السبت، 20 سبتمبر 2008

عودة الحارة إلى مسار الأحداث


ها هو موقع الحارة العمانية يعود إلى مسار الأحداث مجدداً ليزرع نفسه على صفحات الشبكة العنكبوتية بعدما فشل مغول العصر الجديد في وأد حرية الكلمة، والنشر. كل الدلائل تشير إلى روما التي دخلت بلاد المشرق بغزوة غاصبة. لقد ترك المشارقة أدوات الطبع في أيدِ روما لكن ذلك لم يكفها كي تهجم على الصور الضوئية في الشبكة العنكبوتية.

لقد هُزم الجمعُ وولّى الدبر، وها هي الحارة العمانية تصبغها الأفراح مجدداً.


الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

هل ستموت الحارة والكنيسة؟


في هذا اليوم اطلعتُ على خبرين اثنين مهمين لي على الأقل:


الأول يتعلق بالكنيسة الكاثوليكية التي قررت الاعتراف والقبول بنظرية تشارلز داورين حول النشوء والارتقاء بعدما رفضتها مطولاً.
كاردينالات الكنيسة يقولون لا تعارض هناك بين الكتاب المقدس وبين نظرية داروين.
أعتقد أنهم استغرقوا ما يقارب 120 عام كي يصلوا لهذه النتيجة، فمتى يصل علمائنا المسلمون لمثل هذه النتيجة؟
.

الثاني: موقع الحارة العمانية هاجمه المخترقون الذين أرسلتهم أمريكا بعدما قضّت مضاجعهم الحرية الناشئة في تلك البقعة التي قرروا أن يحولوها إلى "جمهورية موز" جديدة تقع في الشرق الأوسط.

للحارةِ اللهُ، ولأمريكا الخزيُ والعار. أذكرهم برسالة الحارة التي جاءَ فيها:

"هل ستموت الحارة؟
سؤال يبدو غريباً، لكن لامفر من الإجابة عليه! نطمئنكم أيها السائرون بأن الحارة مشروع مستمر ولم ينجز بعد، لذلك فهي لن تموت قريباً على أقل تقدير. ستظل الحارة تفعل ما يفعله العاطلون عن العمل، إنها تربي الأمل."


الأحد، 7 سبتمبر 2008

رؤيات للتفاعل الحضاري مع الآخر






عندما نضع بعضًا من الملح في قاروة ماء فإن تفاعلاً كيميائياً يحدث. التفاعل يحدث نتيجة لمواد تتفاعل لتنتج مادة جديدة ذات مواصفات تختلف عن المتفاعلات. بهذه المقدمة البسيطة نلج ببساطة ملف التفاعل الحضاري الذي بدوره يحتاج لِمتفاعليْنِ على الأقلِ. الأول سيكونُ نحنُ و الثاني سيكونُ الآخر.

قبل أن نتجه لتحديد طبيعة التفاعل و سيره لا بدَّ لنا أولاً من معرفةِ العناصرِ المتفاعلة. " نحن " هو مجموعة الشعوب التي تربط بينها وحدة قيمية ذات خصائص حضارية واضحة حالياً و ثابتة على المستوى المنظور. بهذا التعريف البسيط فإننا نستثني وحدة المكان من السمات المشخِّصة لهذه المجموعة التي رمزنا لها ب " نحن ". و يرمز الكاتب ب" نحن" أغلب ما يُسمى بالأمة الإسلامية كمجموعة حضارية واحدة. أمَّا الآخر بدوره فهو ما يُستثنى بموجب التعريف السابق. فهو ذو سمات قيمية تختلف عمَّا يميز الأمة الإسلامية.

التفاعل الحضاري قد يحدث بأشكال مختلفة و تحت ظروف مختلفة، و كل اختلاف في البيئة المحيطة بالتفاعل يقود إلى تمايز واضح في الناتج. على هذا الأساس تباينت الرؤيات في أمتنا تجاه هذه التفاعلات بين قبولٍ مطلقٍ به أو رفض مطلق له. و لعل من نافلة القول أيضًا الإقرار بوجود رؤىً أخرى تمازجُ بينَ هاتين الرؤيتين الراديكاليتينِ.

التيار الأول ينادي بإيقاف التفاعل الحضاري مع الآخر أيًّا كان و مهما كان. يؤمن هذا التيار أنَّ التفاعل الحضاري هو البوابة الكبيرة التي تقود إلى التفسخ القيمي و ذوبان الشخصية الحضارية المميزة لهذه الأمة. إضافة إلى ذلك يصف هذا التيار التفاعل الحضاري كمقدمة و استهلالاً للتبعية السياسية و الفكرية للأمم الأخرى. بناءً عليه، اتخذ هذا التيار وصفات دفاعية و هجومية في آنٍ واحد لإيقاف هذه المعضلة حسب تصوره. تناولت النقلة الدفاعية أبناء الأمة ليوجههم بالرفق و الشدَّة لمنهجه الذي عرض كثيراً من خطوطه. اسلوب الرفق تمثل في انتشار الكتاب و المحاضرات و مواقع الإنترنت التي تعنى بغرس أفكاره في المتلقين. أمَّا اسلوب الشدة فتمثل في استخدام سلاح الفتاوى التي تكفر أبناء الأمَّـة الذين تفاعلوا فكرياً مع الآخرِ. نتج عن هذا تكفيرُ الشرائح العلمانية و الليبرالية و الحقوقية المتفاعلة فكرياً مع الآخر. نرى بوضوحٍ هذا المنهج في تصريح أسامه بن لادن رئيس تنظيم القاعدة حين قال: " إنَّ العالم انقسم إلى فسطاطين: فسطاط الحق، و فسطاط الباطل" و بالطبع لكل فريق أهله و من يواليه. تأثراً بهذه النظرية سقط الكثير من المسلمين – أساساً- ضحايا بأيدٍ مسلمَــةٍ.

مما يُأخذ على هذا التيار نقطتان رئيسيتان. النقطة الأولى هو تمجيده للتفاعل الحضاري الإسلامي الذي قاد المسلمون نواصيه في حواضر العالم الإسلامي قبل 13 قرناً ، بينما يرفض بشدة مثل هذا التفاعل في هذا العصر. النقطة الأخرى التي التبستْ على هذا التيار هو تفريقه التام بين جانبيِّ الحضارة الأساسيين: الجانب الفكري، و الجانب المادي. هو يقبل شيئاً محدوداً من الجانب المادي و يرفض في الوقت نفسه الجانب الفكري كخيار واردٍ للتفاعل. هذا التفريق التام أهمل أن الشق المادي للحضارة هو ناتج لشق فكري. و أهمل أيضًا أن استخدام الجانب المادي الحضاري سيقودنا لا محالة لأجواء القيم الفكرية و الفلسفية التي أنتجها الآخر. فالعملية طردية من كلِّ الجهاتِ.

النظرة الأخرى التي توجد في مجتمعنا تؤمن أنَّ التفاعل الحضاري هو ضرورة في هذا الزمن. هذا التفاعل يتم في الأفكار و الأدوات و وسائل الإنتاج. و لأنَّ أمتنا توقفت تقريباً منذ قرونٍ عديدةٍ عن الإنتاج المادي و الفكري، فلا يرى هذا التيار بأساً في استيراد الأدوات المعرفية و المعرفة ، و استيراد المنتج و الأدوات الإنتاجية أيضًا. هذا الاستيراد ضرورة لإعطاء جرعة حضارية تقوم برفع مستوانا الحضاري الذي ليس في أحسن حالاته حالياً. يُستخدم هذا المستورد أيضًا لخلق صدمةٍ قويةٍ للتراثِ بغرض تحديثه و انعاشه و جعله واقعاً معاشاً أكثر منه تاريخاً مقروئاً. الذي يسند هذا التيار طبيعياً هو الاختفاء التدريجيُ للقيود المفروضة على انتقال القيم و الأفكار و العقائد و المنتجات تحت مسمى " العولمة ". هذا الوضع جعل التيار الحداثي يرى أن مبادئه تتحقق أرضياً في عمليةٍ تزداد تلقائية باختفاء الموانع و الحواجز.

باستساغة الأمة للجوانب المادية التي أتت إليها نتيجة للتفاعل الحضاري يقطع هذا التيار نصف مشواره في سبيل تحقيق رؤيته.ِرغم هذا ، يظل النصف الآخر من هذا المشوار الذي يتمثل في تواجد الجانب الفكري للآخر ضمن خيارات الأمة الفكرية يبدو ليس قريباً كقرب الجانب الآخر. يرجع السبب في هذا إلى أنَّ الإنسان لا يميل إلى التجديد في قناعاته الفكرية بل يميل إلى التقليد و الركود في أغلب الأحيان.

يُأخذ على هذا التيار محاولة استنساخه التجارب الحضارية الأخرى لتثبيتها على الأمة الإسلامية. و هذا بدورهِ لا يدعو إلى الإنتاج الفكري بل هو طريق مؤكد للجمود الفكري بعنوان و مفتاح آخر. و يدفع الحداثيون هذا عنهم باستدراكهم أن الروح الحضارية للأمة لا تغيب، و أمَّا الأشياء الأخرى فهي انعكاس للتطور الطبيعي في الفكر البشري.


برأيي المشكلة بين التيارين هي مشكلة ثقة و مصطلحات في المقام الأول. التيارُ التقليدي لا يرفضُ الآخرَ رفضًـا قاطعًـا بلْ يُنادي بانتقائيةِ التأثُـرِ ، و اختياريـةِ الخيارِ الثقافي. و هذا يدلنا على وجود نسبة معينة للاستيعاب من الآخر يستطيعُ التيارُ التقليدِي قبولها في أدبياته و عملياته. نعم ، هُنَـاكَ تيارٌ يُنادي بالتجديدِ أو بالتلاحُمِ معَ الأممِ الأخرى في الثقافةِ الإنسانيةِ و العمليةِ تأثيراً و تأثراً. هذا لا يُغيبُ الهويةَ الإسلامية لأنَّ الهويةَ الإسلامية أصـلاً بصورتهَـا النقيةِ لا وُجودَ لهَـا على أرضِ الواقعِ. هويتنـا الحاليةُ هي نتاجُ تلاحمٍ حضاريٍّ فيمَـا مضى ، تركَ أثراً فيمَـا بقى. بهذا نستطيعُ الآنَ القولَ بأنَّـهُ لا يوجدُ الطرفُ الرافضُ للآخرِ رفضًـا قاطعًـا في أمتنَـا. هناكَ اختلافٌ في حجمِ الجُرعَـةِ التِي يجبُ تلقيهَـا من الآخر.