلى سلع استهلاكية تقدم للناس. وقد يقدم إليهم سم شعاره الوطن، أويكتب اسم الوطن في ثنايا أسطر بصحف بها مشاكل الناس، ليكون الأول وطني، والآخر وطني، والقاريء ليس كذلك. في هذا الزمن (المنتمى لآخر الزمان حسب علامات الساعة الصغرى) ما هو الوطن إن قامت الساعة؟ أو .. هل له من داعٍ؟ الأرضُ أرحب من السماء للإنسان، فهل يرى الإنسانُ ذلك؟

..لستُ أعمى
لأُبصرَ ما تبصِرونَ
فإنًَ البصيرة نور يؤدي
إلى عدمٍ أو جُنون

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

سفينة الزمن







هذا اليوم كُنا على شاطيء بعيد. هناك سفينة من بقايا الزمن. كنا بجانبها. من يكون بجانبنا بعد زمن؟

الأحد، 13 ديسمبر 2009

عريضة الدُستور التعاقُدي: لماذا نوقع؟

عريضة الدُستور التعاقُدي: لماذا نوقع؟





هل تحتاج عمان إلى دستور؟

عندما تولى السلطان قابوس الحكم في 1970، دخلت معه البلاد عملية تحديث وتنمية واسعة شملت جوانب عديدة من الاقتصاد والادارة والخدمات إلى البنى التحتية لكنها توقفت عند النظام السياسي ولم تقاربه إلا بشكل سطحي أبقى على خصائصه الأساسية كما هي دون تغيير. نعم تأسست دولة عمان الحديثة الموحدة، لكنها ظلت محكومة بنظام وراثي فردي مطلق، يتمتع بسلطة مطلقة على مقدرات البلاد وعملية صنع القرار، وبقيت العلاقة بين الحاكم والشعب علاقة راع برعية، يُعبر عنها خطاب لا يتحدث عن حقوق شعب وإنما عن منح وهبات ومكرمات حاكم.

في ظل هذا النظام، يعتبر المواطن فرداً مهمشاً ضمن قطيع يعمل ويتحرك في الحدود الضيقة التي ترسمها له السلطة، لآماله وتطلعاته سقف منخفض يجب أن لا يتعارض مع مصالحها. لا يمتلك حقوقاً أصيلة ليقول ويفعل وينشط ويسعى وإنما إذن تمنحه له السلطة وتسحبه منه متى ما اقتضت مصالحها ذلك، ولا ضمانة له في مواجهة قوتها.

إذا أخطأ الحاكم في هذا النظام، فلا يستطيع الشعب أن يفعل شيئاً.

إذا فسدت الحكومة في هذا النظام، فلا يستطيع الشعب أن يفعل شيئاً.

إذن لابد لنا من ضمانة تمنحنا حق محاسبة السلطة إذا أخطأت، وتكفل لنا حقوقنا ، وتضمن أن يكون لنا رأي في الطريقة التي تدار بها ثروات بلادنا وشؤوننا العامة، وتقيد صلاحيات الحكومة بحيث تحمينا من أي تدخل غير مشروع يعيق حقنا الإنساني في السعي من أجل سعادتنا ومصالحنا الفردية والجماعية.

هذه الضمانة هي الدستور.



على ماذا يجب أن يحتوي الدستور؟


الدستور في حقيقته ليس مجرد وثيقة ، وإنما مؤسسة كاملة تقيد و تراقب وتمنع وتكفل:

-تقيد سلطة النظام الحاكم بحيث لا يتم استعمال القوة لقمع الشعب وتقييد الحريات والاستئثار بثروات البلاد.

-تراقب النظام الحاكم وكيفية استعماله للسلطة وتتأكد من أن جميع القوانين والقرارات الصادرة تحترم مبادئ الدستور ولا تتعارض معه ولا تلتف حوله.

-تمنع السلطة التنفيذية من تجاوز صلاحياتها ومن مخالفة العقد الذي تم التوافق عليه (الدستور).

