الاثنين، 24 أغسطس 2009

Once Upon A Time In The West

Once Upon A Time In The West



كانت قناة ABC هذا الصباح تستضيف أحد علماء الآثار من المتحف البريطاني، والذي ينقبُ عن الآثار في شمال السوادن بمنطقة النوبة تحديداً. وضمن اللقاء ذكر الكثير عن السوادن، وتاريخ المنطقة القديم. قال الباحث أن تاريخ النوبة أقدم من تاريخ مصر الفرعونية. وعندما سألته المذيعة عما يتذكرُ به الماضي ذكر هذه المقطوعة الموسيقية التي عزفت للمرة الأولى لفيلم من حقبة الستينات.

الجمعة، 21 أغسطس 2009

رمضانك مبارك يا صديقي

رمضانك مبارك يا صديقي


عزيزي حشر،

شكراً جزيلاً للرسالة الجميلة، والتصميم الرائع. أشكركَ جزيلاً لأننا مازلنا باقين في ذاكرتك، كما أنتَ في قلوبنا. أتى رمضان، كما هو كل عام، وفي كل عام ينقصُ رمضان آخر من عمرنا. يأتي الرمضانُ ونحن بعيدون عن الأحبة، عن الأسرةِ والأصدقاء، وعن الوطن. لازلنا هنا، ولا ندري كم من العمر سنبقى حبيسين أشياء كثيرة غير الأهل والأصدقاء.

غداً رمضانُ يا صديقي، ولا أدري بكل صدق ما يمكن أن نفعله تجاه هذا الضيف الذي يتقصدُ التواريخ الهجرية. قبل أيام يطلبُ الطبيب أن أصومَ حتى أراه، كي يفعل ما يراه. وربما أتى رمضانُ في وقته هذه السنة، كي يقوم باللازم من الأمور المؤجلة. هكذا هي الحياة يا صديقي..

كيف هو محلُ الأزياء؟ أنتَ لم تخبرني الكثير عنه، فالصدفُ القليلة الماضية لم تسمح بغير ما سمحت به للأسف. أظننا سنحتاجُ لأزياء تنكرية حينما نكونُ هناك. ومتأكد أنه يكون بروعتكَ، وأنني سأقصدُ متجرك إن أبقتنا الحياةُ حتى تلك اللحظة.

وكيف هي النورسُ؟ أمازالت تأخذُ الأموال من جيوب العمانيين لتتصدقَ ببعضها على المحتاجين في القافلات الخيرية؟
وكيف هو مقهى التناكر؟ أمازال يضمُ الأصدقاء، والجرائد حتى منتصف الليل؟
كيف هي عُمان؟ وكيف المستقبلُ فيها؟
كيف الحكومة؟ أمازالت تمنحُ الأرض للمواطن أم انتهت الأيام السمان العجاف؟

هنا، كلُ شيء يعيدُ تعريف نفسه، ولكنما المكان لم يتغير. لم ندرك إلاِّ بعد الوقت أن المكان لا يتغير، بل الإنسان هو من يتغير. والإنسان، هذا الكائن العجيب، ما أغربه؟ قل لي كيف يتغيرُ الإنسان أسرعَ من فصول السنة، أو كيف لا تعرفُ إنساناً ظننتَ أنكَ تعرفه؟

لكن، لا بأس. أشعرُ بالطمأنينة البالغة تجاه كل ما ذكرتُه بالأعلى، صديقنا أبو لؤي مازال هنا. مازال يُعيدُ الذكريات الجميلة التي نقشناها هُنا، على ضفة الليل ذي السككـِ المكتضة بأواخر أيام الأسبوع. الدنيا لازالت بخير يا صديقي، ورمضانُ لا يأتي على حين غفلة كما كنا نحسبُ، بل يأكلُ من أعمارنا الشيء الكثير دونما نحسُ.

لقد كبرنا قليلاً، وكبرتْ أيضًا شجرةُ الجيكرندا، وبعضُ الذكريات... كل شيء هنا لا يتغير عدا الإنسان،
أولمْ أخبرك أنني تغيرتُ أيضًا..
وسبحانه مقلب القلوب والأبصار..
صديقي العزيز، أتمنى لكَ رمضاناً حافلاً بالخير والسعادة مع الأسرة والأصدقاء،
فلا نحسُ بقيمة الأشياءِ إلاَّ بعد الفقدِ..
رمضان كريم،

سعيد، آه، رمضان كريم

سعيد، آه، رمضان كريم


لنْ تُباعدُنا أيُّها السَّفَـرُ..


ما أجمل الليلة، وما أجمل الليالي الهادئة!

مضى الأصدقاء بعدما كانوا فاكهة الليل كله. وبالجمعة تبدأ إجازةُ الأسبوع، فيستريحُ الإنسان من نصبِ الأيام الماضية. إن سئلتُ نفسي من قبلُ عن مُتعِ الحياة القصوى، أو إن سئلتُ أيَّ إنسان آخر لعددَ أشياء من متع الدنيا بها تكتملُ فرحته وسعادته. لكنما هنا لا يملأُ السعادة من ماء الحياة إلاَّ الأصدقاء.

مضى الأصدقاءُ، وأدركُ الآنَ أني أكلتُ أدسمَ عشاء منذ شهور طويلة. وأدركُ أنها كانت أهنأ وجبة، فلم يصاحبها قيء مزمن، ولا أدوية أخرى. الدنيا مازلت بخير، والربيعُ الخجول يلوحُ قليلاً في الأفقِ متوارياً ليأتي مبكراً الصيفُ الماطر. هكذا هي الأيامُ هنا.

