الجمعة، 1 يناير 2010

فقدان الذاكرة والموت

فقدان الذاكرة والموت


فَقَدَ صديقي الذاكرة. كان يتشقلبُ تحت أضواء الألعاب النارية في احتفال دخول السنة الجديدة، فوقع على رأسه. لبرهة ظننا أنه أغمي عليه، حينما لم يستجب لوخزنا المتتالي له. ربما فقد الإحساس حينها، لكننا تأكدنا أنه فقد الذاكرة حينما لم يعرفنا، لم يُميز من كان حوله، ولم يميز ذاته، ولم يميز الزمن.

هي أول تجربة أتعامل من خلالها مع فاقد ذاكرة. وكان ذلك شيئاً مميزاً. اضطر هو أن يثقَ بالأغراب (من كانوا نحن). واضطررنا نحن أن نفكر ما العمل؟ ماذا نفعلُ به؟ كيف يستعيد ذاكرته؟، واضطررنا أن نتأمل طبيعة الأمر، أفقد مؤقت للذاكرة أم أبدي؟ وهل الأمر تعيس جداً كما بدا من الوهلة الأولى؟

اتخذنا القرار على عجالة بأن نأخذه للمنزل لينام. ربما احتاج للراحة كي يتعافى. في الطريق بدا شارد التركيز، وبعيداً جداً. كان ينظر للأضواء القادمة من البعيد. عيناه مضطربتان، لكنه صامت. فكرتُ للحظة: لو كنت مكانه لتسائلت عمن أكون، ومن هؤلاء الذين يركبون معي (أو أركب معهم)، وإلى أين ذاهبون. بيد أني استدركتُ نفسي لقد نسيَ ذاكرته، وربما نسىَ التساؤل!

ما يزال صاحبي مضطجعاً على سريره وأنا أكتبُ هذه الكلمات. تستبدُ بي بعض الأفكار، لتقاربني إلى عالمه. ما الفرقُ بين الموت وفقدان الذاكرة. كلاهما يأخذان الذات (الوعي) ويتركان جسداً. ما الفرقُ بين جسد الميتِ، وفاقد الذاكرة سوى أن الأول شيءُ ميت، والآخر شيء حي. كلاهما شيء، ولكنهما دون قيمة حقيقية في هذا الوجود. لكن إن فكرتُ هكذا، هناك أشياء حية كثيرة دونما وعي، ودونما قيمة حقيقية في الوجود. مجرد رتوش على السطح، لا تُزيدُ أو تُنقصُ في القيمة.

صاحبي ما يزال على السرير. إنه نائم. النوم أيضًا فقدان للذاكرة، أي فقدان للذات، أي أنه موت كذلك. لكن الإنسان يتذكر اللحظة التي فاجأهُ فيها النعاس، وربما يتذكر أنه قام أثناء النوم، أو يتذكر أحلامه وكوابيسه. تبقى ذاكرته حية حينما يفيق، مع ثقوب بسيطة فيها. لكن هل سيذكرُ صاحبي اللحظات التي عاشها وهو فاقد للذاكرة؟
لا أدري.
.