-تكفل للمواطن حقوقه وحرياته الأساسية ، لاسيما حقه في المشاركة والنشاط السياسي والمدني، وتكفل استقلالية القضاء وحكم القانون والفصل بين السلطات الثلاث، والمساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم.

وحتى يحقق هذه الوظائف والأهداف يجب أن يصاغ الدستور بشكل محكم، وأن تشرف على تفعيله محكمة دستورية ، وأن يؤمن الشعب بشرعيته ، وتتجه إرادة السلطة السياسية نحو احترامه لاسيما إذا ارتبط بقاءها واستمرارها بهذا الإحترام ،واتفقت مصالحها معه .

لذا فالاتفاق بين جميع الأطراف ضروري حتى ينجح الدستور ويؤدي دوره المنشود.



الدستور الهبة؟ أم الدستور التعاقدي؟

تُصدر الدساتير إما هبات ومنح من الحاكم أو تعاقدية بناءً على اتفاق بين ممثلين يختارهم الشعب والسلطة الحاكمة في تلك البلاد. والفرق بين الاثنين، فلسفياً على الأقل، شاسعٌ جداً.

عندما يؤمن الفرد أنه مواطنٌ في بلاده يتمتع بأهلية كاملة لإدارة شؤونه وتقرير مصيره، وأنه مساو لأي مواطن آخر بما فيهم الحاكم ذاته، وأنه يمتلك حقوقاً أساسية مرتبطةً بإنسانيته لا يحق لأحد أن يمنعه من التمتع بها، فإنه تلقائياً يرفض أن يُحكم بشكل مطلق ويطالب بحقه في أن يكون له رأي وصوت وأن يشارك في عملية صنع القرار ويساهم في تنمية بلاده ومجتمعه والسعي وراء مصالحه. ويقبل أن يتنازل عن جزء من هذه الحقوق للسلطة حتى تحكمه شريطة أن يتوافق معها على ماهية هذا الحكم وأركانه وضوابطه، وعلى أن تعيد إليه هذه الحقوق على شكل ضمانات دستورية وتعهدات تلتزم السلطة بموجبها بأن تقف عند حدود حرياته الأساسية فلا تتجاوزها، وأن تستشيره في السياسات والقرارات والقوانين قبل أن تتخذها وتعوضه إذا أخطأت أو قصرت، ويستطيع هو أن يراقبها ويساءلها ويتأكد من التزامها ووفائها بتعهداتها. وبالتالي فهو والمواطنين الآخرين (أي الشعب) مصدر الشرعية، تحكم السلطة باسمه هو، بموافقته هو، ولصالحه هو.

وبالتالي فالدستور التعاقدي هو عقد بين الشعب والسلطة الحاكمة، يدخل فيه الطرفان برضىً وتوافق، ويغدو منذ إصداره ملزماً للطرفين، فلا عسف ولا ظلم ولاعدوان من السلطة، ولا عصيان ولا انقلابات ولامؤامرات من الشعب.

بينما الدستور الهبة فهو عطية ومنحة من الحاكم يفتقر إلى الشرعية المستمدة من التوافق الشعبي عليه ،وإلى الأساس الفلسفي الذي يبرر وجوده بإرادة الشعب الحرة ورضاهم. وعليه فإن باب التساؤل يبقى مفتوحاً حول مدى إلزاميته للطرفين، ومدى قدرته على تنظيم العلاقة بينهما .


لماذا النظام الأساسي لا يكفي؟

في السادس من نوفمبر 1996، أصدر السلطان قابوس النظام الأساسي للدولة بموجب المرسوم السلطاني رقم 101/96، ليسد فراغاً دستورياً طال أمده.

هذه الوثيقة تسعى إلى تنظيم العلاقة بين الشعب والحاكم وطريقة انتقال السلطة، وتوضح المباديء والخطوط العامة التي توجه سياسات البلاد، وتقر للفرد بحقوق وتلزمه بواجبات، وتؤسس لاستقلال القضاء. ولكن على أهميتها البالغة، إلا أنها لا تحقق بصيغتها الحالية وطريقة إصدارها طموحاتنا واستحقاقاتنا كمواطنين.

