الاثنين، 8 ديسمبر 2008

عيد سعيد

عيد سعيد

يرى البعض العيد مناسبة دينية، ويراها البعض مناسبة اجتماعية. ومهما يمثل العيد لكم، أرجو منكم أن تستمتعوا به جيداً، وبكل إثارة وتعب ممكن. يقولون إن فرحة العيد بتعبه. لقد جهزتُ الكاميرا لرصد اللحظات الفارقة غداً. سأصور صلاة العيد، وربما لحظات الذبح والدماء، أيضًا لن أنسى تصوير الشوارع الخالية، ورمي "المشوي" في حُفرة التنور. سأعمل على المتعة، وأرجو أن تستمتعوا حتى التعب.


بين الكلمات أتذكر أصحابي الذين يقضون أعيادهم في برزبن، أتمنى لهم أعياداً سعيدة تتغلب على ثورة المناخ هناك. هناك أصحاب في الوطن لا يجدون طعم العيد، وهناك أصحاب في المستشفيات لا يرون إلاّ الأغطية والأسقف البيضاء. أتمنى لكم لحظات سعيدة في هذه الحياة أيها الناس.

عيدكم سعيد..

الأحد، 2 نوفمبر 2008

حول العلم والدين

حول العلم والدين


مقال جميل كتبه المفكر خالص جلبي في "إيلاف" يقتنص لحظات انفلات العلم من كماشة الدين. هناك نافذة سابقة في هذه المدونة بعنوان "بين العلم والسياسة"، كانت قصيرة إلاّ أنها لمّحت إلى إشكالية العلم والسياسة في ثقافتنا العربية. هذا المقال للجلبي يغطي زاوية أخرى لمعيقات العلم في مجتمعاتنا وهي زاوية الدين. هناك كتب عربية تسلط الضوء على هذه الإشكالية منها كتاب عمر فروخ "عبقرية العرب في العلم والفلسفة".


المدفع يفتح ثغرة في قلعة أرسطو الفكرية


كان المدفع هو الذي فتح ثغرة في فكر أرسطو، ومع أن كل متأمل يرى سير القذيفة على نحو منحن، ولكن أرسطو الدماغ الأكبر كان يرى أن سرعة الأجسام عند السقوط تتزايد لأنها تتحرك في (شوق) إلى موقعها الطبيعي المنخفض!! وأن الجسم يلتمس سعادته (كذا) بالسقوط عموديا إلى الأرض؛ حنى جاء (نيكولو تارتاجينا) وهو اسم مستعار ومعناه (المتلعثم)؛ فأصدر كتابه المترجم (عام 1543م) عن أرخميدس، وأن مسار الأجسام في الأوساط يعتمد قوانين نوعية، وهي التي دفعت أرخميدس يومها أن يقفز عاريا، بعد أن تعرت له الحقيقة ويصيح أوريكا.. أوريكا أي وجدتها وجدتها.. حينما استوعب قانون طفو الأجسام في السوائل.
وفي هذا العام 1543م أصدر (كوبرنيكوس) كتابه عن دوران الأرض والشمس؛ فزلزلت الكنيسة وارتاعت، ويصف المؤرخ (ديورانت) هذا العام بأنه عام العجائب، لأنه تم خرق (التابو) في الفلك والجغرافيا والجسم الإنساني، ففي نفس هذه الفترة مسحت جغرافيا الأرض على نحو جديد، بعد إبحار ماجلان عام 1519 ودورانه حول الأرض.
وبعد (كوبرنيكوس) تحولت الأرض إلى ذرة تافهة في المحيط الكوني.
وقام (سرفتيوس) بخرق حرمة الجسم فبدأ في تشريحه، حتى طاردته الكنيسة، فهرب إلى أسبانيا، وهناك قام بضربته العبقرية في إنقاذ ولي العهد (كارلوس) من نزف في الدماغ، حين ثقب الجمجمة، فاتهمته الكنيسة من جديد، بأنه حليف للشيطان، فهرب مرة أخرى من أسبانيا.
والعبقريات لا تولد هكذا..
ولعل سرها كما رواه (جيمس بيرك) صاحب كتاب (عندما تغير العالم) أن نوياته الأولى كانت من نشاط علماء متبتلين، جازفوا بحياتهم ضد البابوية، ومحارق محاكم التفتيش، مثل و(مارين ميرسين) الذي قام بنشاط خطير عام 1630م، حين بدأ يعقد جلسات سرية مرتين أسبوعيا، لاستقطاب الأدمغة في أوربا، وفي مجلسه ذاك وصل (ديكارت) إلى منهجه في الهندسة التحليلية مع طنين ذبابة.
وكما يقول (مالك بن نبي) أن تفاحة نيوتن عند (جده) لم تزد عن قضمات من فاكهة ممتعة، كما كان يفعل الملك (هنري الثامن) وهو يقتل ستة من زوجاته بقطع الرأس بالساطور والبلطة؛ أما نيوتن فعاش في ظروف متخمرة، قدحها نشاط حميم في أوربا، وتيار متدفق من العبقريات، بدأت تأخذ التأثير العكسي المتبادل، وهكذا ولدت العبقريات، وعلى نحو متدفق متسلسل؛ ففي عام 1615 م يكتشف كبلر قانونه الثالث في الفلك، أن الكواكب تتهادى في الفلك الأعلى في مواقع تتراوح بين (مربع) السرعة، ومكعب بعدها، من تأمله كيف كان تجار الخمور يقيسون حجم البراميل بعصا مائلة.
وفي عام 1628م يكتشف (وليم هارفي) الدورة الدموية.
وفي عام 1632م يضع (جاليلو) كتابه المزلزل عن دوران الأرض والشمس، ومعها تسقط ورقة التوت عن عورة الكنيسة، بعد أن دخلت القرن السابع عشر بمشاعل مخيفة من محرقة (جيوردانو برونو)، الذي خالف الكنيسة بوجود عوالم لانهائية، فهي من آيات الله في السموات والأرض، وما بث فيهما من دابة، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير.
وفي عام 1637 م يضع (رينيه ديكارت) (المقال على المنهج)، وبهذا يعتبر من البناة النظريين للحضارة الحالية العقلانية.
وفي عام 1648م يقوم (توريشللي) بقياس الضغط الجوي.
وفي عام 1661م يشق (بويل) طريقه إلى الكيمياء الحديثة، وبذلك ينتهي العصر اليوناني ونظرية القرون الوسطى، في فهم الكون على أساس من العناصر الأربعة: (التراب والماء والهواء والنار)؛ لينتهي الموضوع مع (ديمتري مندلييف) الروسي في وضع تصنيفه (الدوري) الرائع عن العناصر المعدنية.
أما (أوجست كيكول) فقد جاءته تلك اللحظة من وميض العبقرية في فهم الكيمياء العضوية وترابط ذرات الفحم على شكل أفعى تلتقم ذيلها، وكان مناما صادقا فتح الطريق لتأسيس علم جديد.
ويقول الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في كتابه (النظرة العلمية) أن خلاصة النهضة الأوربية وعصر النهضة يدين لمائة دماغ لا يزيد، ولو تم اغتيالهم واصطيادهم على أيد مخابرات الكنيسة، لما كان هناك نهضة، ونحن في العالم العربي اليوم نعيش هذا العصر من ظلمات ومخابرات العصور الوسطى، بما تحمل من تعصب واضطهاد وتثبيط لكل نشاط عقلي إبداعي..
وهذا يذكر بكتاب الاعترافات الخطير الذي وضعه الكاهن (جان مسلييه) الذي يستحق مقالة خاصة به، وحين قرأ أهالي الأبرشية وصيته؛ نبشوا قبره، ولعنوه، ونشروا عظامه، وتبرئوا منه، بعد أن خدم الكنيسة ثلاثين عاماً، بكل صدق وإخلاص، كما ذكر في وصيته، معترفا بأنه كفر بالبابا والكنيسة، ولم يتجرأ حتى (فولتير) المعروف بسلاطة لسانه، وسخريته من رجال الكنيسة ودينها، على نشر كامل الوصية، بل اقتطف مقاطع من وصيته، فيها من الوهج والطاقة ما تتحمله عقول القراء دون أن تحترق...
وهكذا فأوربا الحالية لم تولد هكذا ولم تتخلص من قبضة مارد الفاتيكان بسهولة..
وقام (دين كيث سايمنتن) في كتابه (العبقرية والإبداع والقيادة) بدراسة جدية معمقة لكل العناصر المتعلقة بظروف ولادة العبقريات، وهو يذكر بكتاب (المسائل) للكاهن الفرنسي (مارين ميرسين) الذي وضعه حول البحث العلمي وانه يقوم على ثلاث قواعد: رفض كل ما يتعلق بسلطة سابقة. اعتماد الملاحظة المباشرة والتجربة. وصياغة النتائج على شكل رياضي.
قام سايمنتن بدراسته على نمط منفرد مثل: الدراسة العلمية لعباقرة التاريخ عموما، والأسلاف والمورثات والأجيال، والشخصية والطابع، والتعليم، والإنتاجية والنفوذ، والعمر والإنجاز،والجماليات والكاريزما، وروح العصر، والعنف السياسي وتثبيط البحث العلمي، وقوانين القياس التاريخية.
والرجل وصل إلى نتائج مثيرة حقا وينصح بالإطلاع عليه، وأنا قرأته أكثر من مرة، على قاعدة قراءة الكتاب الجيد أكثر من مرة، على قراءة أبحاث تافهة، تأتي مع بحر الانترنت في زبد يضر بالعقل, أو محطات فضائية تعتمد التهويش والمراء في النقاش، وقد نهينا عنه.


