الأحد، 29 نوفمبر 2009

الانحدار الأخلاقي يجلب المصائب؟

الانحدار الأخلاقي يجلب المصائب؟


وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدولهُ
عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بصلبه
وأردَف أعجازاً وناءَ بكلْكلِ
ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي
بصُبْحٍ وما الإصْباحَ مِنك بأمثَلِ

أمرؤ القيس


بالرابط أعلاه خبر من أندونيسيا، عن وزير الإعلام والاتصلات الإندونيسي الذي صرح أمام الملأ أن الكوارث الطبيعية التي تضربُ إندونيسيا عادة سببها الإنحدار الأخلاقي، والدليلُ على الانحدار هو إنتشار الأفلام الإباحية في السوق.

ويبدو أن تصريح الوزير لاقى صدىً وارتياحاً لدى نسبة من السُكان هناك خصوصاً إذا علمنا أن حركة تحرير آتشيه الإنفصالية في أندونيسيا قد قبلت بالحكم الذاتي بعد تسونامي لاعتقادها أن التسونامي كان عقاباً من الله على التناحر بين الإخوة في الدين حتى وإن فرقهم العرق.

لكن تصريح الوزير الأندونيسي لاقى بعض النقد، وقد ذكر الخبر أن أحد المعلقين على الإنترنت قال: "لم التركيز على الانحدار الأخلاقي لدى الشعب عندما يكون هناك الكثير منه في الحكومة؟". فهل يكون عقاب الله على فساد الحكومة؟ أم فساد الشعب؟

لكن من أين أتى الوزير الإندونيسي بفكرته السابقة؟

لاشك أن بعض المؤلفات في الدين الإسلامي ترسخ الاعتقاد أن الكوارث الطبيعية والأمراض المعدية هي عقاب من الله للعاصي. وتستغل هذه المؤلفات قصة النبي لوط في القرآن الكريم حينما خُسف بمدن سادوم السبع عاليها سالفها، لتتكون بحيرة كبيرة شديدة الملوحة، يعرفها الجميعُ اليوم باسم البحر الميت.

لكن هذا التفكير الإسلامي ليس هو التفكير الوحيد حول تفسير الكوارث. هناك تفسير آخر ينحو بهذه المسألة إلى الطبيعة وقوانينها. نجدُ هذا في كتاب "الإيمان بين الغيب والخرافة" لخميس العدوي وخالد الوهيبي.

نسألُ أنفسنا مباشرة،
هل ما يحدثُ في العالم هو نتيجة لتدخل الله المباشر؟
أم هو نتيجة لقوانين الطبيعة وأفعال الإنسان المادية؟

الجمعة، 27 نوفمبر 2009

في البال أغنية

في البالِ أغنية



في البالِ أغنية

يا أختُ عن بلدِي

نامِي

لأكتُبها


رأيتُ جسمكِ

محمولاً على الزرَدِ

وكَان يرشحُ ألواناً

فقلتُ لهم:

جسمِي هُناكَ

فسدوا ساحةَ البلدِ ..


وكأني بمحمود درويش ينشدُ قصيدته عن بلده، فيغنيها معه مارسيل خليفة، ليرددُ الناس أغنية عن بلدهم. وهناك شاعر آخر (أو شعراء آخرون) لا يقتنع بالسابق، فيكتب عن بلده. وإن ضاقَ عليهم البلدُ في الشعرِ، لجأوا إلى الرموز، فصنعوا البلد رمزاً، وأمسى الرمز بلداً.


وقد يصادف أن تفتح الإذاعة فتسمع مغني هاو يتغنى بقصيدة كتبت لأجل البلد. وربما توجد هناك إذاعة أخرى تذيع قصيدة عن البلد الذي صار وطناً بعد أن نشرت في الصفحة قبل الأخيرة من جريدة محلية. واجتمع ناقد وناقدان حتى أصبحوا مجموعة، والمجموعة جماعة والخروج عليهم غير جائز لأنهم لا يجتمعون على ضلالة، ليقروا تحول القصيدة الوطنية إلى جنس يُسمى الشعر الوطني.