أولاً: لأن الحقوق الواردة فيها صيغت بطريقة لا تمثل ضمانات كافية لحماية الحق وإنما تتركه مرة أخرى في يد السلطة ولتقديرها المطلق.

خير مثال على ذلك : الحق في حرية التعبير:

وهذا مقتطف من ورقة سابقة لي حول الموضوع:

تنص المادة 29 من النظام الأساسي على أن :
(حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون. )
لو حاولنا استخلاص حجم ومحتوى الحق الذي تكفله هذه المادة لوجدنا أنه محصور ومحدودٌ أصلاً بحدود تلك القوانين. أي أن النظام الأساسي يكفل لك فقط ما تكفله القوانين ويعطيك حريةً بمقدار ما تسمح به تلك القوانين. ولا يعطيك الحق بالمطالبة بتعديل القانون وزيادة هامش الحرية.

إذن هل يوفر النظام الأساسي حمايةً كافية لحق الفرد في حرية التعبير في مواجهة السلطة؟ وهل يمثل مرجعيةً قانونيةً يمكن الإستناد إليها في أي مطالبةٍ بتعديل تلك القوانين أو حماية أحد المتضررين من تطبيقها؟

الإجابة هي كلا. لأنه يُخضع الحق في حرية التعبير لحدود تلك القوانين ويفصله على مقاسها وليس العكس. ولا يمكن لأي متضررٍ أن يطلب وقف تطبيق أي نصٍ قانونيٍ في حقه استناداً إلى النظام الأساسي مهما كان ذلك النص مقيداً أو متعدياً على حقه في حرية التعبير لأن النظام الأساسي لا يسعفه ولا يعطيه تلك الصلاحية. بل هو في الحقيقة يعطي لتلك القوانين المرجعية في تحديد حجم ومحتوى حق الفرد في التعبير دون أن يتدخل بفرض سقفٍ أدنى للحرية يجب أن تصل إليه تلك القوانين أو شروطٍ يجب على القانون الإلتزام بها في تنظيمه لحرية التعبير. وبهذا فالسلطة التشريعية لديها، بموجب النظام الأساسي، صلاحيةٌ مطلقة في تعريف حرية التعبير وتقييدها وتحديدها كيفما شاءت، بلا معقب ولا رقيب.


ثانياً: لا يعترف النظام الأساسي بالشعب كمصدر للسلطات، وغياب هذا الاعتراف يعيدنا إلى مفهوم الراعي والرعية، وينزع من الشعب القدرة على منح الشرعية بموجب إرادته الحرة.

ثالثاً: لا يقيد النظام الأساسي سلطات المؤسسة الحاكمة ولا يخضعها لمحاسبة الشعب ولا يفرض عليها الخضوع للإرادة الشعبية التي يعبر عنها برلمان حر منتخب. وهذا يعيدنا مرة أخرى لإشكالية السلطة المطلقة.

رابعاً: لا يتضمن النظام الأساسي فصلاً للسلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، فكلها متركزة في يد السلطان.

خامساً: صدر النظام الأساسي دون أن يُناقش محتواه مع الشعب ودون أن يُعرض في استفتاء عام بموجب مرسوم سلطاني ويمكن أن يعدل أو يلغى بموجب مرسوم سلطاني. وإن كان السلطان قابوس لن يفعلها، فقد يفعلها من يليه ويلغي النظام بأكمله بجرة قلم. وهذا يحيلنا إلى ضرورة التمييز بين الدساتير الجامدة والدساتير المرنة.

فالدساتير الجامدة هي التي لا يمكن تغييرها إلا بصعوبة بالغة عن طريق استفتاء شعبي مثلاً أو إجراءات أخرى معقدة، وهي بهذا تضمن بأن لا يتم التلاعب في الحقوق وفق أهواء الحكومات ،كلما جاءت حكومة غيرت وعدلت في حقوق المواطنين وفق رغباتها ومصالحها.

أما الدساتير المرنة فهي التي يمكن أن تتغير بسهولة شديدة، بإرادة شخص واحد مثلاً، وهذه لايعول عليها كثيرا في حفظ الحقوق لأنها تبقى في يد الحاكم عرضة للتغيير .

سادساً: لا توجد محكمة دستورية تراقب القوانين التي تصدرها الدولة وتضمن اتفاقها مع مباديء وأحكام النظام الأساسي، وبالتالي فلا آلية واضحة ولا مؤسسات محددة تعمل على تفعيل هذا النظام .


هل الشعب العماني جاهز ليتعاقد ويتوافق مع السلطة على أمر كهذا؟

يولد الإنسان إنساناً، بحقوقه كلها كاملةً ويصبح جاهزاً لممارستها متى ما بلغ سن الرشد القانونية. لا يحق لأحد مهما علت مرتبته أو تحصيله العلمي أن يفرض عليه الوصاية أو يملي عليه اختياراته، أو يصمه بعدم النضج. بل هو إنسان له إرادته الحرة وملكاته التي كرمه الله بها.

وليس من واجب النخبة المثقفة أن تفرض وصايتها على الشعب وتختار عنه وإنما من واجبها أن تشرح وتوضح وتوعي وتجيب، تسلط الضوء على المشاكل وتطرح حلولاً، والكلمة الأخيرة لإرادة الشعب.


هل المطالبة بدستور تعاقدي والتوقيع على العريضة مخالفٌ للقانون؟

لقد نص النظام الأساسي في مادته التاسعة على أن ( للمواطنين – وفقا لهذا النظام الأساسي و الشروط و الأوضاع التي يبينها القانون – حق المشاركة في الشؤون العامة) ، وفي المادة 34 على أن( للمواطنين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من امور شخصية او فيما له صلة بالشئون العامة) .

وبموجب حقوقنا القانونية هذه، فإننا نخاطب سلطان البلاد وننقل إليه مطلبنا هذا، مؤكدين أن دافعنا وهاجسنا الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية وأمن عمان وصالحها، وأننا في النهاية مع ما يريده ويتوافق عليه الشعب.

وليس في هذا ما يخالف أي نص قانوني معمول به في البلاد .


هل هذه العريضة تضر بمصالح البلاد؟

تطالب العريضة بأن يتناقش ويتشاور ويتعاون الشعب مع المؤسسة الحاكمة من أجل صياغة دستور ينظم العلاقة بينهما ويرضي تطلعات واستحقاقات المواطنين، بحيث يُطرح قبل اعتماده في استفتاء شعبي يصوت فيه الشعب العماني بأكمله من مسندم إلى ظفار، ويكون القرار النهائي للأغلبية.

يصاغ الدستور بأيد عمانية، ويصوت عليه الشعب العماني، ويعتمده سلطان البلاد، بالرضا والتعاون بينهم.

فمن أين سيأتي الضرر؟

لماذا أوقع؟

لأننا مواطنون في بلد مازال يعاني من مشكلات عديدة تتهدد أمنه واستقراره ووحدته الوطنية، وكلنا مسؤولون عن الحفاظ على ما تحقق والبناء عليه.

لأننا نكتب ونتحدث جميعاً عن الفساد والفقر والبطالة والمشاكل الإقتصادية والإجتماعية ، وقد آن الآوان أن نفعل شيئاً أكبر من الكلام: أن نمد يد التعاون والشراكة إلى المؤسسة الحاكمة ، وإلى سلطان البلاد لننتقل ببلادنا خطوةً أخرى إلى الأمام.

ولأن هذه فرصة للإصلاح وتنسيق الحراك الوطني، لا يجب تجاهلها.

هل هذه هي النسخة النهائية للعريضة؟

كلا. حسب ما فهمت فإن هذه هي النسخة المبدئية التي سيدور النقاش حولها ويمكن للجميع تسجيل تحفظاته واقتراح تعديلات ستؤخذ في عين الاعتبار عند إعداد الصياغة النهائية إذا اتفقنا عليها.


لهذا كله ...

أرجو أن نستغل هذه الفرصة لنسجل لحظةً تاريخية في مسيرة البلاد، أرجو أن نكون أكبر من المواقف الشخصية والتهم والمزايدات الرخيصة، وأقوى من قبضة الخوف المطبقة على الحناجر، فنحن هنا لا نخوض نقاشا انترنتياً عابراً نتراشق فيه الكلمات والأفكار، وإنما نسجل موقفاً في حق الوطن .

حفظ الله عُمان وشعبها ، فرداً فرداً، من كل سوء.

بسمة مبارك


الجمعة، 11 ديسمبر 2009

تساؤلات حول: حتى لاتكون "قبيلة الكتاب" ضد المجتمع ودولة المؤسسات

تساؤلات حول: حتى لا تكون "قبيلة الكتاب" ضد المجتمع ودولة المؤسسات




لقراءة المكتوب هُنا أرجو من القاريء الاطلاع على مقال الدكتور الحراصي، و المقال المنشور في مدونة سالم آل توية.


  1. أطروحة الحراصي: للكاتب الحرية لكن قبل ذلك المسؤولية تجاه ما يكتبه، وعلى الكاتب مراعاة المجتمع.
  2. نتيجةً: على الكُتاب ألا يكونوا قبيلة مقدسة ضد النقد، أو الشكوى عليهم.
  3. مدونة سالم آل توية: ذكريات الشاعر خميس قلم وهو رهن الاعتقال.
وتساؤلات:

الأول:
الحراصي يطلب من الكُتاب عدم التضامن الجمعي دائماً مع الكاتب المُتهم في محكمة (القضايا عادة ما تكون ذات خلفية اجتماعية ولا تتصل بحرية التعبير). أي أن التضامن يجب أن يكون حسب كل حالة وملابساتها. لكن إن تذكرنا أن جمعية الكتاب هي جسم هيكلي نقابي لجماعة الكُتاب، فسنتسائل:
هل يطلب الحراصي من هذه النقابة عدم التضامن "التنظيمي" مع عضوها المشتكى به؟
أم أنه يخاطب الكُتاب خطاباً جمعياً لكن على مستوى فردي؟

الثاني:

من يشتكي على الكاتب، المجتمع أم أجهزة الدولة؟ هناك حالات كان الكاتب المُتَهَم موضع تساؤل أو اتهام من قبل المجتمع (بدرية الوهيبي، الشكيلي)، وهناك حالات أخرى كانت أجهزة الدولة هي المُتهِم (خميس قلم، الزبيدي، الزويدي). وإن راجعنا خطاب الحراصي للكتاب والمثقفين، فنسأل مرة أخرى هل ينطبق على الحالات التي يكون فيها المشتكي الدولة أم المجتمع؟

الثالث:

حينما يتهم أحدهم (أفراد المجتمع أو أجهزة الحكومة) الكاتب، فما هي الطريقة التي تتعامل بها الأجهزة التنفيذية مع الكاتب؟

مدونة سالم آل توية تنشر مقالاً للشاعر خميس قلم ذكر به تفاصيل اعتقاله، وقضاءه أياماً في دوائر الشرطة. عُومل الكاتب كمجرم، أي أن المعاملة التي تلقاها لم تختلف عما يتلقاه المرتشي، والسارق، وربما القاتل.

هناك الآن مدخلين قد يتم التضامن من خلالهما مع الكاتب المُتهم:
  1. مع حقه في التمسك بما كتبه، وأنه لم يسيء في ذلك.
  2. ضد الأسلوب التي عاملته بها الأجهزة التنفيذية أثناء التحقيق، أو حتى المحاكمة.