المصدر

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

حول العلم والسياسة

حول العلم والسياسة


على أحد الممرات في جامعة كوينزلاند عُلّق ملصق للبروفيسور أيان فريزر معلن به عن حديث عام للبرفيسور موجه للطلبة الدارسين في الجامعة. لم أشأ أن أضيّع فرصة حضور هذا الحديث خصوصاً وأن البرفيسور فريزر أصبح وجهاً عالمياً في البحث العلمي بعدما اكتشف أول مصل لسرطان عنق الرحم.

بدأ البروفيسور حديثه، ولفت نظري أنه كان يلبس قميصاً عادياً وسروالاً قصيراً يمكنه من المشي بأريحية وقيادة دراجته الهوائية. بدأ الرجل بجملة شدت انتباهي وهي: "العلم والسياسة يغيران العالم ويحلان المشاكل"، لكنه أردف أن السياسة تخلق المشاكل أكثر من حلّها!

البحث العلمي هو البحث عن حلول أو معرفة أكبر بالأمراض والمشاكل الموجودة على الأرض. هو مسيرة متطورة وليست مستقرة، تؤمن بالتغيير المستمر في المعلومة والأدوات والتقنيات البحثية كي تولد نتائج جديدة ومعاصر. ربما تظهر لنا بالجملة السابقة إشكالية الحداثة والعلم والسياسة. العلم والسياسة في محيطنا العربي لم يتطورا، فتمّ استيراد العلم واستمدت طرق ممارسة السياسة من تاريخ هذه المنطقة الغني.

بين العلم والسياسة تضيع بعض المفاهيم، فكيف يؤمن السياسيون ذوي العقلية التاريخية بقدرة العلم ذي الهوية الحداثية على حل مشاكل الوطن أكثر من بنادق العسكر وأنوف المخبرين؟!


مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير
أناشدك الله يا أبي:
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكنّاسون
هذا القلم سيقودني إلى حتفي
لم يترك سجناً إلا وقادني إليه
ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه

محمد الماغوط

الخميس، 2 أكتوبر 2008

ذكريات


ذكريات





يبرز الشوق فجأة،
يهجم على الذكريات كي ينكشها ويبرزها في الأذهان ماثلة أمام الحاضر الحزين.

تأتي الأعياد وتمضي دون أن نحسب الكلفة الدقيقة لمجيئها وذهابها لأننا لا نبرح المكان. أما إن كنت في المكان البعيد والزمان الغريب فستحسب الكلفة ويبرز الشوق والحنين إلى الوطن، إلى الأصل، إلى الأهل والناس.

القرية التي خرجنا منها، لم تخرج منا. إنها تسكننا حتى الأعماق السحيقة متربعة في ذاكرة الإنسان ومختزلة صورة الوطن الجميل البعيد النافر. إنها "الند" التي أعادت الذكريات الجميلة. قرية خلقها الله بيده، وأنبت فيها الزرع والضرع والإنسان. ليست ككل القرى.

ما الذي يملأ ذاكرة الغريب إن فاجئه الشوق كل حينٍ وحاضره لا يملك قرية لطيفة، ولا عادات جميلة.. لا يملأ الذاكرة إلا ّ الحنين..

سنعود ٌ يوماً إليها ..
هكذا أخبرني العندليب.
عيدكم مبارك

* الصورة لقرية الند بمنطقة الوقيبة في ولاية صحار العمانية. أخذت الصورة أثناء رمي اللحم في حفرة التنور.

السبت، 20 سبتمبر 2008

عودة الحارة إلى مسار الأحداث


ها هو موقع الحارة العمانية يعود إلى مسار الأحداث مجدداً ليزرع نفسه على صفحات الشبكة العنكبوتية بعدما فشل مغول العصر الجديد في وأد حرية الكلمة، والنشر. كل الدلائل تشير إلى روما التي دخلت بلاد المشرق بغزوة غاصبة. لقد ترك المشارقة أدوات الطبع في أيدِ روما لكن ذلك لم يكفها كي تهجم على الصور الضوئية في الشبكة العنكبوتية.

لقد هُزم الجمعُ وولّى الدبر، وها هي الحارة العمانية تصبغها الأفراح مجدداً.


الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

هل ستموت الحارة والكنيسة؟


في هذا اليوم اطلعتُ على خبرين اثنين مهمين لي على الأقل:


الأول يتعلق بالكنيسة الكاثوليكية التي قررت الاعتراف والقبول بنظرية تشارلز داورين حول النشوء والارتقاء بعدما رفضتها مطولاً.
كاردينالات الكنيسة يقولون لا تعارض هناك بين الكتاب المقدس وبين نظرية داروين.
أعتقد أنهم استغرقوا ما يقارب 120 عام كي يصلوا لهذه النتيجة، فمتى يصل علمائنا المسلمون لمثل هذه النتيجة؟
.

الثاني: موقع الحارة العمانية هاجمه المخترقون الذين أرسلتهم أمريكا بعدما قضّت مضاجعهم الحرية الناشئة في تلك البقعة التي قرروا أن يحولوها إلى "جمهورية موز" جديدة تقع في الشرق الأوسط.

للحارةِ اللهُ، ولأمريكا الخزيُ والعار. أذكرهم برسالة الحارة التي جاءَ فيها:

"هل ستموت الحارة؟
سؤال يبدو غريباً، لكن لامفر من الإجابة عليه! نطمئنكم أيها السائرون بأن الحارة مشروع مستمر ولم ينجز بعد، لذلك فهي لن تموت قريباً على أقل تقدير. ستظل الحارة تفعل ما يفعله العاطلون عن العمل، إنها تربي الأمل."


الأحد، 7 سبتمبر 2008

رؤيات للتفاعل الحضاري مع الآخر






عندما نضع بعضًا من الملح في قاروة ماء فإن تفاعلاً كيميائياً يحدث. التفاعل يحدث نتيجة لمواد تتفاعل لتنتج مادة جديدة ذات مواصفات تختلف عن المتفاعلات. بهذه المقدمة البسيطة نلج ببساطة ملف التفاعل الحضاري الذي بدوره يحتاج لِمتفاعليْنِ على الأقلِ. الأول سيكونُ نحنُ و الثاني سيكونُ الآخر.

قبل أن نتجه لتحديد طبيعة التفاعل و سيره لا بدَّ لنا أولاً من معرفةِ العناصرِ المتفاعلة. " نحن " هو مجموعة الشعوب التي تربط بينها وحدة قيمية ذات خصائص حضارية واضحة حالياً و ثابتة على المستوى المنظور. بهذا التعريف البسيط فإننا نستثني وحدة المكان من السمات المشخِّصة لهذه المجموعة التي رمزنا لها ب " نحن ". و يرمز الكاتب ب" نحن" أغلب ما يُسمى بالأمة الإسلامية كمجموعة حضارية واحدة. أمَّا الآخر بدوره فهو ما يُستثنى بموجب التعريف السابق. فهو ذو سمات قيمية تختلف عمَّا يميز الأمة الإسلامية.

التفاعل الحضاري قد يحدث بأشكال مختلفة و تحت ظروف مختلفة، و كل اختلاف في البيئة المحيطة بالتفاعل يقود إلى تمايز واضح في الناتج. على هذا الأساس تباينت الرؤيات في أمتنا تجاه هذه التفاعلات بين قبولٍ مطلقٍ به أو رفض مطلق له. و لعل من نافلة القول أيضًا الإقرار بوجود رؤىً أخرى تمازجُ بينَ هاتين الرؤيتين الراديكاليتينِ.

التيار الأول ينادي بإيقاف التفاعل الحضاري مع الآخر أيًّا كان و مهما كان. يؤمن هذا التيار أنَّ التفاعل الحضاري هو البوابة الكبيرة التي تقود إلى التفسخ القيمي و ذوبان الشخصية الحضارية المميزة لهذه الأمة. إضافة إلى ذلك يصف هذا التيار التفاعل الحضاري كمقدمة و استهلالاً للتبعية السياسية و الفكرية للأمم الأخرى. بناءً عليه، اتخذ هذا التيار وصفات دفاعية و هجومية في آنٍ واحد لإيقاف هذه المعضلة حسب تصوره. تناولت النقلة الدفاعية أبناء الأمة ليوجههم بالرفق و الشدَّة لمنهجه الذي عرض كثيراً من خطوطه. اسلوب الرفق تمثل في انتشار الكتاب و المحاضرات و مواقع الإنترنت التي تعنى بغرس أفكاره في المتلقين. أمَّا اسلوب الشدة فتمثل في استخدام سلاح الفتاوى التي تكفر أبناء الأمَّـة الذين تفاعلوا فكرياً مع الآخرِ. نتج عن هذا تكفيرُ الشرائح العلمانية و الليبرالية و الحقوقية المتفاعلة فكرياً مع الآخر. نرى بوضوحٍ هذا المنهج في تصريح أسامه بن لادن رئيس تنظيم القاعدة حين قال: " إنَّ العالم انقسم إلى فسطاطين: فسطاط الحق، و فسطاط الباطل" و بالطبع لكل فريق أهله و من يواليه. تأثراً بهذه النظرية سقط الكثير من المسلمين – أساساً- ضحايا بأيدٍ مسلمَــةٍ.

مما يُأخذ على هذا التيار نقطتان رئيسيتان. النقطة الأولى هو تمجيده للتفاعل الحضاري الإسلامي الذي قاد المسلمون نواصيه في حواضر العالم الإسلامي قبل 13 قرناً ، بينما يرفض بشدة مثل هذا التفاعل في هذا العصر. النقطة الأخرى التي التبستْ على هذا التيار هو تفريقه التام بين جانبيِّ الحضارة الأساسيين: الجانب الفكري، و الجانب المادي. هو يقبل شيئاً محدوداً من الجانب المادي و يرفض في الوقت نفسه الجانب الفكري كخيار واردٍ للتفاعل. هذا التفريق التام أهمل أن الشق المادي للحضارة هو ناتج لشق فكري. و أهمل أيضًا أن استخدام الجانب المادي الحضاري سيقودنا لا محالة لأجواء القيم الفكرية و الفلسفية التي أنتجها الآخر. فالعملية طردية من كلِّ الجهاتِ.

النظرة الأخرى التي توجد في مجتمعنا تؤمن أنَّ التفاعل الحضاري هو ضرورة في هذا الزمن. هذا التفاعل يتم في الأفكار و الأدوات و وسائل الإنتاج. و لأنَّ أمتنا توقفت تقريباً منذ قرونٍ عديدةٍ عن الإنتاج المادي و الفكري، فلا يرى هذا التيار بأساً في استيراد الأدوات المعرفية و المعرفة ، و استيراد المنتج و الأدوات الإنتاجية أيضًا. هذا الاستيراد ضرورة لإعطاء جرعة حضارية تقوم برفع مستوانا الحضاري الذي ليس في أحسن حالاته حالياً. يُستخدم هذا المستورد أيضًا لخلق صدمةٍ قويةٍ للتراثِ بغرض تحديثه و انعاشه و جعله واقعاً معاشاً أكثر منه تاريخاً مقروئاً. الذي يسند هذا التيار طبيعياً هو الاختفاء التدريجيُ للقيود المفروضة على انتقال القيم و الأفكار و العقائد و المنتجات تحت مسمى " العولمة ". هذا الوضع جعل التيار الحداثي يرى أن مبادئه تتحقق أرضياً في عمليةٍ تزداد تلقائية باختفاء الموانع و الحواجز.

باستساغة الأمة للجوانب المادية التي أتت إليها نتيجة للتفاعل الحضاري يقطع هذا التيار نصف مشواره في سبيل تحقيق رؤيته.ِرغم هذا ، يظل النصف الآخر من هذا المشوار الذي يتمثل في تواجد الجانب الفكري للآخر ضمن خيارات الأمة الفكرية يبدو ليس قريباً كقرب الجانب الآخر. يرجع السبب في هذا إلى أنَّ الإنسان لا يميل إلى التجديد في قناعاته الفكرية بل يميل إلى التقليد و الركود في أغلب الأحيان.

يُأخذ على هذا التيار محاولة استنساخه التجارب الحضارية الأخرى لتثبيتها على الأمة الإسلامية. و هذا بدورهِ لا يدعو إلى الإنتاج الفكري بل هو طريق مؤكد للجمود الفكري بعنوان و مفتاح آخر. و يدفع الحداثيون هذا عنهم باستدراكهم أن الروح الحضارية للأمة لا تغيب، و أمَّا الأشياء الأخرى فهي انعكاس للتطور الطبيعي في الفكر البشري.