وقد كبرت الأسطورة، أي أنها تحولت، أو بلغة موضوعية تطورت. لكنها لم تخرج عن سياق التاريخ. ثم إننا اليوم في نهاية التاريخ التطوري، فالنسق المنتظم يُفرضُ عليه التحدي. والتحدي ليس مسابقة تنظمها الفيفا وهي الاتحاد الدولي لكرة القدم، بل إنه شيء يسمى شيئاً آخر قد نجيدُ وصفه وقد لا نجيد.


قالوا الشعر الوطني ظهر لما ظهرت الأوطان. والأوطان جمع مفرده وطن، والوطن كما سجله ابن منظور الأنصاري صاحب لسان العرب هو إما يكون مقر الإنسان وسكنه، أو مربط البقر والغنم. لكن الشعر الوطني لا يصف أيهما، إنه يصف شيئاً ما خطر على بال، ولا جاء على قلب بشر. إنه الشيء الذي ليس يُصدق. أي أن الوطن شيء ليس يصدق. والشاعر حينما يمدح وطنه يكون وطنياً، وكذلك من يرددُ القصيدة في جوقة الإذاعة.


والتاريخ الأسطوري ينتهي هذا العصر، أو كأنه سينتهي عند الآخرين، ولكننا سنلحقهم على ناقة أو بعير. فالصحراءُ ما تزال قاحلة، والدربُ طويل. لكننا سنصل إلى خط العولمة. وسنجد ألا وطن فيها، وسيخمد في تلك اللحظة الشعر الوطني لأن الشاعر سيكون في بلدة أخرى غير التي سكنها قبلاً، ولن يستطيع الإتيان بما لم تأتِ بهِ الأوائل. ولهذا سيسكت. وسينهي الشعرُ.


وإن انتهى الشعرُ الوطني سينهي الوطن، فهو ليس إلا فكرة عابرة للرؤوس. ليسَ شيئاً راسخاً كرسوخ شيء لا يمكن وصفه تماماً.


الخميس، 26 نوفمبر 2009

عرفة، وعيدكم مبارك

عرفة، وعيدكم مبارك


كل هذا يشيعُ بقلبي الوَهنْ
كلُ هذا البياضَ يُذكرني بالكفن
فلماذا إذا متُ
يأتي المعزونَ متشحينَ
بشاراتِ لونِ الحداد؟
هل لأن السوادَ
هو لون النجاةِ ضد الزمن؟
ضد منْ؟
ومَتَى القلبُ في الخفقانِ اطمئنْ؟!
أملُ دُنقلُ

إنه ذلك النداء القادم من جزيرة العرب للناس. نداء قديم، وشجي، ومثير. متحد بالمكان والطبيعة، فصارت المناسك رحلة كبرى تذكرُ بالآخرة. منذ ذلك اليوم وحتى اليوم لا تزال دعوة إبراهيم تجتذبُ إليها اهتمامَ البشرِ سنوياً. وبكة تحتضنُ المناسك والمقدسات بعدما خفتت قدسية مدن أخرى.

يذهبُ الإنسان هناك فتنسلخُ منه الدنيا، ويخرجُ منه الشيطان. لا يعودُ كما ذهب، ولا يبقى كما كان. بل تطبعُه تلكَ الرحلةُ بطابعها. معركة الوجود الآخر تمثلُ أمامه، والناسُ في بياض شديد. يتدافعون، وربما يموتون، تحت باب الله، ولأجلِ الله. إنه يومُ عرفة حين التقى آدمُ بحواء على الأرض، على جبلِ الرحمة. إنها سيلُ من الدمِ يتدفقُ غداً حين تنحر الأضاحي، فيموتُ الشيطان لأجل فكرة أخرى تثبتُ نفسها.

العيدُ غداً. قد يكونُ سعيداً، وقد لا يكون. قد يلتقي فيه الناس مع أقرانهم، وأصحابهم. وقد يُعرضُ الآخرون عن آخرين. وقد يمتنع آخر من اعتبار العيد عيداً. لكن ها هي السنةُ تطوي نفسها، والسنون تسلخُ عديدها. فمن نحنُ؟ وما كُنا؟ وما نكونُ؟

عيدكمُ مبارك هذا العيدِ،
وكلُ عيدٍ...

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

المُقدمة، كتاب مهم 1

المُقدمة، كتاب مهم 1




يقولُ ابنُ خلدونِ:
"منَ المُحالِ دَوامُ الحالِ"


لا يمكنُ الإفلاتُ من الاعتراف بعبقرية ابن خلدون وجاذبيته الفكرية والسياسية. يحاولون طمس تراثه الكبير تحت ذرائع الشعوبية، والنفعية البحتة في السياسة. لكنهم يعتزون به أمام الغرب والشرق، ويعتدون "بمقدمة ابن خلدون"، في حين تتخطاهُ قراءاتهم وأجاليهمُ.

