الثلاثاء، 7 يونيو 2011

نعي رجل، نعي مازن الطائي

نعي رجل، نعي مازن الطائي

من موقع الحارة العُمانية أنشرُ هذا النعي بكل الأسى والحزن:
"إلى الجيل العماني الحاضر الذي يحني رأسه للمأساة، مأساة الشعب العربي في عمان، فيعيش في عزة نفسيته وذل واقعيته سواء كان داخل الوطن او المهاجر التي آوتنا. إلى الشباب العماني الذي جارت عليه المتردية والنطيحة وما أكل السبع فقاوم هذا الجور بالكفاح في سبيل العيش والصمود من أجل الكرامة. أقدم هذه القصة سجلا للحاضر المظلم ودعوة للمستقبل المشرق، مستقبل عمان كجزء لا يتجزأ من الوطن العربي الأكبر.
مقدمة "ملائكة الجبل الاخضر"


في مساء هذا اليوم، انتقل إلى ذمة الله مازن بن عبدالله الطائي. كان الفقيد مهندساً، ومترجماً، وقارئاً، وكاتباً ورقياً، وكاتباً إلكترونياً في هذه الحارة باسم النسر. في كل مساحة سيفقده الكثير.
ننشر هذا النعي ولايزال مزيج من الذهول والإنكار يتلبسُنا حيال الخبر. أصحيح أم مغالطة هو؟ أحقيقة أم خيال؟ قضاء الله أم قدره؟ يولد ناس ويموت ناس. وبين الحياتين، لا ننعي صديقاً أحببناه، ولكننا ننعي رجلاً سنفتقده.
فقط.. عبر الكلمات، عبر الكلمات الضوئية، وعلى مدى أربع سنين، استطاع النسر أن يطرح الأسئلة في بلد لا تطرح فيه الأسئلة، ولا توجد فيه أجوبة. على مدار تلك المدة الزمنية قرأه الكثير، وتسائل معه الكثيرون عن أحوال البلد والناس منذ ما يزيد على أربعين عاماً.
رُسمَت أسئلة متنوعة، وبدا أن أجوبة بدأت تستنبط. ظهرت كتب متعددة تحمل أجوبة محتملة لأسئلة غير محتملة. نشر مؤخراً كتابه الشخصي الأول وبصمته الأكثر خصوصية "عادا إلى رشدهما"، سارداً إضاءات حول عملية الخصخصة، وطرق توزيع الحصص العامة على الخاصة. و حظر كتاب قديم أصدره الفقيد حديثاً بعنوان "تاريخ عمان السياسي" للطائي. وللطائي أعاد الفقيد نشر "ملائكة الجبل الأخضر"، و"المغلغل".
عبدالله الطائي ذلك الرائد الذي جازته بلده بالجفاء، وكاد أن ينسيه الجيل الشاب -ضمن أشياء كان لابد من نسيانها- عاد للحياة بفضل القلم الإلكتروني للفقيد. اتصلت حلقة من معجبين جدد بقدامى محتفين بأدب الطائي في أماسي خلت، وأمسية قريبة قادمة بالنادي الثقافي. روايات، ومسرح، وقصص، وأحاديث إذاعية، وفكر، وثقافة عن عمان أخرجها الفقيد من جعبة الطائي الأول للناس.
ورغم اختلاف فصول السنة، وتكاثر حديث الناس عن النسبية، إلا أن الفقيد لم يكن نسبياً في الأمور الكبرى. كان ثابتاً كنسر فوق قمة شماء. رؤيته الواضحة وبحثه الدؤوب ونشره المتواصل رسمت رؤية أخرى لما حصل في الماضي، في ماضي عمان: ماضي كل عماني. قرأنا معاً أسرار مؤامرات حيكت في البلاط العماني، ونفوذاً بريطانياً في أرض عمانية، ومصالحاً متضاربة، أشخاصاً فاعلين، وأشخاصاً فُعِل بهم، وأرض تختلف فيها الفصول، وينسى ناسها ما حصل بالماضي لأن الحديث عنه لم يعد مباحاً. كان ثابتاً كنسر أو جبل. بوصلته لم تنحرف. لم تشر للشمال يوماً. وأياً كان تيم لندن وبوز آلن، أمواطناً عمانياً أم إنجليزياً قحاً، فلربما لن يترحم عليه مواطن عماني، ولربما يرى هذا "بن مرهي". انتقل إلى ذمة الله قبل أن يبلغ تمامه، أو قبل أن نبلغ تمامناً.
قال الفقيد مراراً:
سأعيش رغم الداء و الأعداء *** كالنسر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا *** بالسحب و الأمطار و الأنواء
لا أرمق الظل الكئيب ولا أرى *** ما في قرار الهوة السوداء
"أبو القاسم الشابي"
ونردد اليوم -وبعده- مراراً:
عم صباحا أيها النسر المجنح
عم صباحا
سنة تمضي، وأخرى سوف تأتي
فمتى يقبل موتي
قبل أن أصبح ـ مثل النسر ـ
نسراً مستباحا!؟
أمل دنقل
-بتصرف عن حشر المنذري-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق