علماء الدين في المجتمع "لمحمد أركون"
مقال جميل لمحمد أركون ينشر في جريدة الراية القطرية. عالم الدين لم تكن مهمته يوماً دينية مجردة، بل امتدت إلى نواح أخرى لتتناول السياسة والتأثير في المجتمع. كل هذا ينعكس بشكل أو بآخر على "الإنتاج" الديني لعالم الدين. أترككم مع المقال.
ينبغي العلم بأن علماء الدين لا يشكلون طبقة متماثلة او متشابهة من الناحية السوسيولوجية او الاجتماعية او الطبقية.
وانما هم يحتلون مواقع اجتماعية متنوعة جدا طبقا لمستوياتهم الثقافية ، وأنماط اندماجهم في الدولة او الأمة: أي نوع الوظائف التي يحتلونها في الدولة بصفتهم موظفين رسميين او علماء دين عضويين طبقا لمصطلح غرامشي.
ومعلوم ان المفكر الايطالي كان يميز بين المثقفين العضويين المدجنين من قبل الدولة وبين سواهم من غير المدجنين او غير التابعين للنظام. ومعلوم ان رجال الدين ينقسمون الي قسمين: قسم تابع للدولة وقسم لا.
كما ويختلف رجال الدين فيما بينهم من حيث اسلوب حياتهم الدينية او الدنيوية. فبعضهم ذوو حياة اجتماعية راقية، وبعضهم يشتغل كحرفي في احدي الصناعات، وبعضهم تاجر، وبعضهم ولي من أولياء الله الصالحين، وبعضهم صوفي، وبعضهم من المرابطين، وبعضهم يشرف علي ادارة الشؤون الدينية المقدسة الخ..ولكن أيا يكن نمط الحياة التي ينتمون اليها فان رجال الدين يجسدون نفس الوظيفة الاجتماعية - التاريخية ويلعبون نفس الدور.
أقصد بذلك انهم يقومون بمهمة المراقبة والضبط والتوجيه والتعليم والارشاد للناس في المجتمع. وهم يتمتعون بصفتين اثنتين تميزهما عن بقية الناس: أولا كلهم يعرفون القراءة والكتابة في مجتمع كان معظم أفراده أميين.
وثانيا كلهم يدعون الكفاءة والمعرفة والخبرة في مجال العلوم الدينية. وبالتالي بإمكانهم أن يصبحوا ايديولوجيين عند النظام: وعندئذ تكمن مهمتهم او قل مهمة بعضهم في خلع المشروعية الدينية المقدسة علي السلطة القائمة كما كان يفعل ابن قتيبة في وقته وكذلك الغزالي والماوردي وأبو يعلي الخ..ولكن البعض الآخر قد يصبح مرشدا دينيا وبالتالي سياسيا للجماهير الأمية التي لاتعرف القراءة والكتابة. وبالتالي فلا علاقة مباشرة له بالنظام. وبعضهم الثالث قد يصبح مرشدا روحيا لفئات مقلصة العدد كالطرق الصوفية التي تعتمد علي الانتساب العفوي او الطوعي.
كنا قد ذكرنا سابقا كيف ان علماء الدين في الفترة الكلاسيكية كانوا قد أدوا وظيفة احتجاجية نقدية اذ راحوا يذكّرون الحكام مرارا وتكرارا بضرورة تطبيق الشريعة. وقد تحلوا بالنزعة الواقعية المعتدلة اذ لم يلحوا علي اقامة نظام الخلافة أمام حكام وأمراء من أصل أجنبي بل وحتي عبودي: كالمماليك. وكذلك الامر فيما يخص الاولياء الصالحين والمرابطين فانهم حلوا محل الدولة المنهارة او الخائرة القوي والمقصرة في أداء واجبها تجاه السكان.
لقد حلوا محلها عن طريق القيام بعدة واجبات دفعة واحدة. فقد قاموا بمهمة الدعاة المبشرين، والمرشدين الدينيين،والوسطاء السياسيين في مناطق نائية وعرة تخرج كليا عن نطاق السلطة المركزية.