لا يمكن أن يكون ابن خلدون إلا شعوبياً. هكذا حكم صديقٌ منذ زمن على ابن خلدون، لكنني لم أفهم معنى كلامه. فكيف يكون الرجلُ شعوبياً، وهو عربي الأصل والثقافة. ولم يكن الدافعُ إعادة قراءة ابن خلدون، بل إعادة فهم المنطلق الذي صدر منهُ الصديقُ.

اتهم أو حوكم ابن المقفع، وبشار بن برد، وصالح بن عبدالقدوس، وأبو العتاهية بتهمة الشعوبية، وهي الاستنقاص من العرب عرقياً وحضارياً. المذكورون هم مفكرون وشعراءُ عباسيون يتحدرون من أصول غير عربية، إلا أن الأفكار التي حملوها ضد العرب -إن حملوها حقاً- قد تلاشت، ولم يبقَ منها إلا حديث السامرين وكتب الأدب. بينما بقيَ النقد المنظم الذي وجههُ ابن خلدون للعرب حتى يومنا هذا، لنصفه بالشعوبية الحضارية دون أن نبذل جهداً لفهم ابن خلدون. ودون أن نتخففَ قليلاً من حكمِ "كنتم خيرَ أمة".

لن يمكن أن تكون مقدمة ابن خلدون إلا شذرة عبقرية لم تجد بنظيرها المكتبة العربية الإسلامية. إنها أبرز كتاب عقلاني يُخرِجُ به صاحبُه التفكير العقلاني الحرُ إلى حيز الموجود (وكان هُنا المجتمع) بعدما اقتصر على الُموجدِ وأحواله. إنه تفكير نقدي، ومنظم، ومنهجي، وتراكمي في فصولهِ.

يقولون أن أفعالَ الإنسان تسبقُ تفكيرهُ. إنه يفعلُ ثم يفكر، ولو فكر قبل أن يفعل لاختلفت أحوال كثيرة. وأرى أن المتنبي وابن خلدون تشابها في الطموح والفعل. وكلاهما فشل في طموحه، وقادتهُ أفعاله إلى الوجهة الغير مقصودة. لكنما المتنبي فعلَ، ولم يفكرُ في أحواله، بينما فعل ابن خلدون العكس. وبسبب الفعل المُعاكس كتب الخلدوني مقدمته.

لِم يفشلُ طامحُ بالإمارة في الحصول عليها رغم امتلاكه مواهباً سياسية؟ أجاب ابن خلدون على هذا السؤال بعدما تكرر فشله في الحصول على الإمارة، وأجاب عليه حينما تنسِك لسنين عديدة في بوادي المغرب ليخرج للعالم المستنير بنظريته حول "العصبية السياسية"، و"نشوء وارتقاء الدول ثم هرمها واندثارها". وله مساهمات قيمة جداً حول المجتمع، وطبيعة العمل، والأخلاق، والدين.

هروبُ الخلدوني إلى البادية، وتأملهُ مصير المغرب ودوله بعد غزو قبائل بني هلال وبني سليم قادته لاكتشاف نظرية العصبية، وتكوين رؤيته حول العرب أنهم أمة وحشية لا تقوم أمورها إلا بدعوة دينية توحدهم. وأن الدولة لابد أن تمر بأطوار عدة تتناسب مع أطوار الإنسان: نشوء، فتوة وتوسع، نضج، هرم واندثار. وأن العصبية السياسية لابد أن تختفي من النظام الحاكم حينما تتحولُ الدولة من نظام القبيلة، إلى استحداث الجُند من خارج العصبية، وقلة جباية الأموال بسبب انحسار الغزو، ثم ازديادُ العجز في المالية. ونشوء عصبية أخرى تؤذن بنشوء دولة حديثة. وربما نعتقد للوهلة الأولى أن نظرية ابن خلدون لم تعد صالحة في زمن الدول الوطنية. لكن التفحص المتزايد قد يذهب إلى عكس الفكرة السابقة.