لقد مضوا، وها هي الليلةُ تبدُأ هنا. ليست صاخبة، ولا باردة، بل هادئة، وجميلة بالذكريات البعيدة. الموسيقى الجميلةُ تعزفُ ما أبدعهُ الإنسان والطبيعة، ويبدوُ أن السعادة اللامتناهي لا تكن لتتحقق أيضًا إلاَّ بخفوتِ صوت الإنترنت ليتباطأ مع تقادير الحياة الأخرى. كوب للقهوة في منتصفِ الليل لن ينصحَ به طبيب، لكنما هي أسبابُ السعادة التي يسعى خلفها الإنسان مهما كلفته من ثمن أو جهد.

بعيداً عن الحياةُ الخارجية، أتوقفُ الآن.. أرى كل شيء وحيداً، كما كان وكما يفترضُ أن يكون كي نفهمه أيضًا. وحيداً دون كتاب أو صديق، بل متأملاً الحياة، متناسياً هموماً ومشاغلها، وعراقيلها. مستمتعاً بهذه اللحظة الرائعة كما فعلتُ قبلها بأزمان بعيدة في عوالم أخرى.

ويسألُ زميل متى السحورُ؟ ليخبرَ أن رمضان قريب، ولأخبره أنهُ فقط قبل الآذان بدقائق. فيستريحُ، ولا أستريحُ. أنظرُ للماضي، كيف كانَ؟ وكم من رمضان مرَّ دون أن يلاحظنا كما ينبغي؟ وأرى المستقبل بريبة البعيد المستحيل. هل سيأتي؟ أم نأتيه؟ أم نفترق قبل أن ينتهي الحاضرُ؟

أيها الليلُ ما أحلكَ اسودادكَ!

وننظرُ إلى الصورِ القديمة، فنرى أنفسنا أشخاصاً آخرين، غير ما نحنُ، وغير ما يُفترضُ أن نكون. نراها بقربِ البيتِ، وبقربِ اللهِ. ونرانا في شطٍ آخر بلا سفين، ولاحجابِ. يا سيدي، كنا هناك، وقد لا نكونُ فاغفر لي خطيئتي، إني كنتُ من الخاطئين، وابلغ السلامَ لكُلِ الناس الطيبين، الذين لم يظلموا الناس الآخرين. قد لا نلتقي، وقد نلتقي، فالليلُ هنا طويل، وأنا أعتزمُ الراحة البعيدة دون هم.

فلنلتقي كل حين أيها المستقبلُ،
والسلامُ حتى حين...

الخميس، 20 أغسطس 2009

أنا غريب يا أمي

أنا غريب يا أمي


عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون وأستريح
ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف مَن يضع رأسه؟
حلوة عيون النساء في باب توما حلوة..
حلوة وهي ترنو حزينة إلى الليل والخبز والسكارى
ليتني حصاة ملونة على الرصيف أو أغنية طويلة على الزقاق
ليتني وردة جورية في حديقة ما يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أشتهي أن أكون صفصافة خضراء قرب الكنيسة أو صليبا من الذهب
على صدر عذراء تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى
وفي عينيها الجميلتين ترفرف حمامتان من البنفسج
أشتهي أن أقبل طفلاً صغيراً في باب توما
ومن شفتيه الورديتين تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه
فأنا مازلت وحيدا وقاسيا
أنا غريب يا أمي

محمد الماغوط

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

تشظي الصورة الأخلاقية للحكومة في نظر مواطن غير مهتم

تشظي الصورة الأخلاقية للحكومة في نظر مواطن غير مهتم


"إن لم تستحي ففعل ما شئت .. الفساد مستشرٍ في المؤسسات الحكومية كاللون الأحمر في الدم .. بئس مصير المستخفين بحقوق الضعفاء والمساكين"

الجملة بالأعلى هي لصديقي الذي اطلع على وثائق وزارة التعليم العالي المنشورة مؤخراً. صديقي لم يكن يوماً مهتماً بالصورة الجمالية للمؤسسات الحكومية لأنه لم يكن معني بذلك. وفي ذات النطاق يعيشُ نسبة مهمة من سكان عُمان. إلاَّ إن الصورة الجمالية التي لم يكن مهتماً بها تغيرتْ ليصدر منه الجملة بالأعلى. وهنا نقولُ أن الاحترام ينتفي من الذات، فيحل محله الاشمئزاز.

ويبدو أن تلكَ الصورة لم تعد الحكومة تهتمُ بها. فبعدَ الفضائح السابقة المتعلقة ببناية وزير يخالف اللوائح الحكومية نهاراً، ووثيقة تسيِّرُ برنامج إذاعي التي انتشرت، واليوم وثائق تدلل على تزاحم بالاستمتاع المفرط لخدمات الدولة بكل الطرق الممكنة يندفعُ صاحبي ليغير تصوره عن الصورة. إن صاحبي يغيرُ فقط منظاره، أو نظارته، أو أنه يخلع النظارة ليرى بوضوح أكبر.

ويخلعُ الناسُ مناظيرهم السابقة ليروا كذلك.

الشعب العُماني : الضجيج الافتراضي ، السكون الحقيقي

الشعب العُماني : الضجيج الافتراضي ، السكون الحقيقي


تحكي كتبُ التراثُ والتاريخ الإسلامي أن نصر بن سيار والي خرسان للأموين كتبَ لخليفته، مروان الحمار، رسالة ضمنها بيت الشعر التالي: فإن النار بالعودين تُذكى.. وإن الحربُ أولها كلامُ. أعجبني مقال لهلال السعيدي بمنتدى الحارة العمانية يشيرُ فيه أن العمانيين يتحدثون كثيراً على الإنترنت كثيراً لكنهم في العالم الحقيقي يخشون الجُدُر. وأقولُ بدوري أن الكلامُ له دلائل أيضًا. أترككم مع المقال:

إنهم غاضبون ... شيباً بعضهم وشبابٌ أكثرهم...

