الجمعة، 16 ديسمبر 2011

المرزوقي رئيساً في تونس

المرزوقي رئيساً في تونس


قد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل
علي بن أبي طالب

إذا الشعبُ  يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيبَ القدر
أبو القاسم الشابي


كان السؤال يتردد بصيغ مختلفة: متى ستريد الشعوب العربية الحياة؟ والحياة هنا ليست بيولوجية المعنى، ولكن حضارية رحبة. 

يبدو أن سؤال أبي القاسم الشابي قد صادف جواباً. وكان الجواب في ضواحي الزيتونة، في تونس. 

لعل ما يناهز دهشة ثورة تونس، هو دهشة هوية الرئيس الجديد. إنه تناقض صارخ. تناقض يشف عن تغير كبير حل بالمجتمع التونسي الذي خلع رجل أمن أرعن، ليختار بإرادة حرة رئيساً ذي خلفية مذهلة.

يمكن أن يكون مانديلا العرب. لكن التشبيه فرع من تصوير شيء، وليس أصله. 

لقد أدبر زمان، وأقبل زمان آخر يكون فيه منصف المرزوقي رئيساً لدولة عربية.

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

دعمٌ للمرأة؟

دعمٌ للمرأة؟
ظهرت كتابات متعددة تعتبر أن العرض النسوي في احتفال العيد الوطني الأخير هو دعم مباشر للمرأة من السلطان قابوس. بالمقابل اعتبرت كتابات كثيرة ذلك الدعم السلطاني للمرأة غير مقبول، ويخرج بالمرأة من نطاقاتها المعهودة والمرتجاة.
 ربما ينبغي طرح السؤال مجدداً أيُ  دعم دار حوله الخلاف؟ ودعمُ مَنْ؟ وضِدَ مَن؟
إن نظرة عامة لوضع المرأة العام في السلطنة  لن تلحظ غمطاً لحقوق المرأة الأساسية: حقوق التعليم، والتوظيف، والتملك، واللجوء للقضاء مكفولة. توج هذا الدعم بندوة المرأة العمانية في سيح المكارم، وتخصيص يوم للاحتفال بيوم المرأة، وأخيراً عرض عسكري نسوي. تحبذ وسائل الإعلام نسب هذا "الوضع المتقدم" لحكمة السلطان وتبصره في الأمور.

تنبغي الملاحظة هنا أن هذه الحقوق الأساسية التي تتمتع بها المرأة، لم تكتسبها بصفة جنسها الأنثوي، وإنما بموجب مواطنتها. فهذه الحقوق تكفلت الدولة بتوفيرها للمواطن بغض النظر عن جنسه.

أيضًا، إلقاء نظرة بسيطة لوضع المرأة في المجتمعات الخليجية المجاورة ترينا أن المرأة تتمتع بأوضاع مشابهة، أو متقدمة مقارنة بالسلطنة. وأيضًا تنسب تلك الأوضاع بدورها لحكمة القادة المحليين هناك.

أيضًا، كان الفضاء العام في عمان ما قبل ١٩٧٠م مشتركاً ولم يشهد فصلاً على أساس الجنس. تشارك الجنسان في التعليم المتوافر حينها، وفي العمل بالمهن والحرف التي وفرها الاقتصاد حينها. كانت المرأة عاملاً مهماً في استقرار الوضع المادي للأسر العمانية.
إن لم يكن هناك فرق جوهري بين وضع المرأة العمانية في الماضي والحاضر، فهل هناك دعم للمرأة؟

لا أعتقد شخصياً بوجود قضية جوهرية، ولا يوجود هناك من يطالب بقضايا جوهرية للمرأة في السلطنة. تبعاً لذلك، لا يصح الحديث منطقاً عن تقديم دعم لقضية لا وجود ولا مطالبين لها. 
إن أي دعم يتم الحديث عنه في السلطنة للمرأة هو مشابه في طبيعته للدعم الذي قدمته الحكومة سابقاً للزراعة، والشباب، والشبيبة، والتراث، والصناعة. وهو مشابه أيضًا للجهود التي بذلت في مكافحة الفساد.
.

يمكن القول أن التغييرات السياسية الرئيسة التي شهدتها السلطنة بعد ١٩٧٠م كانت متأثرة بعوامل إقليمية وعالمية، ولم تكن انعكاساً لتغيرات في طبيعة وبنى المجتمع العماني. بل يمكن القول إن التغييرات التي صدرت هذه السنة عن الحكومة هي استجابة لظرف إقليمي كانت له تداعيات محلية. حدث هذا رغم أن الواقع المحلي وصل لانسداد كبير منذ عقد كامل على الأقل، لكن استجابة السلطة جاءت متأخرة، ومتأثرة بظرف خارجي.

يمكن، باعتقادي، إدراج هذا الاعتناء المفاجيء بملف المرأة العمانية كرسالة، ضمن رسائل متعددة، للخارج يرسلها السلطان بأن عهداً ديموقراطياً قد بدأ في هذه السلطنة، عهداً يساوي المرأة بالرجل.
لكن، وكما أشرت مسبقاً، إن إطلاق رسائل لا يعني الشروع في تغيير حقيقي في أي مجال. التغيير يأتي بالعمل، لا بالحديث.

الأحد، 4 ديسمبر 2011

حول عيد وطني نسوي بعمان

حول عيد وطني نسوي بعمان


"يوم عظيم للمرأة في عُمان"


ربما هكذا أريد له أن يكون: يوماً عظيماً. لكن أيُ  عظمة؟

أدت نساء الشرطة السلطانية الاستعراض العسكري احتفالاً باليوم الوطني لهذه السنة. إنها المرة الأولى التي تثبت المرأة حضورها بشكل طاغٍ في حفل وطني. إنها، أيضًا، مفاجئة كبيرة على مستوى  السلطنة، بل وعلى مستوى الإقليم الذي يصنف  ضمن أكثر الأقاليم عالمياً تجاوزاً على المرأة وحقوقها.

قام السلطان -وليس السلطنة- بمفاجئة الجميع. 

لم تتضح ردة فعل المجتمع على وسائل الإعلام، لكن صخباً كبيراً نشأ في سبلة عمان، والحارة، والفيسبوك، وغيرها. صخب كبير يظهر استياءً لخروج المرأة عن طبيعتها الأنثوية، ورسالتها الأمومية، ووضعها الاجتماعي المعتاد، لتخرج لميادين الاحتفالات العسكرية.

لكن صوتاً مخالفاً، وإن كان ضئيلاً، اعتبر الحدث برمته انتصاراً من السُلطان للمرأة العمانية. بداية لحقبة جديدة تسود فيه المساواة بين المرأة والرجل في مختلف ميادين الحياة: المدنية والعسكرية.

 لم ينزل الحدث من علٍ على هؤلاء، بل سبقه إشهار فريق القفز الحر النسائي في الجيش السلطاني العُماني.
.

كان بالإمكان أن يكون العرض العسكري مختلطاً. لم كان الإصرار على جعله نسوياً؟ ما الرسالة؟ 
يمكن قراءة الرسالة بوضوح: إن السلطة العليا في السلطنة تدعم مسيرة المرأة. لكن إلى أي مدى؟

قامت السلطة العليا في السلطنة بدعم مواضيع شتى في العقود الأخيرة. تم الاحتفاء بقطاعات محددة فجعلت أعواماً وطنية: الشبيبة، التراث، الصناعة، الزراعة إلخ. بل احتفت السلطنة مؤخراً بمكافحة الفساد. ربما رأى البعض هذا النشاط  على أنه ديناميكية تنموية. لكن يمكن أن يُرى في ذلك مؤشر على غياب استراتيجية وطنية ثابتة: عشوائية وتخبط لا تقود لنتاج مثمر. يشهد على ذلك التعثر الذي مر به ملف مكافحة الفساد في السلطنة. 

لا يمكن، أيضًا، الاستشهاد بالحفل على دعم السلطان لمسيرة المرأة طالما أن ذلك الدعم لم يقد لتغيير في القوانين التي تحكم طبيعة علاقات وأدوار الجنسين في المجتمع. على سبيل المثال لا تمتلك المرأة في السلطنة الولاية على نفسها في شؤون الزواج والطلاق، بل يؤول ذلك لولي الأمر. إلا أن تغييراً في هذا المجال -القانون الصادر عام ٢٠١٠- نقل الولاية على المرأة من الولي المباشر إلى الولي العام في حالات خاصة. إذن، وفي جميع الأحوال، لا تمتلك المرأة -وإن كانت عسكرية- ولاية على نفسها في شؤون الزواج والطلاق.

في المقابل، يكتسب الحفل النسوي أهميته من ظرف آخر: إنها بداية لمرحلة جديدة في عمل أجهزة الدولة، بل ولعلها بداية جديدة ضمن الحراك الاجتماعي الذي شهدته السلطنة مؤخراً.

قرر السلطان أن يفاجيء الجميع. 
غير أن أي مفاجأة ليست إلا دهشة مؤقتة. فهل سينجح السلطان أن يطبع الدولة بطابعه؟