والطريفُ في الأمر أن نرى فقهياً مالكياً كبيراً، وعالماً أشعرياً متمرساً كابن خلدون يحللُ في مقدمته علاقة الدين والدولة. فيدعو إلى إبعاد أهل الدين عن الدولة وأمورها لأنهم يفسدونها. ولربما قفز في خلدنا سؤال متذاكٍ: هل كان ابنُ خلدون علمانياً؟ وحينما حلل ابن خلدون تاريخ نشوء الدول قال إن الدعوة الدينية هي دعوة للمُلك والاستبداد.

واعتبرَ الخلدوني أن الحضارة هي المدنية، والمدنية من التمدنِ، والتمدن من نشوء المدن الكبرى، وهو عكس الريف والبدو. والمدنية تخلقُ أنماطاً جديدة من العمل، والعُمال. وهذا يؤدي إلى نشوء أخلاق جديدة مخالفة لما استقر في ثقافة البدو أو الريف. ثم انبرى الخلدوني لتحليل إيجابيات وسلبيات النظامَيْن الأخلاقيين معاً، لنستنتج معه أن البيئة تحددُ المقبول والمرفوض في العرف الأخلاقي، وأن إنكار واقع الأخلاق الجديد هو ترهبنُ واغتراب عن الواقع بسبب تصادمه مع المُثل التي شكلتها بيئات وعوامل أخرى.

"ماذا خسر العالمُ بانحطاط المسلمين؟" كتاب مؤثر لأبو الحسن الندوي. إلا أن الخلدوني يرسمُ في مقدمته أن التأخر والتقدم الحضاري لا يحصلُ بطاعة الله أو معصيته. بل من خلال أسباب موضوعية، ودورة طبيعية تمرُ بها مجتمعاتُ العالم. ومما لا بد منه في سبيل ذلك الانتقال من منظومة ثقافة القبيلة إلى المدينة، وهذا يقودنا مرة أخرى للمدنية، أي إلى الحضارة المعاصرة التي يرفضها الكثيرُ منا لأنها ليست من الله.

وماذا خسرَ العربُ باندثار تراث ابن خلدون، ذلك التراثُ لم يُدرس بعناية، ولم تتقبلُه السلفيةُ الجديدة نقداً عمرهُ أكثرَ من ستمائة سنة.

لنقرأ ابنَ خلدون بروحٍ معاصرةٍ، ولننتقدهُ بعيونِ اليومِ، لا الماضي.

الاثنين، 23 نوفمبر 2009

يوم مثير

يوم مثير


طاولة لا بأس بها، كعكة، شموع حمراء، صناديق بيتزا، علب الكولا، سكاكين، موسيقى شرقية، شيشة، وأصدقاء، رقص، وقيء مزمن. وقول من ابن خلدون -الرجل التاريخي والواقعي والموضوعي جداً-: "لا بد أن يكمن الشر بالخير لأجل الخير". فأيُ عبثٍ هذا؟


الأحد، 22 نوفمبر 2009

مقهى وحانة التـ(ة)ـاء المربوطة

مقهى وحانة التـ(ة)ـاء المربوطة



في الغالِبِ يأتيها طُلّابُ الجامِعَةِ اللبنانيَّةِ

في كَبدِ الحَمْرا الحَمْراء...

صَبايا لبنانيَّاتٌ بالفطرةِ والقشطةِ والزَّعْترِ والغارْ..

غِلمانٌ مَنحُوتُون بنكْهةِ عِطرٍ زيتُونِيٍّ

فَنَّقَهُم بيَسَارِ الفِكرةِ تعلو الفكرةَ

فوق بُوَيْبِ المَقهى البارْ..

كالنُّقطةِ ورفيقتها النُّقطةِ فوقَ الهَاء

يُفقِّحُ حِنكَتَهُم، في مَسرَى القهوَةِ، تيَّارُ يَسَارْ.

............................

............................

فَحوى القِصَّةِ؛ أَنِّي أَنسى الفُصحى أحياناً، لكنِّي أَتفكَّرُ

في أَمرِ "التَّاءِ المَربُوطَةِ" بقرُنفلةِ الحُريَّةِ؛ وأقولُ لنفسِي:

ليسَ مُهِمّاً تعدادُ حَواسِيبِ الطُّلابِ، هَواتِفهِمِ النَّقالَةِ

أو إضْبَاراتِ أَسَاتِذتِهِم تُنقَلُ بَينَ فضاءينِ

بتقنيَةِ البْلُوتوثْ Bluetooth

أَتفكَّرُ ثانيةً:

ليسَ مُهِمَّاً، عُصِرَت تَقنِيَةُ الزُّرقةِ سِنّاً يَلمَعُ

قَبَساً مِن نُور الهَاءِ المَحضِ

(كَنُور شقيقتها التَّاءِ المَربُوطةِ)

أم زَحَفتْ زُرقتُها خبَباً ضَوئيّاً يَتهَاوى

مِنْ ظُلُماتِ عُصُورِ المَامُوثْ

.. إذ ليسَ مُهِمَّاً -أَتفكَّرُ- تقشيرُ بُصَيْلةِ هذا الأمر

بسكِّينِ البَحثِ العِلمِيِّ؛ وليسَ مُهِمّاً

(في أقصى ضَوءِ الفِكرةِ، شِعراً)

أَنْ أتذكَّر ما قد يَحدثُ في حاناتِ عَباءات

الهَاءآتِ الأخرى...

فالفارقُ أَوضحُ مِمَّا قد يَبدُو للزائر:

(حِين يُقارِنُ فِكرَةَ قَمعِ مُظاهَرَةِ الطُّلابِ

بجامِعَةِ المَلِكِ فَيصَلَ في الدَّمامِ

وجامِعَةِ البَحرَيْن وجَامِعَةِ السُّلطانِ القابُوسْ).

أتفكَّرُ:

ليسَ مُهِمَّاً، في أَمواهِ خليجٍ يَتنفطُ، ليسَ مُهِمّاً تعدادُ

دشاديشِ الطُّلابِ، عَبايَاتِ بَناتِ الدَّوحَةِ،

مَسقطَ، رأسِ الخيمَةِ والعَيْنْ

فالعَيْنُ تَرَى هَاءَ الحُريَّةِ ناصِعَةً في مَكتبَةِ

التَّاءِ المَربُوطةِ بالنقطةِ والنقطةِ - جَدَلاً قد لا يُنهِي

المُتغلغِلَ في مَرصُوصِ الذكرى

مِن حَربِ شوارع لبنانْ..

لكنَّ العَين تراها ثانيَةً أنصع من حُريَّتِها المَوزونَةِ

إِذ تَتسَامَقُ أَرزاً رَفرَفَ في قلب الرَّايَةِ..

أَرزاً لم تُخجِلْ دُكْنَةُ خُضرَتِهِ غَيْنَ الأَحزابِ

المَنقُوطَةِ بالفِتنةِ تَضفرُ شَعرَةَ قِحفتها ليلاً

لتُراكِمَها واحِدةً بعد الأخرى

فوق ادْلِهْنانِ سَمَاواتِ الأغيَانْ.


محمد الحارثي

الشخص الغريب

الشخص الغريب



الربيع لفيفالدي

الربيع لفيفالدي

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

تأبط منفى

تأبط منفى


لمْ يجوعني الله ولا الحقولُ
بل جوعتني الشعاراتُ
والمناجلُ التي سبقتني إلى السنابلِ
أخرجُ من ضوضائي إلى ضوضاءِ الأرصفةِ
أنا ضجرٌ بما يكفي لأن أرمي حياتي
لأيةِ عابرةِ سبيلٍ
وأمضي طليقاً ضجراً من الذكرياتِ والأصدقاءِ والكآبةِ
ضجراً أو يائساً
كباخرةٍ مثقوبةٍ على الجرفِ
لا تستطيعُ الإقلاعَ أو الغرق
***
سأقذفُ جواربي إلى السماءِ
تضامناً مع مَنْ لا يملكون الأحذيةَ
وأمشي حافياً
ألامسُ وحولَ الشوارعِ بباطنِ قدمي
محدقاً في وجوهِ المتخمين وراءَ زجاجِ مكاتبهم
آه..لو كانتِ الأمعاءُ البشريةُ من زجاجٍ
لرأينا كمْ سرقوا من رغيفنا
أيها الربُّ
إذا لمْ تستطعْ أن تملأَ هذه المعدةَ الجرباءَ
التي تصفرُ فيها الريحُ والديدانُ
فلماذا خلقتَ لي هذه الأضراسَ النهمة
وإذا لمْ تبرعمْ على سريري جسداً أملوداً
فلماذا خلقتَ لي ذراعين من كبريت
وإذا لمْ تمنحني وطناً آمناً
فلماذا خلقتَ لي هذه الأقدامَ الجوّابةَ
وإذا كنتَ ضجراً من شكواي
فلماذا خلقتَ لي هذا الفمَ المندلقَ بالصراخِ
ليلَ نهار

من أشعار عدنان الصائغ..

