القانون والسُلطة لبدر البحري
وبهذه التعديلات تتحول سلطة احتجاز مأمور الضبط القضائي في جهات الأمن العام للمتهم (وهو ليس حبسا احتياطيا وإنما مجرد احتجاز) من ثمان وأربعين ساعة إلى خمسة عشر يوما ويجوز تجديدها لتصبح ثلاثين يوما. ليتحول الأمر من مجرد احتجاز إلى اعتقال، مما يشكل انتهاكا خطيرا لحريات الأفراد والمساس بسمعتهم وكرامتهم.
تعليق على التعديلات الصادرة بالمرسوم السلطاني رقم 59 لسنة 2011 بشأن تعديل بعض مواد قانون الإجراءات الجزائية .
طرأت تلك التعديلات على أربع مواد من قانون الإجراءات الجزائية . والهدف منها هو مواجهة أي مسيرات أو احتجاجات أو اعتصامات مثل التي شهدتها بعض ولايات السلطنة في الفترة السابقة. وتعد بمثابة إجراءات استثنائية خروجا على المألوف والأصول العامة المنصوص عليها بقانون الإجراءات الجزائية. وذلك على الترتيب التالي :
أولا : المادة 4 : أضاف المرسوم الفقرة الثالثة للمادة الرابعة والتي تنص على أنه " لجهات الأمن العام بالتنسيق مع الادعاء العام التحقيق في الجرائم الواقعة على أمن الدولة والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الارهاب " . وهذا التعديل سلب حق الادعاء العام وهو الجهة القضائية الوحيدة المنوط بها التحقيق في كافة الجرائم باعتباره هو صاحب الدعوى الجنائية والمختص بتحريكها ومباشرتها أمام القضاء. وبالمخالفة لحكم المادة الأولى من قانون الادعاء العام أعطى هذا التعديل لجهات الأمن العام التحقيق في تلك الجرائم على الرغم من أنها في الأصل جهات أمنية تختص بالعمل على منع وقوع الجريمة مسبقا أو تتبعها بعد وقوعها وملاحقة مرتكبيها وجمع أدلة الجريمة والتحفظ عليها وتحرير محضر جمع الاستدلالات وتقديمه للادعاء العام للتحقيق في تلك الجرائم . ومعلوم للكافة أن جهات الأمن العام تستخدم من الوسائل القسرية وممارسة الضغوط والإكراه سواء المادي أو المعنوي على المتهمين أثناء التحقيق معهم لإجبارهم على الاعتراف مما يشكل اعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية وبالمخالفة لحكم المادتين 20 و 22 من النظام الأساسي للدولة .
المادة 31 فقرة 3 : تم تعديل البند الثالث من المادة 31 على النحو التالي " مأمور الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم ..... 3 – ضباط جهات الأمن العام والرتب النظامية الأخرى بدءا من رتبة جندي . وكان البند 3 قبل التعديل ( موظفو جهات الأمن العام الذين يصدر بتحديدهم قرار من رئيس الجهة ) . والمقصود بصفة الضبطية القضائية أن كل من تثبت له هذه الصفة يكون له الحق في استيقاف الأفراد والقبض عليهم وما يستتبع القبض من تفتيش لأشخاصهم وممتلكاتهم الخاصة من منازل أو سيارات أو محلات وغيرها . وهي إجراءاتٌ خطيرةٌ بالفعل وتمثل مساساً بحرية الأفراد وحرمة أشخاصهم ومساكنهم . وبتعديل البند الثالث من المادة 31 إجراءات تثبت صفة الضبطية القضائية لكافة العاملين في جهات الأمن العام من ضباط وباقي الرتب من رتبة جندي فما فوقها . دون صدور قرار من رئيس الجهة الأمنية بتحديد من تثبت لهم صفة الضبطية القضائية وهو توسع غير محمود على الإطلاق لأنه سوف يكون له أثار سلبية عديدة وتهديد مباشر لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية بالمخالفة لأحكام النظام الأساسي للدولة .
المادة 50 : كانت المادة 50 قبل تعديلها تنص على أنه " على مأمور الضبط القضائى عند القبض على المتهم أو إذا سلم اليه مقبوضا عليه ان يسمع أقواله فورا واذا لم يأت بما يبرئه يحيله خلال ثمانية وأربعين ساعة إلى الادعاء العام المختص " ثم استبدل النص ليصبح "على مأمور الضبط القضائي عند القبض على المتهم أو إذا سلم اليه مقبوضا عليه أن يسمع أقواله فورا وإذا لم يأت بما يبرئه يحيله إلى جهة التحقيق المختصة خلال خمسة عشر يوما بالنسبة للجرائم الواقعة على أمن الدولة والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب وخلال ثمان وأربعين ساعة بالنسبة لغيرها من الجرائم . ولا يجوز تجديد هذه المدة إلا لمرة واحدة ولمدة مماثلة بموافقة الادعاء العام " . وبهذا التعديل تتحول سلطة احتجاز مأمور الضبط القضائي في جهات الأمن العام للمتهم (وهو ليس حبسا احتياطيا وإنما مجرد احتجاز) من ثمان وأربعين ساعة إلى خمسة عشر يوما ويجوز تجديدها لتصبح ثلاثين يوما . ليتحول الأمر من مجرد احتجاز إلى اعتقال . مما يشكل انتهاكا خطيرا لحريات الأفراد والمساس بسمعتهم وكرامتهم.
المادة 141 : كانت المادة 141 اجراءات جزائية قبل تعديلها تنص على أنه " يتحدد الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذى يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه " ثم أضاف التعديل فقرة جديدة للمادة لتصبح " يتحدد الاختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذى يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه . ويجوز بقرار من وزير العدل لأسباب يقدرها وبناء على طلب رئيس المحكمة المختصة أو المدعي العام إحالة الدعوى العمومية إلى أية محكمة أخرى مختصة نوعيا بالدعوى " . وإن كان الظاهر من إضافة تلك الفقرة أنها مسألة تنظيمية. إلا أنها قد أضيفت لإحالة دعاوى عمومية معينة يهتم بها الرأي العام إلى محاكم بعيدة مكانياً عن ذوي المتهمين في تلك القضايا خوفاً من إثارة الجمهور وتجمهرهم أمام المحاكم المختصة أصلا بالمحاكمة .
بدر بن مالك البحري
محام ومستشار قانوني
مكتب بدر البحري للمحاماة والاستشارات القانونية
badr@albahrilawfirm.com
www.albahrilawfirm.com