لا يكاد المتتبع للشأن العُماني ، يبحر في عالم الإنترنت حتى يشاهد بحراً متلاطماً من الأفكار والآراء المختلفة على قارعة كل منتدىً عماني أو مدونة عُمانية .

إنه لا يشاهد هذا وحسب ، فعند التوغل في المشهد الافتراضي العُماني سيجد تيارات فكرية متصارعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، تُقاذف فيما بينها الأفكار والرؤى فيما يشبه فرض الرأي على الطرف المنافس وليس مناقشته أو جره إلى الاقتناع ، إلا ما رحم ربي من هذه المناقشات ..

إنه عالمٌ عُماني غريبٌ وخالصٌ حقاً ، ستجد الاتهامات للوزراء بالفساد تكال يمنةً ويسرة ، بعلمٍ وبدونه ، ستجد الصراع الأبدي بين المتدينين والعلمانيّن ، وتم إضافة العقلانيّن والملحدين مؤخراً ، ستجد الصراخ والشعور بالظلم والانتقاص وانعدام العدالة وسوء المعاش ، ستجد التطبيل والتهليل للإنجازات .. ستجد وستجد وستجد !

لكن ما أن يطلُ أحدنا من شرفة ما على العالم الحقيقي ملقياً نظرةً بسيطة على الشارع العماني ، سيجد مواتاً ( وربما تماوتاً ) لا مثيل له ، كما لا مثيل للعالم الآخر ! ، سيرى الجميع شباباً بعنفوانهم الفتي ، رجالاً برزانة الأيام والسنين ، شيباً بالتجربة والخبرة في الحياة ، على السواء لا فرق !

كل واحد منهم يذهب كل صباح إلى دوامه بكل هدوء ، ويعود آخر اليوم إلى بيته بكل هدوء بل ورتابة وملل وضيق ! ، وحتى أصحاب الرؤى والأفكار المتضاربة عندما يلتقون في عالمهم الحقيقي ستجدهم أشد وداعة من الحمل ، ورقةً من الوردة الحمراء ، وستراهم يلقون الابتسامات على بعضهم بسبب أو بدونه قائلين لك عند سؤالهم عن السبب : إنها لصدقات جارية!

لا زلت أذكر تلك الحملة المنظمة التي شنت في المواقع الإلكترونية ، وبالرسائل النصية القصيرة ، لحضور تجمع في منطقة الوزارات بالخوير للاحتجاج على ارتفاع الأسعار قبل سنة تقريباً ، وحدد القائمون عليها ( وهم مجهولون ) وقتاً مناسباً للتجمع ، وقيل ما سيقال فيها ، وما سيرفع خلالها ، لكن عندما كنت أطل على المنطقة لحضتها لم أشاهد سوى بعض شباب أقل من أصابع اليدين ، وأجانب ذوي بشرة حمراء وصلهم الخبر بطريقةٍ ما ، لكنهم لم يجدوا أحداً ، فتقهقروا أدراجهم ! الغريب في الأمر أن هناك تجمعات للمواطنين حدثت لاحقاً تحتج على حرب غزة !

إنها أكثر الألغاز العُمانية صعوبة أيها السادة ، وأكثر العقد صعوبة كذلك ، حتى بت شبه متيقن بأن أغلبية هذا الجيل تشكو من ازدواج مزمن في الشخصية من الصعب تخطيه خلال جيل أو جيلين !
هذا هو لغزٌ بسيط من مجموعة الألغاز المستعصية للإنسان العُماني ..

الاثنين، 17 أغسطس 2009

جلسة ثقافية ببرزبن

جلسة ثقافية ببرزبن

تحية عظيمة لذكرى حشر المنذري،

"ملك أم كتابة؟"
صاح بي، فانتبهتُ، ورفَّت ذبابة
حول عينينِ لامعتينِ
فقلتُ: "الكتابة"
أمل دنقل

ظهرَ السبتِ الماضي كنا إحدى عشر تقريباً. حضرنا كي نقعدَ على طاولة وكراسي متقاربة كي نتحدث. ليس حديثاً عابراً بل كان أكثر تحديداً، وتنظيماً. كان لقاء ثقافي كما أردنا أن نسميه قليلاً كي نعطي الأشياء أسمائها. قلنا سنجربُ إحياءَ فعالية قديمة داومنا عليها، وهجرناها مع الزمن. وكانت البداية جميلة كما أراها اليوم.

في إحدى قاعات جامعة كوينزلاند اجتمعنا، وكنا إحدى عشر كما أسلفنا سابقاً. طرحَ بعضُ الشباب مواضيعاً معدة سلفاً، ثم دارَ حولها نقاش متشعب كالتشعب المحتمل للفكرة. كان هناك: شهد "قصة" لعبدالله المعمري، اللحوم المسمومة والإنغلاق الثقافي "استعراض لأشكال المحافظة بعمان" عامر الشعيلي، أدلجة التعليم "مقال" وقراءة في "سفر المنظومات" حمد الغيثي.

أظنُ أن حيزاً كبيراً من وقت الجلسة الثقافية نوقشت فيه بعض الأفكار التي وردت في مقال أدلجة التعليم. تعددت الآراء بتعدد الأشخاص، "الإنسان ابن بيئته"، "كل مولود يولد على الفطرة"، "لابد من مرشد وموجه في التعليم والقراءة"، "كل المجتمعات تنشأ أبنائها على التمسك بأسلافها"، الكره في الله، "العقيدة ليست فكرة"، و"الانتحاريين المسلمين".