برأيي المشكلة بين التيارين هي مشكلة ثقة و مصطلحات في المقام الأول. التيارُ التقليدي لا يرفضُ الآخرَ رفضًـا قاطعًـا بلْ يُنادي بانتقائيةِ التأثُـرِ ، و اختياريـةِ الخيارِ الثقافي. و هذا يدلنا على وجود نسبة معينة للاستيعاب من الآخر يستطيعُ التيارُ التقليدِي قبولها في أدبياته و عملياته. نعم ، هُنَـاكَ تيارٌ يُنادي بالتجديدِ أو بالتلاحُمِ معَ الأممِ الأخرى في الثقافةِ الإنسانيةِ و العمليةِ تأثيراً و تأثراً. هذا لا يُغيبُ الهويةَ الإسلامية لأنَّ الهويةَ الإسلامية أصـلاً بصورتهَـا النقيةِ لا وُجودَ لهَـا على أرضِ الواقعِ. هويتنـا الحاليةُ هي نتاجُ تلاحمٍ حضاريٍّ فيمَـا مضى ، تركَ أثراً فيمَـا بقى. بهذا نستطيعُ الآنَ القولَ بأنَّـهُ لا يوجدُ الطرفُ الرافضُ للآخرِ رفضًـا قاطعًـا في أمتنَـا. هناكَ اختلافٌ في حجمِ الجُرعَـةِ التِي يجبُ تلقيهَـا من الآخر.

الأربعاء، 27 أغسطس 2008

رد على "ثقافة عنترة"



أرسلتُ مقالي الآنف "عنترة: بين الإشراك والتوحيد" إلى أحد الأصدقاء، ورد عليّ بهذه المقالة والتي عنونها ب"قربٌ منفوخة".

قُربٌ منفوخة
تحية طيبة،،

بدايةً شكرا لتواصلك الأدبي أخي العزيز حمد، وفي بداية مشوار التعليق على ما كتبت أود أن أوضح أنني لا أعارض شيء مما ذكرته في مقالك الذي عنونته بعنترة كفاتحة قصف للقُربِ المنفوخة التي نعايشها في واقعنا العربي الماضي والمعاصر ؛ وأعتقد جازماً أن القائمين على مُلحق شُرفات قد يتحفظون على نشر بعض ما كتبته كونه يعد تحريضاً على الرمز العُماني الذي يكاد يكون الأوحد في عقل المواطن الظاهر والباطن!وهنا لابد أن أعرج على شخصية عنترة بن شداد العبسي ، فهو كما ذكرت كان رمزاً للعاشق الفارس صاحب النخوةِ والشجاعة ، وحقيقةُ الأمر أني أستغرب كيف تمكن عنترة من بلوغ هذا المقام الرفيع مستنداً في استغرابي إلى العنصرية الشديدة التي كانت وما زالت إلى يومنا هذا تمارس ضد أصحاب البشرةِ السوداء ، فهم العبيد والموالي والبيسر وغير ذلك من الألقاب ، هناك من يقول ومنهم طه حسين أن عنترة كان شاعراً فقط ولم يكن فارساً كما تروج له الأدبيات والقصص الشعبية العربية ، ولفصاحة شعره وذوده به عن قبيلته " عبس " استطاع أن يرتقي في السلم الاجتماعي الطبقي في ذلك الوقت ، فليس لدى العرب في ذلك الزمان أحب من الشعر والشعراء ، كما أن سيرة هذا الرجل غير متفقٍ عليها فهي في الحجاز تختلف عن الشام والعراق ، والظاهر أن قصة هذا الرجل قد بنيت في عصور مختلفة وجرى الإضافةُ عليها مراتٍ كثيرة حتى وصل إلى هذه الدرجة الخرافية من المناقب والأوصاف ، فمما يروى أنه كان يقطع 50 رقبة بضربة واحدة ، ولعمري أن هذا هو الفُحش والعري الأدبي بعينه!إن العرب بشكلٍ عام دائماً ما يبحثون عن ( الرمز ) وفي هذا الرمز يختصرون كل أفكارهم الطوباوية عن الإنسان المثالي ، فنجدُ الرمز شاعراً وشجاعاً وشهماً وكريماً ومقداماً ، وهنا لابد أن أوضح أن المشكلة لا تكمن في الرموز فقط من خلال ما يحاولون بثه وترويجه عن أنفسهم بوسائل مختلفة أهمها في العصر الحالي الإعلام ، بل المشكلة مقرونة بالوعي الجمعي للعقلية العربية ، فدائما ما يبحثُ العربي عن رمزٍ يهتدي به وهو يعتقدُ جازماً ( نتيجة تراكمات مجتمعية ) أنه بدون هذا الرمز ليس قادراً على فعل شيء ..إن إشكالية الإنسان الرمز في المجتمع العربي بشكل عام تعود إلى طريقة التربية العربية منذ الصغر ، ففي البيت مثلاً وهو أصغر مؤسسة سلطوية في المجتمع العربي ، نجد طريقة إدارة كثير من الآباء لأسرهم لا تختلف عن طريقة إدارة الحُكام العرب لشعوبهم ، حيث أن الأب هو رمز الأسرة ومهما اتخذ من قرارات فهو مصيب ، كما أنه أقوى رجلٍ في الأسرة ، والأشجع فيها ، وقس على ذلك من الصفات ! يكبر الإنسان العربي وقد تشرب قيم السلطة الأبوية، ليرنو بنظره إلى رمزٍ أعم وهو قد يكون خارج المحيط الأسري رجل الدين أو الحاكم أو لاعب كرة القدم الشهير أو غير ذلك، وأعتقد أن هذا هو المنطلق الأساس لبداية النفخ في القرب! حيث تتضافر العقلية العربية للمواطن البسيط مع جهود التلميع التي يقوم بها الحاكم العربي لينتج عنها في المحصلة الرمز المسخ المثالي الخُرافي العربي !لابد أن أخص بالإشارة هنا شخصية " صدام حسين " فهذا الرجل الذي شغل العالم ما يقارب الثلاثة عقود ، وأصبح أسطورة عربية بامتياز ولك وحدك أن تتساءل ماذا يمثل هذا الرجل لدى كثيرٍ من مواطني الدول العربية مع أنه لم يحكم أيا من هؤلاء المواطنين ، فرغم الحقائق الدامغة على كونه رجل استبداد من الطراز الأول ، وأنه ارتكب مجازر بشعة في حق شعبه وشعوب مجاورة ، ولم يؤمن يوماً بأي قيمة من قيم الديمقراطية والحرية ، إلا أنه أستطاع أن يصل إلى مصاف الأنباء والرسل والشهداء! فهناك من مواطني العرب من شاهد صورة صدام مرتسمة على سطح القمر، ومنهم من بشره بالجنة، باختصار أصبح رمزاً قومياً لدى كثير من بني جلدتنا ، تحاك حوله الكثير من الغرائب والعجائب !إنها القمع مؤسسة عربية تتسع للجميع ويمارسها الجميع ، الأخ الأكبر على أخوانه الأصغر سنا ، والأب على أسرته ، ورجل الدين على أتباعه بطرق ملتوية ، والمدير على موظفيه ، والحاكم على رعيته بطرق وأساليب لينة حيناً وقاسية أخرى..وفي النهاية هذه القرب المنفوخة التي نعظمها هي من صنع أيدينا ، بئساً لنا ولهم!!