الأحد، 15 نوفمبر 2009

تساؤل للذات

تساؤل للذات


اكتشف والداه انتماءه لمجموعة تتبنى الإنكار كشعار ومبدأ.

إنني لعنة بغيضة حَلّت على والديَّ. فقد قال لي أبي: "لقد أحلتَ حياتي كلها إلى فشلٍ ذريعٍ". أما أمي فقالت: "هذه أكبر مصيبة ألمّت بي". يا إلهي، ما الروعة التي تجدُها فِي تدميرِسعادةِ الشخصين الذين ربما يكونان الوحيدين في هذا العالمِ الذين يعبدانكَ؟!

روبرت ستيفنسون

الجمعة، 13 نوفمبر 2009

جُبن

جُبن


إلى الثلاجة أذهبُ
أفتشُ عن جبن وزيت
بقايا من الجبن لا تكفي جائعاً

كأنه يهرشُ قطعةَ جبن
سنجاب صغير
أم فأر كبير
يتمشى في المطبخ
ثم يخرج إلى حوض السباحة؟

هي إحدى مسرحيات أواخر الربيع
حين تكون الأجواء خيالية
والقمر المعلق في السماء
يشوش جماله خفاش
فلا نملك الرؤية الكلية

وتنتهي الرؤيا
أصحو من النوم
وبقايا جبن في يدي
لا توجد في الثلاجة.

حديث حول الانتحاريين

حديث حول الانتحاريين

في الذكريات حديث متشعب حول الانتحاريين. الإشكالية التي طرحها محدثي هو دور المسجد، ودور المفتي والداعية في تشجيع الشباب على فكرة التفجير الانتحاري. وكان محل اهتمامنا ليس مجتمعاً كالعراق، أو السعودية، لكننا نتحدث عن أستراليا، والمخاوف من مؤسسة الإفتاء في أستراليا إن عملت على تقليل "الولاء للوطن" خصوصاً أن الجيش الأسترالي كان يعملُ في العراق، ومازال في أفغانستان.

وقبل سنين ضج الإعلام الأسترالي بقضية مواطن أسترالي اعتقله الأمريكيون في أفغانستان، ثم حولوه إلى معسكر جوانتانامو. والأسترالي لا يتحدرُ من أصول مسلمة، بل هو ممن تحول إلى الإسلام وذهب إلى أفغانستان.

أقرأُ اليوم تغطية في موقع البي بي سي لهذه القضية.

الأحد، 8 نوفمبر 2009

واطسون وكريك

واطسون وكرِك



في المقطع العالمان جيمس واطسون، وفرانسيس كرِك يتحدثان حول عملية اكتشافهم تركيبة السلسلة الوراثية الدي إن آي.
وتسمى اليوم إحدى السلسلتين بسلسلة كريك، والأخرى سلسلة واطسون.


الجمعة، 6 نوفمبر 2009

الشاهدُ أو الغريبُ (قصة)

الشاهدُ أو الغريبُ (قصة)


سماها صاحِبُها "الشاهدُ"، وأُسميها الغريبُ. معبرَةُ. كتبها محمد عيد العريمي:

أصيبَ شـابٌ لم يتجاوزْ عُمْـرُهُ العشرين بمرضٍ لا يُعْرَفُ عنه شيءٌ ولم يُسمعْ به من قَبْل! قالوا إنه سـافر إلى الخارج، وعادَ يَحْملُ أعلى كِتْفَيْه وَجْهَ الأموات.