عبدالله المعمري كاتب قصة من سلطنة عمان قرر فيما سبق أن يهجر كتابة القصة، لكن غواية اللقاء كما أرجِّح حضته على الحضور، والمشاركة بقصة من إرشيفه. وعد المعمري أنه سيستأنف الحب القديم، ونحنُ على موعد غرامي كما يبدو. قصة "شهد" كانت فرصة جميلة بالنسبة لي كي أقرأ للمعمري، وكانت القصة جميلة بدورها، وكان إلقاء المعمري هادئاً جميلاً.

"لمَ دماء العلماء مسمومة؟"، وما الفاصل بين العملي، والإلهي فيما يقوم به شيخُ الدين؟ حاول عامر الشعيلي تسليط الضوء على هذه الأسئلة ضمن استعراض الانغلاق الثقافي في مجتمع مثالي لتلك الأطروحات الدينية. هل نسيتُ سؤالاً للشعيلي، "من المستفيدُ من لحم مسموم لعالم؟". بدأ الشعيلي حديثه بأبيات لنزار قباني: "يا أصدقائي، جربوا أن تقرؤا كتاب، أن تكتبوا كتاب، أن تزرعوا الحروف والرمان والأعناب، أن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب، فالناس يجهلونكم في خارج السرداب .. الناس يحسبونكم نوعاً من الذئاب".

الأحد، 16 أغسطس 2009

اختراق الحارة العمانية

اختراق الحارة العمانية


يقولون قديماً وحديثاً أن ما يحصلُ في هذه الأرض وبأعلى السماءُ هو قضاء قدَّره الله. فاللهُ كتب في اللوح المحفوظ كل شيء بعدما علمه. لكنما ليس كل الناس تقول ذلك، رغم أن الكتب لا تروي هذا كثيراً.

في هذا اليوم المشمس، تحقق قضاءُ الله للمرة الثالثة بالحارة العمانية، كما حدث قبل ذلك في مواقع عمانية أخرى. لقد كنا نفتحُ متصفح الإنترنت على مواقعَ، لكنما اليوم لا موقع للحارة العمانية على الإنترنت. حدث الاختراق ربما قدره الله، وربما لا.


وبعيداً عن كلام الميتافيزيقا الذي قد يتوه فيه الشخص ويتعثر، يرى العالمُ والعلم اليوم أن كل عمل لا يخرجُ إلاَّ عن دافع. فلا شيء لوجه الله صرفاً. وقد أشار لهذا مؤخراً خميس العدوي في مقال البراجماتية التي لم يتفق عليها كل الناس. وقد اخترقتْ الحارة، فما هو الدافع الذي تولد عند الفاعل كي يؤذي مئات الناس من مزاولة أعمال ومتع يومية في الحارة العمانية؟


لابد أن نعمل النظر والفكر كثيراً كما يحضنا الله على ذلك. ولابد أيضًا أن نجعل مساحة للشكِ فيما نؤمنُ به دوماً كي نكون قادرين على تجديد أفكارنا معتقداتنا، كما يفعلُ العلماء عادة. لن يخترقُ موقع للعبث المحض، ولن يخترقَ موقعَ كالحارة حُصِّنَ أمنياً بدرجة كبيرة إلاَّ شخص محترف ومصر على هدف، وأيُ هدفٍ عظيم هو؟


وفي البال فكرة وحسرة. ستكونُ حسرة كبيرة إن علمنا أن الاختراق تم للمواضيع التي توضعُ في الحارة، وربما كان آخرُها جاذبية وثائق التدخل في البعثات الخارجية وإعمال المصلحة الشخصية قبل الوطنية في اتخاذ الأمور. لا ندري إن كان هذا السبب، أو إن لم يكن. ندري أن الله يدري..

الأربعاء، 12 أغسطس 2009

الشعر الجميل

الشعر الجميل


أمس كنتُ أتسللُ إلى أعشاش الطيور
أغري أصدقائي الأطفال بصعود الجبال
وأتى الحبُ عنيفاً، أزرق العينين،
فجعلني، دفعة واحدة، كبيراً
أمس كنتُ أحسبني كبيراً راشداً
أشيب وحكيماً حتى آخر أيامي
وأتى الحبُ وابتسم في بساطة
فإذا أنا ولد صغير

رسول حمزاتوف

الخميس، 6 أغسطس 2009

فندق كاليفورنيا

فندق كاليفورنيا


حول الأغنية بالأعلى نشأ جدل مثير -لي على الأقل كمتابع- في صحيفة عُمانية بشهر يناير أو فبراير الماضي. شاعرة عمانية (هيا عبدالله) تنشر في ملحق ثقافي بصحيفة عمانية (شرفات) قصيدة نثرية. ثم تأتي في الأسبوع التالي شاعرة عمانية أخرى (عائشة السيفي) لتتهم الأولى بسرقة القصيدة أدبياً من الأغنية بالأعلى. وتأتي بالأسبوع التالي الشاعر المُتهَمة تنافح عن نفسها، إلاَّ أن منافحتها لم تقنعني كقاريء. وبعد أسابيع بسيطة تنشر شرفات مرة أخرى لذات الشاعرة قصائد أخرى لم تُتهم هذه المرة بسرقتها.

النسائم الباردة هنا ذكرتني بالأغنية ذات الموسيقى الجميلة، وبتكرار الأمور بشكل غريب في الصحافة العمانية. فعندما يسرقُ الكاتب أو "المُبدع" مادته من الآخرين تنافح الصحيفة عنهُ، وتستمرُ بالنشر له. يذكرني هذا بما حدث لأحد الشاعرات العمانيات في جريدة الشبيبة. ويذكرني كل هذا بقضية الأخلاق الغائبة عنا.