الاثنين، 25 أغسطس 2008

عنترة بن شداد بين التوحيد والإشراك 3-3



3. السيف والقلم:

السيف: برع الأمراء والخلفاء المسلمون في السيطرة على أقاليم الدولة من خلال المبدأ التالي "من أشار برأسه هكذا، ضربناه بالسيف هكذا وهكذا" ولهذا كان للأمير قديماً سيافه وصاحب النطع الذي لايتوانى عن قطع أي عنق إرضاءً لسيده. وللأسف ورثت الدول الحديثة سيف عنترة البتار الذي حصد الرؤوس التي أعلنت عن نفسها لتخمد الرؤوس التي تراودها الظنون بعدم وحدانية عنترة. لكن الدولة لم تعد تستخدم السيوف القديمة، بل تعدت ذلك إلى أجهزة الأمن والمعتقلات والتعذيب والاغتيالات وغيرها من الأساليب المستبدة التي زخر بها تاريخ منطقتنا العربية. كانت النتيجة أن هذه الأوطان لم تعد تحوي إلاّ المستكينين لعقيدة عنترة.

القلم: لعب القلم دوراً مهماً للغاية في تدعيم السلطة من خلال انخراط أرباب القلم والفكر في الدولة منافحين عن المُستبد لتسويقه كمُستبدٍ مُستنير أو رسمه كمُنقذ ضروري للمرحلة. ويؤدي أرباب القلم دورهمُ إمّا بإيمان أو بمنفعة ماديةٍ (وهو الغالبُ). وقد نجح هولاء في تصوير المستبد بأنه يشغل ويحتكر كلُ الأمور الضرورية (وأحياناً غير الضرورية) في النظام والمجتمع. فالمستبد يتحول تدريجياً -كما يُسوق- من قائد مُلهِِِم إلى قائدٍ مُلهَم وبهذا يركز رويداً رويداً بعض الخصائص الإلهية حول شخصه. وقال الشاعر حديثا:
من المرمر صاغوا مثاله.... .... وطافوا به كل ناحية زمرُ

لهذا مازالت الدول الحديثة تهتم برعاية المثقفين المسوقين للنظام السائد، مبيينين فضائله ومحاسنه. أيضًا فرضت هذه الأنظمة سلطتها القصوى وقيودها الصارمة على وسائل الإعلام. ويظهر لنا أن القلم كان معنياً برسم الصورة النمطية لعنترة، والسيف مسؤول عن حصاد الرؤوس التي ترفض هذه القيم الأسطورية.

ومن هنا رأينا أن الإعلام الرسمي في عالمنا العربي بدأ في تسويق فكرة عدم ملائمة النموذج الغربي للديموقراطية لأمتنا ذات الخصوصية الحضارية والثقافية. وللأسف تجد هذه الفكرة الرواج المريب لدى البعض منا.

4. المال وطبيعة القطاع العام:

يقول المثل العربي "قطع الأعناق ولاقطع الأرزاق"، وفي حقيقة الأمر يصح ترتيب هذا المثل "لالقطع الأرزاق وبالتالي لالقطع الأعناق". منذ أن تحول المجتمع بسرعة كبيرة من الطبيعة الرعوية والبدوية إلى الطبيعة الحضرية، انتقلت شرائح مهمة في المجتمع من طور الاستقلالية المعيشية إلى طور التبعية الاقتصادية للدولة. ففي باديء الأمر، استوعبتْ الدولة شيوخ القبائل المهمين بالمال السياسي لكسب ودّهم وكفّ شرهم، وفي مرحلة لاحقة استدعى تغيّر بنية المجتمع اتساع الجهاز الحكومي فأدّى ذلك إلى امتصاصه أعداداً كبيرة جداً من أفراد القبائل الرعوية والريفية ضمن تلك الأجهزة. فنشأت البيروقراطية الحكومية في المجتمع، وصارت الدولة بأجهزتها الوعاء الشامل والجامع لأغلب القبائل ورجالاتها. في مرحلة لاحقة بدأ المجتمع باستقبال أعداداً متزايدة من خريجي الجامعات نتيجة لتطوّر النظام التعليمي في الدول، فازداد استيعاب الدولة لتلك المخرجات لتضمن لهم مقاعداً مهمةً في بنية الدولة، وليتحول الفرد ذو التعليم العالي إلى أداة بيروقراطية في يدِ الدولةِ. والمتفحّص لهذا النسق الاجتماعي يلاحظ أن الإنسان بصفةٍ عامةٍ يحرص بشدةٍ على تأكيد مصدر رزقه، وحمايته دون المخاطر، حتى وإن اقتضى ذلك التنازل عن استقلالية الفكر داخل الإطار العام للنظام الحكومي، والإيمان بأساطير وعقائد عنترة في ظل غياب المؤسسات النقابية الفاعلة التي تحمي الموظف.

استدراكات:

تبدو الصورة المرسومة سوداء ، لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك. مع نهاية عقد التسعينات دخلت الدول العربية منظومة اقتصاد السوق والعولمة التجارية لتبدأ عملية الخصخصة لمنشآتها الحيوية بعدما أممتها في وقت سابق من القرن الماضي. ومع استمرار عملية الخصخصة تغير رب العمل من الدولة المتفحصة لأفكار موظفيها إلى مستثمر يهم بالانتاجية ولاتعنيه آراء موظفيه في النظام الحاكم. هذا التحول الذي طرأ على المجتمعات العربية حالياً بكثرة التوظيف في القطاع الخاص كفيل باعتقادي بإيجاد تغير مهم في العقلية المجتمعية في المدى المنظور. بل إننا بدأنا نرى بعض المظاهر العمالية لرفض الاستبداد في عدد من الدول العربية التي ولجت عملية الخصخصة.

انتشار الوعي والثقافة الجديدة بسبب التعليم ووسائل الاتصال الحديثة مع الأمم الأخرى كفيلة بتغيير مواقف الشعوب تجاه طبقة رجال الدين الرسميين. إضفاء الشرعية على الوضع القائم، وتحريم الدعوة إلى التغيير قد تقفد هذه الطبقة الاحترام من قبل عامة الشعوب. بل والخوف أن يفقد الدين ذاته الاحترام بسبب هذه الطبقة المحتكرة لاسم الدين. آن الأوان لرجال الدين أن يدركوا أن الأمي البسيط الذي كان يرقص طرباً على وقع فتاويهم المخدرة في الأزمنة الغابرة قد حل محله إنسان متعلم ازداد وعيه ولايكفيه قرص إسبرين كي يلين ويستكين.

لماذا هذه المقالة؟

يلاحظ المرء الأحداث التي تمر أمامه لكنه قد لايعير انتباهً لامتداداتها وتشعباتها في المجتمع واستمرارية الأحداث ذاتها. لهذا فلا أقل من الإشارة إلى ظاهرة عنترة الطاغية على الواقع والماضي العربي. القيم العالمية المعاصرة لاتدين ولاتقر بوجود عنترة بل تظن أن الحاكم ما هو إلاّ عابر سريع لسدة الحكم ليتركها لمن يأتي بعده ضمن سياق ديموقراطي عادل. يتمنى الكثير منا أن يفهم المتنفذون هذه القيم التي سوف يعتنقها العرب عاجلاً أم آجلاً.

عنترة بن شداد بين التوحيد والإشراك 2-3



الأسباب:

إن نشوء ظاهرة عنترة لاتعزى فقط إلى عامل واحدٍ، بل يمكننا الرجوع بها إلى عدة عوامل تظافرت وتتابعت على مرّ العصور لتنتج لنا هذه الخاصية المجتمعية التي أحسب أننا بتنا نتفرد بها على مستوى العالم.