وسرعان ما انتشرَ خبرُ مرضِه.. سـارَ سَرَيان النار في الهشيم: طـردتْهُ عَجوزٌ كان يستأجرُ غُرفة ً مُلْحَقَة ً بدارها من الخـارج، وقالتْ له، وهي تقفُ على بُعْـدِ بِضْعَةِ أمتارٍ منه: "خُذْ أشياءَك كافة ً ولا تَعُـد إلى هنا مرة ثانية". وعندما أخرجَ يَدَه من جَيْبِ ثَوْبِه ومـدَّها بالمفتاحِ ابتعدتْ المرأة إلى الخلف مذعورة وكأنه اِسْتَلَّ سيفاً مِنْ غِمْدِه!
لـم يجدْ الشـابٌ تلك الليلة َمكاناً يأوي إليه غيرَ زَاوِيَـةِ سكة خلفية في سوق الحارة.. مرتعاً للنفايات والكلابِ، وظلاما يَتَبادلُ تَحْتَ جُنْحِه العشاقُ القُبل!

وفي الصباح استـيقظَ الناسُ على الزاوية التي لجأ إليها الشـاب وقد أحيطتْ بسـياجٍ أقيمَ من مُخَلَّفَاتِ مـوادِ بناءٍ مُخْتَلِفَةٍ. لا أحد يعـرفُ كيف حـدث ذلك، وبتلك السرعة ومن دون ضجيج غير أنَّ الأصابعَ أشارتْ خِفية ً إلى مسعودٍ السمّان، شيخُ الحارة. وقال الحلاو حمدان إن لا أحـد غيره يجرؤ على تلك الفعلة، لكنّ جمعانَ الخّبازَ خالَـفَه الرأيَ، مُتَّهِماً رجالَ الـ"صفـرد"، مقاولَ البناءَ، بعزل الشـاب خلفِ السياج!

كان للسياج فتحة ٌ صغيرة.. صِلَتُه الوحيدةُ بالعالم الخارجي.. يَضعُ له فيها من زاد على شبعه من طعام.
اشتَّدَ مرضُه، وأصبحَ لا يقوى على الاقترابِ من فتحةِ السياجِ لِتَنَاوُلِ ما يُترك له من قوت؛ فقتله الجوعُ والنبذُ معاً.
ففجرِ ذاتِ يومٍ، ولم يمضي على حجزه شهرُ، استيقظت الحارة على عَوَاءِ كلبٍ اعتاد المعزول تقسام الطعام معه في عُزْلَتِهِ.. عَوَاءٌ أشبه بالنشيج.

غَسَّلوه بالصابون، نَثروا على جَسَدِه الكافور، وأدرجوه في الكَفَن. عَطَّروه بالياسمين، صلوا عليه، وزَفوه مَحْمُولاً فوقَ الأكتاف: مكانِ الأبطال ومكانِ الأموات. سدوا مَرْقَدَه الأخير بالحجارة، أهالوا عليه التُرابَ، نصبوا له شاهدا، رطَّبوا ثُرَاه، قرءوا على روحه الفاتحة، وتلفتوا يمينا وشمالا، فلم يجدوا من يتلقى العزاءَ فيه!

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

الشتاء

الشتاء

صلاح عبدالصبور:

ينبئني شتاءُ هذا العَام
أنني أموتُ وحدي
ذاتَ شتاء مثلهُ، ذاتَ شتاءْ

يُنبئني هذا المساءُ أنني أموت وحدي
ذاتَ مساءٍ مثله، ذاتَ مساءٍٍ
و أن أعوامِي التي مضتْ كانتْ هباءْ
و أننِي أقيمُ في العراء
ينبئني شتاءُ هذا العامِ أن داخلي
مرتجف برداً
و أن قلبي ميتٌ منذُ الخريف
قد ذوى حينَ ذوتْ
أولُ أوراق الشجر
ثم هوى حينَ هوت
أول قطرةٍ من المطر
و أن كل ليلة باردةٍ تزيدهُ بُعدا
في باطن الحجر
و أن دفء الصيف إن أتى ليوقظه
فلن يمد من خلال الثلجِ أذرعه
حاملة وردا
ينبئني شتاءُ هذا العام أن هيكلي مريض
و أن أنفاسيَ شوك
و أنَ كلَ خطوة في وسطها مغامرة
و قدْ أموت قبل أن تلحق رِجلٌ رِجلا
في زحمةِ المدينة المنهمرة
أموتُ لا يعرفني أحد
أموتُ لا يبكي أحد
و قد يُقال بين صحبي في مجامع المسامرة
مجلسه كان هنا، ... و قد عبر
فيمن عبر
يرحمُهُ الله