الأحد، 2 أغسطس 2009

الخسارة في الجانب الآخر من عُمان

الخسارة في الجانب الآخر من عُمان
نقلاً عن مهذونة معاوية الرواحي



من أجمل ما كتب معاوية الرواحي في مدونته. ما كتبه الرواحي -وأنقله هنا اليوم- قريب مما قاله الشاعر العربي القديم:" أمرتهم أمري بمنعرجِ اللوى.. فلم يستبينوا النصحَ إلاَّ ضحى الغدِ". والأمرُ كما أراه لا يخرجُ عن تحرك عجلة المجتمع العماني التي ركلتها الحكومة في الألفية الجديدة لتؤثر على المعادلات الاجتماعية والاقتصادية في عُمان، دون أن يكونَ هناك لاعب آخر يركل الكرة في الجهة الأخرى. أترككم مع ما كتبه معاوية، وهو يستحق التأمل الشديد.


أستطيعُ أن أقولَ أن قواعدَ اللعبة انكشفت بعض الشيء أمامَ عينيَّ. ربما، ولهذا السبب تحديداً لم أستطع النوم على الإطلاق، ربما لأن مدينةً، أو فلأكن أكثر دقةً [وطناً] مثالياً استطاعَ أن يعبرَ بي هذه الليلة ذاكرتي كاملةً، كما استطاعَ أن يعيرني سمعَه وعينيه ولسانه وشفتيه.

&&&

قواعد اللعبة لم تكن أكثر وضوحاً من هذه اللحظة، والخيارات المطروحة ليست مثل حلاوة [أمرين أحلاهما مرّ]. يبدو أن الإحباط الوجوديَّ الذي أشعرُ به في هذه اللحظة بالتحديد قد استطاعَ أن يتسلل خلسة ربما من المرارةِ الوجودية أيضا في سقفِ حلقي إلى المرارة الوجودية أسفل دماغي إلى المرارة الوجودية أعلى دماغي. لا أذكر الآن بالتحديد أن هو مركز الذاكرة قصيرة المدى ولكنني متأكدٌ تمامَ التأكد أنَّ فكرةً واحدةً تجولُ فيه.

اللعبة الآن لها شروطٌ واضحةٌ للغاية، وشروطُها ليست تعجيزية كما يتوقع البعض [ربما لا زلتم تتساءلون عن اللعبة التي أقصدُها]، ولا تذهبوا بعيداً في تفكيركم ــ الذكيِّ ولا ريب ــ فاللعبة هي لعبةُ العيش، والعيش الذي أقصده ليس العيشَ بمعناه العام، وإنما العيش في عُمان ــ بل أكاد ربما أحدد وأحصرُ العيش في مسقط لولا أنني لستُ بصدد تناول غلاء الإيجارات والحديد، ونصف رواتبنا الذي يذهب في بطونِ أصحاب العِمارات [العمانيين ــ الذين هم منَّا وفينا وبعضهم ربما أولاد قبائل ووزراء وأولاد نيابة] مثلما بعضهم أولاد حرام وكلاب ولصوص ومستغلين ومتسلقين وحقراء وتفَّه وسفلة. نعم في بلادي عُمان يجتمع هذا المزيج المتناقض من البشر في مكانٍ ضيِّق لا يعبأ بمهذونٍ مضروب على رأسِه أو بحفنةٍ من الشباب العمانيين الذين اعتقدوا أنَّهم بحفنة من الحروف المجمَّعة بعناية [أو بدون عناية] على شاشة الحاسب الآلي المحمول المزمول ربما، يعتقدون أنَّهم باستطاعتهم تغيير شيء من القرف العام الذي يحدث على مسمع ومرأى من الجَميع، والكُلُّ يكادُ يجمعُ على الحقيقةِ المُرَّة، الكل يريد أن يعيشَ وأن يأكلَ [خبزاً] ولعلَّ لقمة الخبز هذه هي الشيء الوحيد في هذه البلاد التي لا يمكن التفريط فيه. لا زلتم ربما ضائعين تحاولون فكَّ طلاسم هذه الهذونة الجادَّة التي ربما وللمرة الأولى أعني فيها ما أقول، أو أقولُ فيها ما أشعرُه في حالة صوفيَّة، [ليست صوفيَّة على طريقة الحلَّاج بقدر ما هي خشنة كجونية الطحين] تكاد من خشونتِها أن تبردَ الأصابعَ لتكون بكماء، فالأناملُ هي التي تتكلمُ في هذا الزمان الجديد، وهي التي تحاولُ جاهدةً أن تبعثَ الصرخةَ في هذا الموات الذي بدأ بالتسرطن، مواتٌ علنيِّ للضمير الجمعي، أو للفكرة الأخلاقية الجَمعية/ للقيم كما يصوِّرها المثاليون / أو لتلك الروح العُمانية كما يحلو لي أن أسميها تجاوزاً [فالروح من أمرِ ربِّي]. هذه المرَّة ليس أمامي سوى الخوض مع الخائضين، الخوض على طريقة جامعة السلطان قابوس، أو على طريقة سدِّ الخوض الهائل، أو تلك البيوت الفارهة التي تقعُ على جانبيِّ شارعِ الجامعة وأنا أشاهد الصفائح التكتونية المجتمعية تنفصلُ كما يتمزَّقُ [سنجاف] حبوتي حماموه في كلِّ عيد وهي تنزعُ السنجاف القديم من الثياب القديمة لتحيك لبناتِها [كذبةً] صفراء على هيئة ثوبٍ عُمانيِّ [بدون شقٍّ وريمبو]، حماموه التي تحلمُ في يومٍ من الأيَّام أن يتكرَّم [حبابُها] الشايب تكاليف رحلتِها إلى البيتِ الحرام. حماموه التي لا تصلِّي ولا تصومُ ولا تقبِّل غرباً[1] ولا تعرفُ لو سئلت عن جنسيتِها ما هي، لأنَّها مذ خلقت تحت ظلِّ النخلة لا تفهمُ كلماتٍ مثل الوطنية، أو الوطن، أو الانتماء لأنَّها ليست بحاجةٍ إلى هذه الزوَّادة من المفردات التي طفق مئات البشر يطفحونَ بها علينا كما تطفحُ المجاري.