ومعلوم ان هذه الاخيرة راحت تضعف اكثر فاكثر علي الاقل بدءا من القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي. والواقع ان الامبراطورية العثمانية كانت شاسعة واسعة الي درجة انه كان يصعب عليها ان تشمل بسلطتها انطلاقا من عاصمتها اسطنبول كل الاقاليم البعيدة النائية.
ولكن هذه الوظائف والمهام التي قام بها رجال الدين والتي هي مفيدة من الناحية الاجتماعية كان ثمنها باهظا علي الصعيد الفكري والثقافي.
نقصد بذلك انهم أهملوا الفكر والثقافة ولم يؤدوا الي حصول أي تطور في هذا المجال الحيوي. فبما انهم كانوا مشغولين جدا بضرورة المحافظة علي الحد الأدني من النظام الاجتماعي والحياة الدينية والثقافية طبقا للشريعة، فانهم انغلقوا داخل الفكر الامتثالي، أي فكر التقليد، الذي لاتجديد فيه ولاتقدم الي الامام.
لقد استعادوا في أحسن الاحوال التعاليم الشرعية او الشرعوية لأئمة المذاهب السابقين. وهكذا دخلنا، او قل دخل العالم الإسلامي، فيما ندعوه: بزمن الارثوذكسية.
ونقصد به الزمن السكولائي المدرساني التكراري الاجتراري الرتيب الممل الذي نسي تلك المناظرات الفكرية الكبري التي كانت تجري في العصر الكلاسيكي المجيد من عمر الحضارة العربية الاسلامية.
وهو العصر الذهبي، عصر التعددية العقائدية، الذي يشمل مختلف المذاهب الاسلامية بل وحتي الاديان غير الاسلامية.
في ذلك الوقت كان الجميع يتناقشون ويتحاورون ويخوضون في مختلف الشؤون الدينية والعقائدية بكل حرية. حتي الملاحدة او الدهريين كان يحق لهم ان يدلوا بوجهة نظرهم احيانا! هذا العصر الذهبي محصور بفترة القرون الهجرية الاربعة او الخمسة الاولي.
وهي الفترة الواقعة بين القرنين السابع والحادي عشر للميلاد. بعدئذ ابتدأ الجمود والانحطاط وزمن الارثوذكسية الذي لم نخرج منه حتي الآن.
ينبغي العلم بأن علماء الدين لا يشكلون طبقة متماثلة او متشابهة من الناحية السوسيولوجية او الاجتماعية او الطبقية.
وانما هم يحتلون مواقع اجتماعية متنوعة جدا طبقا لمستوياتهم الثقافية ، وأنماط اندماجهم في الدولة او الأمة: أي نوع الوظائف التي يحتلونها في الدولة بصفتهم موظفين رسميين او علماء دين عضويين طبقا لمصطلح غرامشي.
ومعلوم ان المفكر الايطالي كان يميز بين المثقفين العضويين المدجنين من قبل الدولة وبين سواهم من غير المدجنين او غير التابعين للنظام. ومعلوم ان رجال الدين ينقسمون الي قسمين: قسم تابع للدولة وقسم لا.
كما ويختلف رجال الدين فيما بينهم من حيث اسلوب حياتهم الدينية او الدنيوية. فبعضهم ذوو حياة اجتماعية راقية، وبعضهم يشتغل كحرفي في احدي الصناعات، وبعضهم تاجر، وبعضهم ولي من أولياء الله الصالحين، وبعضهم صوفي، وبعضهم من المرابطين، وبعضهم يشرف علي ادارة الشؤون الدينية المقدسة الخ..ولكن أيا يكن نمط الحياة التي ينتمون اليها فان رجال الدين يجسدون نفس الوظيفة الاجتماعية - التاريخية ويلعبون نفس الدور.
أقصد بذلك انهم يقومون بمهمة المراقبة والضبط والتوجيه والتعليم والارشاد للناس في المجتمع. وهم يتمتعون بصفتين اثنتين تميزهما عن بقية الناس: أولا كلهم يعرفون القراءة والكتابة في مجتمع كان معظم أفراده أميين.