التساؤل: هل ينطبق خطاب الحراصي للمثقفين على الطريقة التي تعامل فيها أجهزة السلطة المثقف؟


الاثنين، 7 ديسمبر 2009

هلوسات

هلوسات


يقول نزار:
من أين أدخل في القصيدة يا تُرى؟

هناك ملصق نسيتُ تصويره لأجلبه هُنا، ربما أفعلُ ذلك لاحقاً. لا يزال فيلم 2012 ساكِناً رأسي، معلومات متفرقة تتجمعُ لتعطي تصوراً، رؤية قد تكون جزئية أو شاملة.

الفيلمُ يتحدث عن انهيار فيزيائي يؤدي إلى نهاية للحيـاة على الأرض. وبإمكاني هنا أن أشارككم أفكاراً أخرى عن انهياراتٍ كيميائية، أو بيولوجية، أو بيئية مرشحة لتُنهي "الحياة" على الأرض.

المُلصق الذي ذكرته بالأعلى يعرضُ إحصائات وتقديرات بيئية لمقدار ارتفاع حرارة الأرض في الخمسين سنة القادمة، والنتائج المرتبطة بذلك، مثل ارتفاع منسوب المياه في البحار (ستغرقُ صحار حينها، ومسقط!)، وانقراض أنواع حيوية مثل الحيوانات والنباتات البرية، أو حتى المحاصيل الزراعية. يتوقعون أن الحرارة قد ترتفع 4 أو 5 درجات سيليزية في المدى القريب، والله وحده يعلم ما هي النتائج الدقيقة المترتبة على ذلك.

هناك سيناريوهات أخرى محتملة للنهاية، مثل مواد معدلة وراثياً، كالفيروسات، أو البكتيريا أو حتى المحاصيل الزراعية التي يُمكن أن تعدل وراثياً بسهولة لتنتشر في الكوكب. ومؤخراً اكتشفت مشاريع دراسات الجينوم البشري أن الأجناس البشرية تحوي "بصمة" متفردة، ويمكن استهداف مثل هذه البصمات إن عن في رأس الشيطان ذلك. هل نسيتم الإشاعات التي انتشرت في المجتمعات العربية بشأن فيروس إنفلونزا الخنازير؟
.

في 2012 وردت جملة شدت انتباهي، وهي أن سفينة النجاة تحملُ على ظهرها "الصفوة البشرية". وهذه الصفوة ليست صفوة "أجمل" الجينات الوراثية، لكنها سفينة تحمل "من يستطيع" أن يكون عليها، وقد لا يكون للمؤمنين مكان عليها كما حدث مع سفينة نوح قبل آلاف السنين. وأحدُ قوانين الدارونية أن البقاء للأصلح، أي أن الكائن الأوفر حضاً هو من يُمررُ مورثاته للأجيال التالية، يقررُ لُعبةُ الحياة.

ينبغي أن نفكر بالموت المحيق بالبشر حينما تبتلعُ المحيطات خلال عشرات السنين القادمة عشرات الكيلومترات من الشواطيء. ينبغي أن نفكر في الشِعْر الذي سيموت، أو في الآثار التي تركها الأقدمون حينما تغرقُ تحت موجات من الطحالب، والرخويات البحرية. ينبغي أن نبقي كل الاحتمالات في رأسنا، ونقلبها مع تقلب الليل والنهار.
.

عندما تحدثُ تلك اللحظة أفكرُ في الحياة من منظور الإنسان، وأفكر بها من منظور الكوكب. فالكوكب لم يتوقف يوماً عن التغير والتهيؤ. إننا -كجنس بشري- نشهد فقط لحظات منه. عاشت قبلنا كائنات كثيرة، ثم انقرضت، ونراها اليوم في المتاحف. فهل ستسمحُ قوانين الاحتمالات والعشوائية نشوء أجناس شبيهة بالبشر يضعوننا في متاحفهم هذه المرة؟ هل سيقرأ أؤلئك الأقوام أشعار المعري، أو نبوءات نوستراداموس، أو آيات القرآن؟

الأحد، 6 ديسمبر 2009

2012، أو نهاية العالم، أو سفينة نوح

2012، أو نهاية العالم، أو سفينة نوح







يقول محمود درويش:
لا بُد من نصر
كي ينتصرَ الرسولُ
-بتصرف-

قبل لحظات خرجنا من صالة السينما حيث رأينا نصوص الكتاب المقدس تتحول بفعل هوليوود الساحرة لسيناريو محتمل يرسم نهاية العالم، أو نهاية البشر. لا تراعوا، فهناك أكثر من رواية للأحداث.

الفيلم الذي استمر ما يقارب الثلاث ساعات كان محزناً. البشرية تتحطم أمامك في عام 2012 وأنتَ تشاهد ما يجري بعيني متابع يأكل الفشار، ويجلس بجانب صاحبته أو صديقه. تختفي بؤر حضارية من على وجه الأرض بفعل الحركات التكتونية العنيفة، وموجات تسونامي العالية لتهجم على نيويورك، كاليفورنيا بمدنها الشهيرة، سهل الهند الغربي، اليابان، أوروبا، بلاد العرب إلخ. يغرقُ العالم.

المسرحية تنشَـأ بسبب تحول النيوترونات (جسيمات ذرية عديمة الشحنة) إلى جسيمات مشحونة فيتختل توازن الذرة، ليتدهور العالم، وتختلف أقطابه المغناطيسية، فيفقد الطريق أو الهداية. في هذه اللحظة المفصلية لا بد أن يظهر البطل، أو الرسول (سمه ما شئت). لا بد أن يظهر نوح النبي، أو نوح السومري صاحب السفينة. ونوح هذا -إن اختلفنا على قدسيته- لا بد أن يكون مثقفاً متعلماً ومؤثراً في قومه. نوح هذا مثقف أيضًا في فيلم أمريكي اسمه 2012، فهو مؤلف روائي، وكي يكون مثالياً فلا بد أن ينتمي للطبقة المتوسطة السفلى. ورغم ذلك فهو من أطلق شرارة السفينة لتنقذ الجنس البشري، وأول من رأى الجودي.

إنها هوليوود الجميلة، تبعث أساطير الكتاب المقدس هواجساً علمية.
خيال علمي، وخيال ديني، وإنسان منزوع الإنسانية، وإنسان ملئه إنسانية.
إنهم يصنعون فيلماً، فما أنتم صانعون؟

السبت، 5 ديسمبر 2009

الحُب في هذا الزمان

الحُب في هذا الزمان


تسألني رفيقتي: ما آخر الطريقْ
وهل عرفتُ أوّلَهْ
الله وحدَهُ الذي يعلمُ ما غايةُ هذا الولهِ المؤرّقِ
يعلمُ هل تُدركُنا السعادهْ
أم الشقاءُ والنَدَمْ؟
وكيف توضع النهايةُ المعادَهْ
الموتُ... أو نوازِعُ السأمْ؟

يعلمُ، حين نلتقي بعد سنين أو شهورْ
هل سيكون في العيون وَجْدُها
هل سيكون في العيون حقدُها
أم نلتقي كالأصدقاء القدماءْ
يسلِّمون في فتورْ...
يُودّعونَ في فتورْ...

الحبّ يا رفيقتي، قد كانْ
في أول الزمانْ
يخضع للترتيب والحُسبانْ
"نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامٌ
فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاءُ"
اليومَ... يا عجائب الزمان!
قد يلتقي في الحبّ عاشقانْ
من قبل أن يبتسما
ذكرت أننا كعاشقين عصريين، يا رفيقتي
ذقنا الذي ذقناهْ
من قبل أن نشتهيهْ
ورغم عِلمنا
بأن ما ننسجهُ مُلاءةً لفرْشِنا
تنقضُهُ أناملُ الصباحْ
وأن ما نهمِسُهُ، نُنعش أعصابَنا
يقتُلُه البُواحْ
فقد نسجناهُ
وقد همَسْنَاهُ

الحبّ في هذا الزمان يا رفيقتي...
كالحزن، لا يعيش إلاّ لحظةَ البكاءْ
أو لحظةَ الشَبقْ
الحب بالفطانةِ اختنقْ
إذا افترقنا، يا رفيقتي، فلنلقِ كلّ اللومْ
على زماننا
ولننفض الأيدي في التذكار والنَدَمْ
ولنَمْسَحِ الظلالَ عن عيوننا
ولنبتسمْ في ثقةٍ، بأنّ ما حَدثْ
كان إرادةَ القَدَرْ
وأن آمراً أمَرْ
وأننا قد استجبنا للذي نُحسُّهُ
حين قتلْنا حِسّنا
وأن ما مضى
أهونُ من أن نحمله كأمسِنا
من أن يمدّ ظِلّهُ البغيضْ
على شبابنا
ولننطلقْ مغامرين ضائعَينِ في البحار العَكِرَه
نمدّ جسْمَنا الجديبَ، والضلوع المقفرهْ
في الغرفِ الجديدة المؤجّرَهْ
بين صدورٍ أُخَرٍ مُعْتصِرَهْ

صلاحُ عبدُ الصبورِ

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2009

ما هو شعورك؟

ما هو شعورك؟


"ما هو شعوركَ وأنتَ تصنعُ مخلوقاً لا نظيرَ له في العالم؟"

كان لا بُد أن أقفَ لحظات دون جواب، لأنني لم أتوقع سؤالاً مباغِتاً، ولأنني أيضًا أؤمن أن إجابة الأسئلة ينبغي أن تكون متروية جداً، ولا تكون سريعة كما هو مرور راكب ناقة في طريق.

في المُختبر نُحضر لاستنساخ، وتحويل إحدى سلالات البكتيريا حينما باغتني المشرفُ بذلك السؤال الدعابة. والإجابة ليست سهلة جداً. أفكرُ الآن بنوع من العلاقات الأبوية التي تنشَـأُ بين المُنشيء وصنعته، أو أبناؤه. والأبوة لغة ليست نتاجاً بيولوجياً، بل هي علاقة شعورية وتربوية إن صح القول. إنها علاقة مثيرة، وتحفزُ لخيال قد يكون جامحاً.

ذلك الشعور ليس أبوياً صرفاً، بل ربما يكون استغلالياً. فلمَ قمنا بتحويل تلك السلالة؟ هل لأسباب أبوية؟ أقولُ الآن أن ذلك لم يكن السبب، بل ربما كان نتيجة، أو إحدى النتائج. أردنا فقط استخدام تلك البكتيريا لمنفعة. منفعة الإنسان، وليس البكتيريا.

البكتيريا لا تحتاجُ -عادة- أن تعيش أكثر من ٢٠ دقيقة كي تنقسم. أي يختفي الجيلُ الأول تماماً لينتج جيل جديد بعدد مضاعف من الخلايا. البكتيريا لا تألفُ صحابها، أو الذي يعتني أو يلعبُ بها. إنها تريدُ أن تعيش كي تتكاثر وتختفي. يأتي الجيلُ الجديد معتمداً على المادة الوراثية لسابقه تماماً، حتى وإن شهد بعض الطفرات الوراثية التي قد تودي به، أو تطور "تآلفه" مع البيئة.

ولهذا إن فكرتُ بعلاقة حب، أو علاقة أبوية مع سلالات البكتيريا فإنني أجزمُ الآن أنني كنتُ مخطئاً بعد تفكيري السابق. كان نزوة من الخيال أثارها سؤال مباغت. فكي تكون أباً، لابد أن يكون هناك شريك آخر. هذا هو العُرف، لكنه أيضًا قد لا يكون صحيحاً إن استطاع الإنسان استنساخ نفسه مستقبلاً.

كيفَ يكون الإنسانُ أُمَ نفسِه؟ هل يُعيدُ إنتاج تاريخه الشخصي؟ أم يُصدر كما يصدرُ النورُ من الشمس؟