1. طبيعة المجتمع والقيم البدوية:

إن المراقب لتركيبة المجتمع يشاهد دون أيّ ريبة غلبة الطابع البدوي والريفي على المجتمع. فالمجتمع عندنا يحتوي الثنائية المتناقضة (بدو وحضر). البدو بقبائلهم ومناطقهم الشاسعة في جغرافية المجتمع، أمّا الحضر فلهم أيضًا تلك الميزة من توافر محيط معينٍ لهم. الناظر لتاريخنا القريب جداً يرصد غلبة الطابع البدوي (مساحةً وسكاناً وتأثيراً) على هذه المجتمعات. أما الحضر فهو بتقديري ينقسم إلى قسمين متباينين في ذات الوقت: قسم يعيش ويسكن المدينة، معتمداً في زرقه على الصناعة والتجارة مع الداخل والأمم الأخرى، وقسم آخر يعيش في الريف ممتهناً الزراعة. يشير ابن خلدون في مقدمته إلى أن القسم الأول من سكان المدن هو أكثر ميلاً للانفتاح على الآخر، وهو أيضًا يعيش في محيط تداعى فيه النظام القبلي تداعياً كبيراً، فالقبيلة تختفي في المدينة وتنتهي عصبيتها. أمّا أهل الريف المزارعون فهم أقرب إلى البدو في نظامهم القبلي. إن هذه الثنائية التي يتميز بها أهل الحضر أضعفت تأثيرهم في المجتمع وهمّشته، وعليه همّشت دورهم وتأثيرهم الثقافي.

مال البدو – في أيامنا- إلى الاستقرار الحضري، لكن القيم والعادات الثقافية البدوية مازالت ماثلة في سلوكهم وعقليتهم وتصرفاتهم رغم تحضرهم الظاهري. يقول سيجموند فرويد في كتابه موسى والتوحيد: "إن جميع الشعوب المتمدنة الكبيرة بلا استثناء تقريباً قد عظمت في الشعر والأسطورة من باكر الأزمان أبطالها:الملوك، والأمراء الأسطوريين، مؤسسي الديانات أو السلالات الملكية أو الحواضر، وباختصار أبطالها القوميين". هذا التعظيم والتقدير الشديد يطابق واقع البدو الثقافي الذي يميل إلى التشبث وتعظيم وتقدير شيخ القبيلة، باعتباره رمزاً أبوياً لقبيلته وحصناً منيعاً ضد الأعداء. لهذا، فعند استقرار البدو يظل هذا الشعور وهذه العقيدة ثابتة لديهم ومعرضة بشدة للإنتقال والتوريث للأجيال القادمة. وما يساهم في تعزيز هذا الشعور هو انضواء الشيوخ التقليدين للقبائل تحت عباءة الشيخ الجديد للمجتمع المعاصر.

المميز في هذه الثنائية أن الحضر المشتغلين بالتجارة والمهن اليدوية والمشمولين بذلك الاحتكاك الحضاري مع الشعوب الأخرى لايميلون إلى الإيمان بأساطير القبائل بسبب عدم تعرضهم لبيئة القبائل وتراثها الثقافي بشكل كبير. لهذا فسكان الحضر لايؤمنون بعنترة إيماناً مباشراً إلاّ إذا ارتبط ذلك بمنفعة مادية كعادة التجّار دائماً. أما أهل الوبر فيتشبثون بتلك القيم ويورثونها إلى أبنائهم، وهذا ما يفسر دعم الحكام والمتنفذين لشيوخ القبائل مادياً وتدعيم سلطتهم المعنوية في محيطهم القبلي.

2. الدين:

مما لاشكّ فيه أن للدين خصوصية كبيرة في الواقع والنفسية العربية. أيضًا يمكننا القول أن الترسبات الدينية تساهم في تحديد مسار الوعي والإدراك لدى الفرد. وفي هذا الإطار يشير حسن حنفي في كتاب حوار المشرق والمغرب إلى تأثير حديث الفرقة الناجية على المجتمعات العربية، فهذا الحديث أدّى إلى تكفير وتخوين الفرق المعارضة للدولة. ولهذا لايحتكر المعرفة الحقة والصائبة في مجتمعاتنا إلاّ الدولة، وكل من عاداها فهو في النار. ومن نتائج هذه الثقافة إلغاء الحوار وقيمه الفكرية وعليه أُلغيت التعددية، وأوجبت أحادية الآراء والفكر. فصرنا نحافظ على وجود عنترة واحد لايمكن تكراره أو مخالفته.

وبظني أن التزاوج المحرم بين الدولة والدين وقع في عهد معاوية حين رفع المصاحف ليحتكم إليها، ثم يتخذها مرجعاً ظاهرياً لحكمه الراشد. ومنذ تلك اللحظة كان لكل حاكم حاشية من رجال الدين يضفون الشرعية اللازمة عليه ويتهمون تلقائياً المارقين عليه بالردة. ونتاجاً لذلك فقد انتهى الاجتهاد السنيّ في العصور المتأخرة من القرون الوسطى إلى الإجماع على تحريم الثورة ضدّ السلطان ووجوب طاعة وليّ الأمر مهما كان ظالماً أو فاسقاً كما يشير د.علي الوردي. وفي هذا يقول أحد الفقهاء:

وطاعة من إليه الأمر فالزمِ ... ... وإن كانوا بغاةً فاجرينا

عنترة بن شداد بين التوحيد والإشراك 1-3




هذا المقال تمت كتابته على فترات متقطعة ومستمرة، وحالما أقنعني نص المقال أرسلته إلى ملحق شرفات الثقافي بجريدة عمان التي رفضت نشره بعد مداولات مطولة. قررتُ حينها أن أنشره في إحدى الجرائد الخليجية إلاّ أنني أجلتُ الموضوع مراراً. أنشره اليوم في هذه المدونة وهي بطبيعة الحال مفتوحة للزائرين.
عنترة بن شداد بين التوحيد والإشراك
الكاتب: حمد الغيثي
توطئة:
يُلاحظ بشدة أن دول إقليم الشرق الأوسط تحوي خاصية مشتركة تتمثل باهتمامها المبالغ فيه بقادتها. هذا الاهتمام يقود في بعض أوجهه إلى إضافة صفات عظيمة إلى الطبيعة الإنسانية لهولاء القادة. لذلك فقلما تجد قائداً أو أميراً إن لم يكن شاعراً كبيراً، أو حكيماً شُهد له برجاحة العقل، أو فارساً مغواراً، أو رباً رحيماً عادلاً في بلده. ومع هذه النعوت والأوصاف لايمكن للإنسان أن يفكر في منقصة أو علة تعتري هولاء القوم، فأفعل التفضيل ترتبط بصفاتهم البشرية لتحولهم إلى ظاهرة خوارق قلما يشهد الزمان مثلها. هذه الصفات الخارقة تذكر بشخصية عنترة بن شداد ذلك الفارس النحرير والشاعر الخرافي والعاشق الرومنسي الذي ذاع صيته في جزيرة العرب قُبيل الإسلام. عنترة بن شداد تحول من مُجرد عبد وضيع إلى فارس القبيلة الأوحد وشاعرها الأفصح الذي يذبُ عن الحمى وعن الشرف الشخصي والقبلي في ذلك الزمان. مع مرور الأيام ترسّخت صورة عنترة في الذهنية العربية ترسخاً كبيراً، فليس هُنالك أشجع من عنترة، وليس هُنالك أشعر من عنترة، وهو أيضًا ذلك العاشق المُلهِم الذي ذاب من فرط عشقه في عبلة. استغل رواة الأخبار قصة ومسيرة حياة عنترة بن شداد ليحولوها إلى أسطورة كبيرة في الذهنية العربية، وليضيفوا عليها الكثير من الخوارق في مجال القوة والفروسية والنخوة والشرف، لحمايته عن عرض القبيلة، وذوده عن حماها، وهكذا تم بناء تلك الصورة المثالية عن عنترة لأبناء القبائل العربية لتتحول الصورة إلى إيمان مطلق بهذه الشخصية في المجالات المذكورة سابقاً.
معاصرة:
أطل علينا بعض الشعراء العرب المعاصرين بإنتاجات أدبية تسلط الضوء على هذه الصورة النمطية لعنترة التي صارت رديفة للإنسان الفريد في عصره. ومما لاغبار عليه أن هولاء الأدباء يشيرون إلى ذلك التزواج القائم بين خصائص سيرة عنترة العبسي وبين المستبدين العرب، فهم يملكون ما ارتبط في الذهنية العربية لعنترة من بطش، وقوة لانظير لها في المجتمع، ومن كرامات، ومعجزاتٍ خارقة، مع إيمان العامة لهم بذلك!المتتبع لمسيرة الأمم التي ابتُلت بالمستبدين يلاحظ أن هذه الأمم لم تفقد الوعي تماماً لتستسلم لأساطير عنترة بل هي لاتزال تملك تلك الروح الحية التي ترفض الواقع في سبيل التغيير.