&&&

للمرةِ الأولى التي أشعرُ فيها أنني لا أريدُ أن أقولَ ما أريدُ قولَه، ربما لذلك أذعنت لنداءِ اللغة وطفقت هكذا أسكب من فيضِها [لا فيضي] المدرار مئات الحروف التي تزيدُ الفكرةً عمىً وتضيعكم كما تضيعني مع هذه السطور التي تزيدني أسىً وحزنا وحسرةً. لأنَّ اللعبة ربما شاءت أن تجعلني في منتصف الصفيحة التكتونية التي تتمزق، وقدمٌ هُنا وقدمٌ هُناك والحياةُ ليست أكثر من لعبةِ قُمار، أليسَ قماراً ذلك الذي رمى مستقبلَه كاملاً وراء حلمٍ صغير، أو أمنية بعيدة للغاية، أو قماراً ذلك الذي حطَّم كل ما لديه ليبقى من أجل استمرارِ آخرين نسوه تماماً فورَ أنَّ أكملَ لهم دينَه وأتمَّ لهم حمايتَه. أو ربما مئات المقامرين الذين أصبحوا بين ليلةٍ وضُحاها [سماسرةً] يركضون ركضاً وراءَ [صفقة العُمر] التي ستنهي سيرهم المُعتاد في الحياة وتحوِّلهم ببركةِ الغلاء النفطيِّ المُفاجئ ولعبة تجَّار العقارات إلى أشباه أغنياء، إذ رأوا الجار، وابن الجار وأخِ الجار وعمِّ الجار يصبحون بين ليلةٍ وضُحاها أثرياء مكتفينَ يقدِّمون استقالاتهم على ورقةٍ ممزقة من كرَّاسة رسم ابنهم الصغير. نعم ذلك يحدثُ في عُمان، وقد حدثَ كما ينفجر زلزال في مجتمعٍ غير نمطيٍّ لينتجَ ركاماً هائلا من التوابع الزلزالية، وليتحوَّلَ الناسُ هكذا دون سابق إنذار إلى بائع/ ومشتري، الأول ينتظرُ الطامَّة أن تزيد وأن تخنقَ المئات من ذويه وأبناء بلدِه العُمانيين أبناء القبائل أولاد الأصل، والآخر ينتظر أن تهوي الأرضَ بمن بها، والنفطَ بمن اشتراه وباعَه ليستطيع إكمال ثلاثة آلاف طابوقة موصلة بالإسمنت عليها بعض الطلاء والحديد. ولا زال الإعلامُ يغنِّي والأدباء يكتبون وكتَّاب المنتديات ينقدون والخسارةُ الكُبرى ليست فيما يقولونَه أكثر مما هي في أنفسِنا. هل بدأت الفكرة تتضح أمامَكم يا سادتي الكرام ويا سيِّداتي الكريمات الرائعات المذهلات العُمانيات منكن وغير العُمانيات.