وثانيا كلهم يدعون الكفاءة والمعرفة والخبرة في مجال العلوم الدينية. وبالتالي بإمكانهم أن يصبحوا ايديولوجيين عند النظام: وعندئذ تكمن مهمتهم او قل مهمة بعضهم في خلع المشروعية الدينية المقدسة علي السلطة القائمة كما كان يفعل ابن قتيبة في وقته وكذلك الغزالي والماوردي وأبو يعلي الخ..ولكن البعض الآخر قد يصبح مرشدا دينيا وبالتالي سياسيا للجماهير الأمية التي لاتعرف القراءة والكتابة. وبالتالي فلا علاقة مباشرة له بالنظام. وبعضهم الثالث قد يصبح مرشدا روحيا لفئات مقلصة العدد كالطرق الصوفية التي تعتمد علي الانتساب العفوي او الطوعي.
كنا قد ذكرنا سابقا كيف ان علماء الدين في الفترة الكلاسيكية كانوا قد أدوا وظيفة احتجاجية نقدية اذ راحوا يذكّرون الحكام مرارا وتكرارا بضرورة تطبيق الشريعة. وقد تحلوا بالنزعة الواقعية المعتدلة اذ لم يلحوا علي اقامة نظام الخلافة أمام حكام وأمراء من أصل أجنبي بل وحتي عبودي: كالمماليك. وكذلك الامر فيما يخص الاولياء الصالحين والمرابطين فانهم حلوا محل الدولة المنهارة او الخائرة القوي والمقصرة في أداء واجبها تجاه السكان.
لقد حلوا محلها عن طريق القيام بعدة واجبات دفعة واحدة. فقد قاموا بمهمة الدعاة المبشرين، والمرشدين الدينيين،والوسطاء السياسيين في مناطق نائية وعرة تخرج كليا عن نطاق السلطة المركزية.
ومعلوم ان هذه الاخيرة راحت تضعف اكثر فاكثر علي الاقل بدءا من القرن السابع الهجري - الثالث عشر الميلادي. والواقع ان الامبراطورية العثمانية كانت شاسعة واسعة الي درجة انه كان يصعب عليها ان تشمل بسلطتها انطلاقا من عاصمتها اسطنبول كل الاقاليم البعيدة النائية.
ولكن هذه الوظائف والمهام التي قام بها رجال الدين والتي هي مفيدة من الناحية الاجتماعية كان ثمنها باهظا علي الصعيد الفكري والثقافي.
نقصد بذلك انهم أهملوا الفكر والثقافة ولم يؤدوا الي حصول أي تطور في هذا المجال الحيوي. فبما انهم كانوا مشغولين جدا بضرورة المحافظة علي الحد الأدني من النظام الاجتماعي والحياة الدينية والثقافية طبقا للشريعة، فانهم انغلقوا داخل الفكر الامتثالي، أي فكر التقليد، الذي لاتجديد فيه ولاتقدم الي الامام.
لقد استعادوا في أحسن الاحوال التعاليم الشرعية او الشرعوية لأئمة المذاهب السابقين. وهكذا دخلنا، او قل دخل العالم الإسلامي، فيما ندعوه: بزمن الارثوذكسية.
ونقصد به الزمن السكولائي المدرساني التكراري الاجتراري الرتيب الممل الذي نسي تلك المناظرات الفكرية الكبري التي كانت تجري في العصر الكلاسيكي المجيد من عمر الحضارة العربية الاسلامية.
وهو العصر الذهبي، عصر التعددية العقائدية، الذي يشمل مختلف المذاهب الاسلامية بل وحتي الاديان غير الاسلامية.
في ذلك الوقت كان الجميع يتناقشون ويتحاورون ويخوضون في مختلف الشؤون الدينية والعقائدية بكل حرية. حتي الملاحدة او الدهريين كان يحق لهم ان يدلوا بوجهة نظرهم احيانا! هذا العصر الذهبي محصور بفترة القرون الهجرية الاربعة او الخمسة الاولي.
وهي الفترة الواقعة بين القرنين السابع والحادي عشر للميلاد. بعدئذ ابتدأ الجمود والانحطاط وزمن الارثوذكسية الذي لم نخرج منه حتي الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق