هل فقدت عمان رغبتها في الإستقلال ؟
ينشر أحد أعضاء موقع الحارة العمانية مقالاً يناقش فيه بعض التطورات السياسية في الخليج العربي، وانعكاس ذلك على سلطنة عمان. تحوي صفحة المقال في موقع الحارة العمانية على تعليقات جدية تمثل وجهات نظر متعددة.
((وستستمر السعودية في ممارسة طموحاتها بالدفع نحو نوع من الوحدة أو الكونفيديرالية الخليجية بزعامتها، من دون اليمن. أو أضعف الإيمان نحو زعامة دول مجلس التعاون الخليجي، ليكون لها دور الشريك والمسيطر. فوحدة دول مجلس التعاون الخليجي، تعني عمليا ((السعودية الكبرى)) ذات النفط والمال والسلاح. وستجد هذه الطموحات معارضة من داخل مجلس التعاون، الذي ستكون على رأسه سلطنة عمان))
الريس - رياح السموم - ص141
كانت أطماع السعودية في قيادة منظومة دول الخليج وضمها تحت جلباب المال والسياسية تقف أمامها عثرة اسمها سلطنة عمان. فقد كانت عمان تمارس استقلاليتها في منظومة التعاون بشكل مطلق ولم ترضخ قط لقرار الأغلبية ما لم تكن مقتنعة به وترى فيه مصلحتها و المصلحة العليا لدول المجلس. هذه الاستقلالية لم تأت من فراغ، فعمان مارست استقلاليتها في الأغلب الأعم من تاريخها الزاخر بمحاولات الاحتلال والسيطرة الخارجية التي لم تفلح إلا في أزمان متباعدة ومناطق متفرقة دون السيطرة على عمان بأكملها. كان هذا التاريخ الغني بشتى قصص البطولة رصيدا معنويا وصمام أمان لكل من يحكم عمان، بل ومسؤولية أخلاقية مفادها أن تبقى عمان واستقلاليتها فوق كل اعتبار وفوق كل المصالح الفردية.
نماذج استقلال عمان الحديثة – أي عمان ما بعد السبعين – كثيرة، ونماذج مبادراتها العربية والخليجية أكثر. فعمان على الرغم من محدودية مواردها لم تنظر إلى ما تملكه من مال بل إلى ما تملكه من تاريخ وحضارة سياسية تفوق ما بدول الخليج بكثير. وكان هذا هو ما يحرك في داخلها القدرة على اتخاذ قرارات بشكل منفرد أو رفض القرارات الجامعة التي تكون فيها دلالة الرضوخ للهيمنة السعودية أو غيرها واضحة. من الأمثلة الجديرة بالذكر هو المشروع العماني لإنشاء منظومة عسكرية أمنية موحدة ورادعة بدلا من قوات درع الجزيرة الغير فاعلة، وسبب هذه المبادرة – أو سبب انقداحها بشكل أدق – هو أنه عندما دخلت قوات صدام حسين الكويت وهروب أمرائها منها، قامت عمان – التزاما بقرارات المجلس السابقة– بتحريك كتيبة كاملة في الرابع من أغسطس إلى حفر الباطن، ولكن الكتيبة وجدت نفسها وحيدة في تلك الصحراء، لأن دول الخليج الأخرى لم تحرك أيا من قواتها، بل لم تحرك جندي واحد من جنودها للدفاع عن أحد دوله المحتلة!
وفي قمة بغداد عام 1979 هددت العراق وتوعدت دول مجلس التعاون وألزمتها باتخاذ موقف العراق من مصر عشية توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ووقفت دول الخليج كلها مع العراق – القوية المسيطرة آنذاك – مع طرد مصر من منظومة جامعة الدول العربية، ماعدا عمان التي رفضت هذا القرار لاعتبارات سياسية لا علاقة لها بالاتفاقية المصرية الإسرائيلية. وفي المقابل فقد كان موقف عمان على النقيض من موقف دول الخليج فيما بعد حرب الخليج وخروج العراق خاسرا، فقد بقي السفير العراقي في عمان ممثلا عن العراق بينما طرد أقرانه من دول الخليج كافة، إذ لم ترى عمان أية إشكالية في إبقاء التواصل مستمرا مادام هذا التواصل قد يحقق مصلحة على المدى البعيد أكبر من مصلحة الإنتصار للذات الذي كانت تمارسه الكويت وتحاول فرضه على دول الخليج الأخرى.