ينبئني شتاءُ هذا العام
أن ما ظننته شفاىَ كان سُمِّي
و أن هذا الشِعر حين هزَّني أسقطني
و لستُ أدري منذ كم من السنين قد جُرحت
لكنني من يومها ينزف رأسي
الشعرُ زلَّتي التي من أجلها هدمتُ ما بنيت
من أجلها خرجت
من أجلها صُلبت
و حينما عُلِّقتُ كان البرد والظلمة والرعدُ
ترجُّني خوفاً
و حينما ناديته لم يستجب
عرفتُ أنني ضيَّعتُ ما أضعت
ينبئني شتاءُ هذا العام أننا لكي نعيش في الشتاء
لابد أن نخزُنَ من حرارة الصيف و ذكرياتهِ
دفئاً
لكنني بعثرتُ في مطالع الخريف
كل غلالي
كل حنطتي، و حَبِّي
كان جزائى أن يقول لى الشتاء أنني
ذات شتاء مثله
أموتُ وحدي
ذاتَ شتاء مثله أموتُ وحدي

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

حمود الشكيلي في مشكلة

حمود الشكيلي في مشكلة


"ملك أم كتابة؟"
صاح بي صاحبي.. فانتبهتُ ورفت ذبابة
حول عينينِ لامعتين
فقلتُ: "الكتابة".

أمل دنقل

يتعرض الكاتب حمود الشكيلي هذه الأيام لدعوى قضائية رفعها عليه أحد المواطنين. ظن المواطن أن الشكيلي تعرض له ضمن إحدى قصصه التي نشرت حديثاً في مجموعة قصصية. ومما كان أن اسم أحد أبطال قصص الشكيلي يحمل نفس اسم المواطن المشتكي. فاعتقد المواطن المشتكي أن الشكيلي تقصد شخصه في قصته. فذهب للادعاء العام ورفع قضية ضد الكاتب الشكيلي.

لكن الشكيلي يقول أنه لا يعرف المواطن المشتكي. وأن الأمر هو تشابه أسماء مثلما تتشابه الأسماء في دليل الهاتف. وإن خلق الله من الشبه أربعين، فإن عمان تتكرر الأسماء بها. لكن المواطن ينتمي لولاية بهلاء، وهي الولاية التي ينتمي لها الشكيلي، ويعتقد المواطن أن الأمر ليس محض صدفة. لكن الشكيلي يصر على عدم معرفته بالمواطن.

في تحقيق صحفي أجرته الصحفية بدرية الوهيبي في جريدة الزمن شنع المثقفون العمانيون على الرقابة الاجتماعية ووصموها بأنها الرقابة الأشد على الكُتاب في السلطنة. ويعتقد هؤلاء أن التقصد المستمر للكتاب وأخذهم للمحاكم باستمرار ينم عن انغلاق في وعي المجتمع، وثغرات في النظام القضائي لا تحمي الكاتب وحريته في التعبير.
.

شخصياً، أعتقدُ أن ما يحدث لحمود الشكيلي قد يفيده في الأمد القصير والمتوسط. فالرجلُ الآن أصبح حديث الصحافة والمجتمع الرقمي في عُمان. وأعتقدُ أن مجموعته القصصية الأخيرة قد يزدادُ عليها الطلب، ومن ثم ستقرأ أكثر. وأعتقد كذلك أن القضية لا تستحق الكثير من الانفعال، بل الكثير من الإصرار على أهمية الكتابة وتوكيدها عبر تضامن الكُتاب مع الكاتب.

جمعية الكُتاب والأدباء في عُمان أصدرت بياناً تضامنياً مع الشكيلي، لكن جريدتي عُمان، والوطن رفضتا نشر البيان. لا أدري عن الشبيبة، لكنني أعتقد أن الزمن قد نشرته حقاً. يدفعني هذا الموقف من قبل الجريدتين لتأملهما. الجريدتان يبدو أنهما لا تعيران اهتماماً كبيراً بالتضامن مع كاتب كتبَ سنينَ عديدة في الصحافة العمانية، بل وساهم في تحرير بعض الملاحق الثقافية. بل إن الأمر أكبر من هذا، القضية الآن ليست تضامناً مع كاتب، إنه تضامن مع مسألة الكتابة ككل. وإن كانت جريدة لا تتضامن مع الكتابة الحرة، فإنني لا أستطيع أن أقبلها كجريدة.
.

دعونا نتضامنُ مع حمود الشكيلي.