&&&

يزداد الزحام كثافةً أمامَ العدد الهائل من الحالبين الوافدين الداخلين أرض النفطِ واللبان وأرضَ المواطنين الراضين بالحال الشاكرين الله على النعماء الحامدين الله على الضراء وكله لهم خير. يزداد حتى تفتحون أعينكم معي على عُمان الجديدة، وهي هذه المرَّة ليست عمان التاريخية التي يحلو للإعلام تضليلكم بها، أو عُمان الآيدلوجيا العَريقة التي فشلَ المستعمرون البرتغاليون في تسميم نقائها، تفتحون أعينكم معي على عُمان الجديدة التي يفرُّ فيها المرءُ من أخيه وأمِّه وأبيه وصاحبته التي تطبخ له الطعام والشراب. تفتحون أعينكم على عُمان أخرى ليست كما عرفتموها بقدر ما هي عُمان مختلفة لم تعد أمَّ الجميع، بل هي أمُّ البعض / البعض / الذين أفلتوا من العاصفة واعتصموا بحبلٍ من حِبالِ الغد إذ اكتشفوا بقاء الأوراق الرابحة في أيديهم. ولم يعد الرقم الرابحُ أو الورقة التي لا تفقد قيمتها شهادة تعليمية أو وظيفة تدرُّ قطراتٍ من المال، بل في عُمان الجديدة يخرجُ نمطٌ لقيطٌ من أنماط العاصفة العشوائية التي هبَّت على هذا المُجتمع المُطمئن الذي سعت السلطة إلى الحفاظ عليه ومنع كلِّ المؤثرات العقلية أن تنالَ من ثباتِه. فعُمانُ اليومَ صفيحة تكتونيةٌ تنفصلُ بهدوء منذ 2004م على مشهدِها الاجتماعيِّ الجديد الذي سيحددُ، أو بالأحرى ستحددُ المنظومة التي يقبلُ بها الغنيُّ والفقيرُ كيفيةَ سيرِها من الآن فصاعداً، الغنيُّ الذي يحلمُ بتغيير استخدام قطعة أرضٍ من سكنيٍّ إلى تجاريٍّ، والفقير الذي يحلمُ بالحصول على قطعةِ أرض يستطيع تغييرها من سكنيٍّ إلى صناعيٍّ، أو مضمِّر الإبل الذي يحلمُ بالناقة [السبوق] التي ستدرُّ عليه [العيشَ] الحسنَ على مسمعِ ومرأى من العالمِ الذي أجمعَ ووافقَ على سيرِ الحياة بهذه الصورة. فمن أفلتَ يمهِّد لمن بعدِه أن يفلتَ أيضاً، ومن لم يفلت تعلَّق بحبال الأملِ أن يستطيعَ الفلات، أو حمدَ الله مئات المرَّات على راتبِه الذي يكفيه بعد استقطاع قرض البيت لسداد مصاريف الطعام والعزبة في مسقط. فاللعبة الآن أضحت واضحة للجميع لأنَّها ليست معقدَّة على الإطلاق فالمنظومة العُليا المسيِّرة المُختارة اختارت المضيَّ قدماً في سحب الصفيحة التكتونية الصغيرة من عُمان، وسوَّرتْها بالكثير من الحرَّاس الطامحين للفلاتِ // الراغبين في أن يكونوا من الأولين، وهم في حقيقتهم من الآخرين. وكلُّ ذلك يحدثُ أمام أعينكم يا عمانيون، وأنتم كعادتكم إمَّا صامتون رغباً أو رهباً .. فما منكم إلا ولديه ما يخسرُه، وهؤلاء الذين ليس لديهم شيء ليخسروه. وهذا الشرخُ الذي بدأت معالمَه تتضحُ رويدا رويداً ليس وليد اليوم واللحظة، فهو جاء بإجماعٍ منكم وبموافقةٍ تامَّةٍ على حدوثِه فأنتم، هؤلاء الذين نعَّمتهم الحياة قليلا قد لا تعنيكم كثيراً سياسات التربية والتعليم، أو سياسات وزارة الصحَّة أو سياسات التعليم العالي ما دمتم، ولا أقصدُ الآن الوزراء بل أقصدكم أيا الفريق التكتونيِّ العُماني شبه العادي، أولاد عمِّنا وأقاربِنا وبعضكم ربما أقرب من حبل الوريد إلينا، تشاهدون ما يحدثُ لأنَّكم أيقنتم أنَّكم من الأولين، الذين هم في المدارس الخاصَّة يدرسون، وفي العيادات القادمة من الغرب يعالجون، والذين هم في أوروبا يدرسون، والذين هم العقارات يملكون، فلا حرجَ ولا غضاضةً أن تملكوا عمارةً أو أن تطردوا عائلةً لأنَّ أحداً آخر من الأولين قررَ أن يجلبَ هنديَّا ليدير ماليةَ الشركة التي يعملُ بها الآخرون لكي يبقى هو من الأولين. هذا التقسيم الذي اليوم يصبح أكثر وضوحاً هو ما ارتضيتموه على أنفسكم أن يكونَ، وأن يصبحَ الغالبَ على واقعكم الذي تدَّعون فهمَه، وما منكم إلا ويقولُ أمام رهطٍ من زملائه أنَّ [الواقعَ] يستدعي ذلكَ، ولعلك لا تنتبه إلى الواقع على الرأس من صاملةٍ تصملك أنت ومن معكَ دونَ أن تحسَّ وأنت ترغي وتزبدُ عن الواقعِ أنَّك اخترتَ ــ ببساطةٍ بالغة ــ اخترتَ أن تكون من [المحاولين أن يكونوا من الأولين]، الراغبين في الفلاتِ أو الفالتين سلفاً والمسألةُ أعمقُ من كونِها خيارٌ يوميٌّ اقتصاديٌّ يتحولُ فيه المدرِّسُ [الذي تغنَّى الإعلامُ بقداسة مهنته] إلى سمسارِ أراضٍ في الوقتِ الذي سعى قليلون منهم إلى سدِّ رمقِ عائلة مليئة بالأطفال بالمزيد من ساعاتِ العَمل [الخاص] الممنوعُ دولياً في أعراف التربية والتعليم. نعم أيها المدرِّس وأيها الضابط في الشرطة، وأيها الطبيب أو ربَّة المنزل أو الموظف الحكوميِّ إنَّك اخترتَ ببساطة أن تلقي بمن هم في أغلبِ الوصف [مثلك] وراء ظهرك لتركب الموجةَ التي قد [تصيب] كما قد [تخيب] أو [تدوِشك] بأحلامٍ ترهقك. أرجوك يا صديقي العُماني، لا تعتقدُ أنني أزدريك أو أجرِّمك، فأنتَ في حالك وحياتِك أيضا لا تملكَ الخيارَ، لا تملك إلا أن تفعلَ أو أن تحاولَ. إمَّا أن ترضى نظرياً بالعدالة الاجتماعية العُمانية كما أقرَّها المُجتمع المُحافظ [كما يقولون في الإعلام] أو أن ترضى بأن تكون من ضمن المتقاتلين، المتدافعين [ ..