النماذج على استقلالية عمان لم تقتصر على المواقف السياسية فحسب، ولكنها تجسدت أيضا في الجانب الإقتصادي كذلك، ذلك لأن أي انجرار في لقمة العيش قد يتبعه رضوخ وتنازل في المواقف السياسية. ولهذا رفضت عمان بشكل قاطع أي مساعدات من دول الخليج بعدما ضربت أمواج إعصار جونو جزءا كبيرا من بنيتها التحتية، وقامت بكل عزة وأنفة بإعادة بناء ما خلفه الإعصار بخطى بطيئة وواثقة. هذا ناهيك عن موقف عمان الواضح منذ البداية من العملة الخليجية الموحدة على الرغم من كل الضغوط التي مورست عليها وزاريا وإعلاميا.
ولكن ما الذي حصل مؤخرا ؟ هل فقدت عمان القدرة على الاستقلال ؟
لست من أولئك الذين يستعجلون الحكم على ظواهر الأمور، ولكن هذه الظواهر في بعض الأحيان تستدعي منا التوقف لوهلة، للنظر في دلالاتها ومعانيها وما قد تحمله لنا في المستبقل. أشير هنا إلى موقفين أثارا انتباهي، أولهما قبول عمان للمنحة المالية المقدمة من السعودية والإمارات (الأولى ذات الأطماع التاريخية والثانية ذات المواقف المريبة اتجاه استقرار عمان) لتحريك الإقتصاد وخلق فرص عمل للعمانيين خلال السنوات الخمس القادمة. أما الثاني فموقف عمان الصامت من الحراك السعودي الفج لضم المغرب والأردن لمنظومة دول مجلس التعاون على الرغم من أنف دول الخليج الخمسة الأخرى!
أما الأولى فخطورته أن يكون الرضوخ الخارجي أتى بسبب خلخلة في الداخل وعدم ثقة النظام في قدرته على ربط الأمور وإعادتها إلى نصابها بغير هذه الحزمة، ولذلك أبدى استعدادا لقبول أي شيء مقابل الاستقرار. وأما الثاني فخطورته أننا تعودنا أن يكون صوت عمان واضحا في المجلس، على الأقل في تحديد المواقف، وهذا الصمت على القرار السعودي إما أن يكون رضوخا للسعودية ونتيجة مباشرة لخلخلة الداخل أو أن يكون توافقا سلطانيا-ملكيا على أن التكتل هو أنسب الطرق لحماية آخر الملكيات العربية، وبالتالي هو إعتراف بضعف هذه الأنظمة داخليا خاصة بعد تغير الموقف الغربي اتجاهها ووقوفها بشكل قاطع مع الشعوب بدلا من الأنظمة.
إن كانت هذه مواقف استثنائية ومنفصلة لا علاقة لها بعدم القدرة على الاستقلال فلا بأس، ولا إشكالية في التذكير ببعض المواقف العمانية المشرفة والتي جاءت في سياق المقال. أما إن كانت إرهاصات خلخلة عمانية فأقول لكل من يحكم عمان: كانت عمان مستقلة في الأغلب الأعم من تاريخها، فلا تضيعوها الآن، فقوة عمان في حضارتها وتاريخها وشعبها، لا في الشخص أو القالب الذي يحكمها. فإن كانت هناك بوادر ضعف داخلي فالحل لا يكون باللجوء إلى الخارج – وقد سمعنا ما حل بعمان عندما أستعين بالخارج في الخمسينيات – بل الحل في الرجوع إلى الداخل والاستماع بكل صدق إلى المطالبات التي لا تتعدى في جوهرها مطالبات بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.