الخميس، 21 أغسطس 2008

التلوث الإنساني


صحيفة الزمن العمانية لعدد 21\08\2008 تقول إن "استخدام الفحم موضع خلاف في ألمانيا". أقول للزمن أن قرار الحكومة العمانية باستخدام الفحم لتشغيل محطات الطاقة "ليس موضع خلاف وطني". فالوطن هو الحكومة والحكومة هي المجتمع. وكما يقول عزيز نيسين "تعيش الحكومة"!

تعيش الحكومة


قصة قصيرة للمبدع التركي عزيز نيسين، وهي من أجمل ما قرأته له:


لقد اصطاد رجل سمكة.. فسارع بها الى زوجته طالباً منها أن تقليها..
لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت..
فقال الرجل لها: اشويها..
فاعتذرت الزوجة لعدم وجود ردة.. فطلب منها أن تسلقها..
فصرخت فيه الزوجة: لا نملك غازاً.. فحمل الرجل السمك وراح إلى البحر
وألقاها في الماء.. فهتفت السمكة:

(تعيش الحكومة).

الاثنين، 18 أغسطس 2008

ما هو الوطن؟


ما هو الوطن؟

يخطيء من يظن أن الإجابة سهلة وبسيطة. المتشردُ واللاجيء يسأل ما هو الوطن؟ والمسلوب الحرية في "وطنه" يسأل ما هو الوطن؟ وهل نصيبه من الوطن خفي حُنين؟

هل الوطن الأرضُ أم المباديء والقيم التي يؤمن بها الإنسان؟

إن كان الوطن أرضًا، فأيُ الأراضي هو، أرضُ المولد أم أرض المهجر أم أرض الممات؟

يسأل محمود درويش هذا السؤال الملح في "يوميات الحزن العادي" أثناء حصار بيروت في ثمانيات القرن الماضي. كان درويش فلسطينياً، لكنه طُرد من أرض المولد. اتخذ بيروت وطناً ليُطرد منها مجدداً مع عرفات وبقية الأصحاب. يقول درويش ما هو الوطن؟ ويجيبُ تلقائياً:

الخريطة ليست إجابة, وشهادة الميلاد صارت تختلف. لم يواجه أحد هذا السؤال كما تواجهه أنت منذ الآن والى أن تموت, أو تتوب أو تخون. قناعتك لا تكفي لأنها لا تغير ولا تفجر ولأن التيه كبير.. ليست الصحراء أكبر من الزنزانة دائماً، ومن أبسط الأمور أن تقول أيضاً: وطني حيث أموت..ولكنك قد تموت في أي مكان وقد تموت على حدود مكانين فماذا يعني ذلك؟وبعد قليل.. سيصبح السؤال أصعب.

**

أمل دنقل بدوره يحاول الإجابة على هذا التساؤل المحير. استحضر دنقل قصة ابن نوح عندما رفض الهروب إلى السفينة مفضلاً البقاء في الوطن. لا..لا..هذه الصورة ناقصة. أمل دنقل قصد نفسه في قصيدته، فجعل نفسه ابن نوح ذلك الأديب الصابر الذي لم يهرب من مصر عندما جاءها طوفان السادات كما فعل بقية الأدباء والمثقفين الذين هربوا إلى الدول الأخرى، عفواً إلى سفينة نوح. لقد ارتبط أمل دنقل بالأرض، حتى وإن هُدمت، وإن نهبت. كانت مصر وطنه، ومات على ذلك.

جاء طوفانُ نوحْ!

المدينةُ تغْرقُ شيئاً.. فشيئاً

تفرُّ العصافيرُ, والماءُ يعلو..

على دَرَجاتِ البيوتِ- الحوانيتِ - - مَبْنى البريدِ - - البنوكِ - - التماثيلِ (أجدادِنا الخالدين)-- المعابدِ - - أجْوِلةِ القَمْح - - مستشفياتِ الولادةِ - - بوابةِ السِّجنِ - - دارِ الولايةِ - أروقةِ الثّكناتِ الحَصينةْ.

العصافيرُ تجلو.. رويداً.. رويدا..

ويطفو الإوز على الماء, يطفو الأثاثُ.. ولُعبةُ طفل..

وشَهقةُ أمٍ حَزينة

الصَّبايا يُلوّحن فوقَ السُطوحْ!

جاءَ طوفانُ نوحْ.

هاهمُ "الحكماءُ" يفرّونَ نحوَ السَّفينةْ

المغنونَ- سائس خيل الأمير- المرابونَ- قاضى القضاةِ (.. ومملوكُهُ!) حاملُ السيفُ - راقصةُ المعبدِ(ابتهجَت عندما انتشلتْ شعرَها المُسْتعارْ)- جباةُ الضرائبِ - مستوردو شَحناتِ السّلاحِ - عشيقُ الأميرةِ في سمْتِه الأنثوي الصَّبوحْ!

جاءَ طوفان نوحْ.

ها همُ الجُبناءُ يفرّون نحو السَّفينةْ.

بينما كُنتُ..

كانَ شبابُ المدينةْ

يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ

ينقلونَ المِياهَ على الكَتفين.

ويستبقونَ الزمنْ

يبتنونَ سُدود الحجارةِ

عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضارة

علَّهم يُنقذونَ.. الوطنْ!

.. صاحَ بي سيدُ الفُلكِ - قبل حُلولِ

السَّكينة:

"انجِ من بلدٍ.. لمْ تعدْ فيهِ روحْ!

" قلتُ: طوبى لمن طعِموا خُبزه.. في الزمانِ الحسنْ

وأداروا له الظَّهرَ

يوم المِحَن!

ولنا المجدُ - نحنُ الذينَ وقَفْنا

(وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا!)

نتحدى الدَّمارَ..

ونأوي إلى جبلٍِ لا يموت

(يسمونَه الشَّعب!)

نأبى الفرارَ..

ونأبى النُزوحْ!

كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ

كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ

يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينة

وردةً من عَطنْ

هادئاً..

بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ

.. وأحب الوطن!

الخميس، 14 أغسطس 2008

وهم الحقيقة




قلتُ: يا صاحبي الصاحي إن المشكلة وصلت بعداً مثيراً للقلق!

قال: آه، حقاً.. هناك مشكلة ستطيح بك.

قلتُ : هي لن تطيح بي، لكنها ستجعل العُتمة واضحة جدًا!

قال: نصحتك سابقاً بأن تقرأ "قصة الإيمان" لنديم الجسر.

قلتُ: حتى قصة نديم الجسر لم يؤلفها هو، بل أُلقيتْ إليه من طرفٍ خفيٍّ كما قال الجسر.أنت تذكر أنّ صديقنا البائد ابن رشد ذكر أن الفلسفة هي خادمة العقيدة،وهي طريق الإيمان الآخر.

قال: نعم، قال ذلك ابن رشد باعتبارِ أنّ الفلسفة هي أم العلوم! لكن يا صديقي الأمور تغيرت كثيراً منذ ذلك اليوم. أليس كذلك؟

قلتُ: لهذا أنا مشوشٌ جداً، وأرى الضبابية في كل مكان. انظر الفلسفة كأنني لا أراها هي الفلسفة، والعلم كذلك. لقد بات العلم ينفصل عن الإيمان، ولقد صار قادراً على تقديم التفسير المُبرهن!
قال: المُشكلة الأخرى يا صاح.. أنّ الدين بدأ ينزلق نحو قضية خطيرةٍ جداً:
إنَّ الدين بدأ يعتمدُ على التفسيرات العلمية لإثبات كينونته وقُدسيته!

قلتُُ: وهُنا رمى الدين نفسه من اليقينيات إلى العقليات، بل كأنهُ نزعَ المُقدس إلى المُقاس والمنظور!
قال: وما موقفكَ أنت الآن؟!
قلتُ: كما أخبرتكَ سابقاً، مذبذب، بين وهم الحقيقة، وحقيقة الحقيقة! لقد اختلطت الدروب عليّ.

"كل صباح وأنت مبارك" نموذج للأدب الساخر




مقاطع من كتاب بلال فضل "قلمين"..



(1)
أتعجب كثيرا من الكتاب العرب الذين يسخرون من كون السفاح شارون يعيش بخصية واحدة بعد أن فقد الأخرى في إحدى حروب العرب مع إسرائيل. الأولى أن يشعر هؤلاء بالخجل لأن شارون يفعل كل هذا بنا.. بخصية واحدة!
(2)
دراسة مستقبلية إسرائيلية كشفت أن إسرائيل ستنهار من الداخل خلال 20 عاما. حلو قوي.. هنكون بقى لنا عشر سنين قد انهرنا.
(3)
مات جمال عبد الناصر وهو يدعو شعب مصر لأن يلبس مما يصنع، ويعيش حفيده جمال أشرف مروان من خير قناة ميلودي التي تدعو شعب مصر لأن يقلع ما يلبس! (ملاحظة: جمال أشرف مروان هو ابن الدكتورة منى جمال عبد الناصر، وصاحب قنوات ميلودي).
(4)
حتى منتصف الثمانينات كان المثقف المصري يحلم بتغيير العالم.. الآن يحلم المثقف المصري بتغيير عربيته!
(5)
رئيس تحرير صحيفة قومية كتب أن الرئيس بوش الأب بعد أن ترك الرئاسة قال إن صداقته بالرئيس مبارك هي الشيء الوحيد الذي سيأخذه معه إلى القبر. أنا شخصيا أصدق ما كتبه الكاتب إياه، وسر تصديقي يرجع إلى يقيني بأنه حتى في أمريكا هناك من يؤمن بعذاب القبر!
(6)
س: يحرص أي وزير داخلية عربي على شرب الشاي بعد كل وجبة.. ليه؟
ج: عشان.. بيحب «يحبس»!
(7)
في عهد شيخ الأزهر الدكتور العلامة محمد سيد طنطاوي أصبح «نفق» الأزهر أهم من الأزهر نفسه! (نفق الأزهر: معبر سيارات شهير تحت الأرض لتلافي الزحمة المرورية قرب الأزهر).
(8)
يحسب للرئيس مبارك أنه حكم مصر وهي تتحدث عن نفسها.. وبعد ربع قرن من الحكم جعلها تتحدث مع نفسها!
(9)
يقال أن جرادة شوهدت تضرب زميلتها بالشبشب، وعندما تدخل ولاد الجراد لفض الخناقة قالت لهم الجرادة الضاربة: «تصوروا الحشرة دي ما حرمتش، عايزانا نرجع مصر تاني»!
(10)
أصبح سيل الفتاوي الذي ينهال على برامج الفضائيات أمراً يدعو للسخرية المريرة. لا أستبعد أن نسمع قريبا أحداً يسأل: ما حكم الانفراد بحارس المرمى؟ وهل يعتبر خلوة شرعية؟ وما هو حكم حمل حامل الراية؟
(11)
كدت أنفجر من الضحك عندما قرأت أن محادثات الرئيس مبارك مع الرئيس الروسي بوتين شملت التعاون في مجال الفضاء. فكل علاقتنا بالفضاء إننا بلد دماغها فاضية!
(12)
سألني: إنت ليه مش فارق معاك تعيين نايب للريس؟ قلت له: عشان كفاية النايبة اللي إحنا فيها!
(13)
ليست المشكلة أبداً أن نطالب بالإفراج عن المعتقلين داخل السجون، المشكلة الحقيقية أننا لا نطالب بالإفراج عن المعتقلين خارج السجون!
(14)
أتعجب من بعض أصدقائي الذين يكتبون مطالبين بعض المسئولين بتقديم إقرارات ذمة مالية. واحد ما عندوش ذمة يقدم لها إقرار إزاي؟
(15)
في مصر جميع الحقوق محفوظة.. في ثلاجة القيادة السياسية!

بكائية ليلية



"البكائية" هي إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل التي أفلتت من زحف الزمن عليها لتبقى راسخة في الذاكرة الجمعية، حتى وإن بدا أن الغبار يتجمع فوقها. هل الرصاصة الأولى هناك أم هُنا؟ سؤال محير جداً في ظل تجاذب متعدد الأقطاب، هناك من تعنيه عزة الوطن، وهناك المعنيُ باستمرارية الوضع القائم مهما كان بسبب مصلحته الخاصة، وهناك أيضًا من رأى تكالب الأعداء حول هذا الوطن فأراد أن يدافع عنه ولو برصاصة يائسة أو كلمة عارية، لهذا "فالبكائية الليلية" لمازن جودت أبي غزالة الذي فضل الرحيل إلى صحراء النقب شهيداً، ليدافع عن وطنه الفسيح، عن مقدسه، وليدافع عن الحرية المسلوبة:

بكائية ليلية
للوهلة الأولى
قرأتُ في عينيه يومَه الذي يموتُ فيه.
رأيتُه في صحراء (النقب) مقتولاً...
منكفئاً.. يغرز فيها شفتيه
وهي لا تردُ قبلةً لفيه!
نتوه في القاهرة العجوز, ننسى الزمنا
نفلت من ضجيج سياراتها, وأغنيات المتسولين
تُظلُّنا محطةُ المترو مع المساء... متعبين.
وكان يبكي وطناً...
وكنت أبكي وطنا نبكي إلى أن تنضب الأشعار
نسألها: أين خطوط النار؟
وهل ترى الرصاصة الأولى هناك... أم هنا؟

كش شعر




هوية




هذه المدونة هي ليست الأولى التي تزورها، ولن تكون الأخيرة. ربما تجد المتعة هُنا، وربما لن تجدها. لكنك ستجدُ أشياء أخرى صالحة للقراءة. وأنا أعيد رسم هذه المدونة أظن أنها ستقول أشياء متنوعة، ستحاول أن تكون شفافة قدر الإمكان، لكن الأيام ليست كذلك دائماً. إن رأيت ما يعكر مزاجك هُنا فاستخدم "لسان العصر" الكيبورد، اكتب ما يخطر ببالك حول المدونة.