كما يقول واحد من الشباب] على لقمةِ العيش، ولقمةِ العيش هذه ليست إلا دجاجة تبيض ذهباً كلَّ ليلة ثلاث مرَّات لأنه كفيلة بإخراجك من ثلة الآخرين لتكونَ من الأولِّين ومن ثمَّ تُمارسُ ربَّما وصايتك الاجتماعية على هؤلاء وكأنَّك أنت لستَ أحد الأسباب التي أدَّت إلى كونهم كذلك. الآن تقرأ عن المنازلِ المحصَّنة، وكلابِ الحراسة والخزائن المصفَّحة غير القابلة للكسر أو التفجير، وتسمعُ عن الذين يحرسونَ البنوك بالمسدسات حتى لا يقوم مراهقٌ طائش باقتحامِه [كما يفعلون في الأفلام] بل وربما أنتَ يا صديقي توقنُ أنَّك محميٌ ربما، لأنَّك من مقدِّمة الأولين وتستطيع تأمين حرِّاس يسكنون معكَ وكلاب تحرسك من بطشِ المعوزين، أو من لصوصٍ يريدون أن يكونوا مثلكَ ببساطة بسرقة بعض ما عندك، أو أنتَ يا صديقي الآخر لأنَّك أمنتَ من بطش هؤلاء لأنَّ السلطةَ تراهم يتخلٌّقون وتزيدُ هي من عدَّتِها وعتادِها لكي تحميك وتحمي من هم أمثالَك من الآمنين [الذي يستحقُّون ذلك ولا ريبَ] ... أفهمتم الآن ما أريدُ قولَه يا أصدقائي القراء، العُمانيين وغير العُمانيين .. الهنود وغير الهنود .. الأوفياء الأتقياء الشرفاء الضعفاء .. إنَّ شروطَ العيش في عُمان باتت شبه واضحة، فاللعبة الآن لم تعد كما كان يلعبُها الآباء في الستينات، إذ سافرَ بعضهم لبيع الغاز في البحرين، أو غرقَ بعضهم الآخر في تشذيب نخلاتِه التي تقيه من الجوع، وليست كما اعتقد آباء الثمانينيات أنَّّهم سينجحونَ فيها بسلاحِ العلم [كما يقولون في الإعلام]. إنَّها وفي ليلةٍ وضحاها أصبحت مِنحاً من السماء وفيللاً في الموجِ وقصوراً على الشارعِ العام نتاجَ أرض واحدةٍ ورقم سيَّارة ورقم هاتفٍ أو صفقة سمسرة بين وزيرين أصبحا الآن في عتاد المتقاعدين. هذه الضرباتُ الموجعةُ التي أصبحتَ أنت وآلاف غيرُك من الصغار والكبار تتناقلونها بمزيج من التلمَّض والازدراء. لا تغضب وتقول لي: أيها الحقير، أتصفنا الآن أننا سماسرة وماديّون .. يا صديقي لا تكن سطحياً وتأخذ الكلام على ظاهره، غص معي وتأمل حولَك ما يحدث وقل لي، أترى منهم ذا مبدأ وموقف إلا قليلا؟؟ أم ترى فيهم زهد الحكماء والعلماء؟ فاللعبة يا سيدي ويا صديقي ويا عزيزي لم تعد ــ في هذه السنوات الأخيرة ــ لعبةَ معروف، إنها لعبة مجاهيل ومُعطيات عشوائية هبطت فجأة على هذا المُجتمع الآمن لتجعلَ منه [كما جعلت من غيرِه] محطَّة من محطَّات الفوضى والصخب. فإن كنتَ لا تزالُ في طورِ [الحساسية] من هذه الصفات، فاسأل نفسكَ يا صديقي .. إلى أينَ تريد الذهاب؟ ومع من؟؟؟؟؟؟ وفكِّر طويلاً قبل أن تجيبني ... فأنا وحتى هذه اللحظة لم أستطع النوم، أتعرفُ لماذا؟؟ لأنني أفكِّر فيك .. لا تستغرب يا صديقي، أفكِّر فيك وأكتب السطور الطوال لأستفزَّك معي .. فربما كنت دكتوراً في علم الاجتماع [ولعلَّك لم تحصل على شهادتك بالانتساب لتعمل في الشؤون المالية] أو لعلَّك مفكِّر يرى عُمان إلى أين تذهب .. عُمان المُجتمع أو تلك [الثروة] الباقية من روحِنا المتفرِّدة عن البقيَّة، تلكَ الروح العُمانية التي يميِّزها الآلاف والمئات من البشر. تلك الثروة التي [قدْ] يذهبُ بها بطشُ المال أو فقر الحال أو ببساطة غلاء الحديد أو غلاء المهور أو نقص الوظائف لأنَّك ولأنني ولأنهم ولأننا قررتَ/ قررتُ/ قرروا أن يكونوا من الأولين، وأمَّا الآخرون فهي عاصفة تكبرُ في صمتٍ وبداخِلها ثقبٌ تاريخيٌّ أسود، حتى هذه اللحظة يمكن ــ يمكن وصدقوني يمكن ـ التخلَّص منه بقليلٍ من الحكمة، وكثير من التضحية.

&&&

إيه يا صديقي العُماني .. حرمتَني من النوم لأنَّك ببساطة تنامُ عميقاً في هذه اللحظة. لأنك نمتَ ليلة الجَمعة لأنَّ غدا سبت دوامٍ، أو ربما عطلة صيف. قف قليلاً، وتأمَّل ما يحدثُ حولَك وفكَّر بعض الشيء في هذه البلاد، وقل معي: أين تسير بنا هذه القافلة المترعة بالمفاجآت؟ وراقب من هم حولَك .. وربما .. أقولُ ربما .. بعدَ كلِّ هذا الصداع تستطيع أن تنقذَ نفسَك ومن معكَ من هذا الزحام الذي خلقتْه هذه الفوضى المؤقتة، وتبقى أنتَ كما أنتَ ــ عُمانياً كما ولدتَ ..... فحافظ على نفسِك يا صديقي العُماني ... حافظ عليها فربما هي الأمرُ الوحيد الذي سيبقى لك بعدَ انقضاء هذه العاصفة ...


عُمانيٌّ مثلك لم ينم بسببك