نهاية قوس قزح: صحار ٢٩ مارس
أنا يقتلني نصفُ الدفءِ، ونصفُ الموقفِ أكثر
مظفر النواب
في خلال أسبوع مضى وقعت أحداث في اعتصام صحار. تردد أن وفداً من المعتصمين إلتقى وزير المكتب السلطاني. وشهدت بعض المؤسسات الحكومية الخدمية في صحار إغلاقاً تاماً بسبب ما تردد عن تهديدات من قبل المعتصمين لهم. أيضًا توقفت بعض المدارس الكبرى في صُحار لسببين: إضراب سائقي الحافلات، وتهديد آخر من بعض المعتصمين بوجوب إغلاق تلك المدارس. ومنذ فجر أمس -٢٩ مارس- قامت القوات العسكرية والأمنية بحملة مداهمات على المعتصمين في الدوار نتج عنها فض الاعتصام، وإلقاء القبض على عدد من المعتصمين. بموازاة ذلك تمت مداهمة بعض المنازل في ساعات متأخرة من الليل للقبض على أشخاص لهم صلة بالاعتصامات.
تعليقاً على مستجدات صُحار، نشرت جريدة عُمان في عدد اليوم بياناً من الادعاء العام يعلن فيه أنه أعطى أمراً للسلطات العسكرية والأمنية بإلقاء القبض على من قام بـ"التجمر بقصد الشغب والتخريب والإخلال بالنظام العام وقيامهم بأعمال الهدم والتخريب في المرافق والمنشآت العامة والخاصة، وكذلك إقدامهم على إقلاق الراحة العامة أو الطمأنينة وسد الطرق العامة بما يؤدي إلى منع عبورها أو عدم سهولة السير عليها، والاعتداء على رجال الأمن".
لو رجعنا لوقت بدء الاعتصامات، لرأينا دأب مسؤولي الحكومة والإعلام العماني العام والخاص على تأكيد شرعية الاعتصام السلمي والتعبير عن الآراء بحرية، معللين ذلك أن النظام الأساسي للدولة ضمَن ذلك للمواطنين. بناءً على ذلك الموقف استمرت الاعتصامات في صُحار، وصلالة، وصور، ومسقط. تحولت الاعتصامات إلى منابر عامة لمناقشة الشأن العام والتجارب الشخصية المرتبطة به. شهدت البلد أيضًا اعتصامات وإضرابات لفئات متعددة، ربما كان آخر ذلك اضراب سائقي الحافلات في صحار.
شهر من الزمن منذ بدء سلسلة الاعتصامات، بعضها ترك أثراً سلبياً على حياة الناس مثل اعتصام صحار الذي رافقه إغلاق الدوار العام أغلب ساعات اليوم. لهذا نادت بعض الآراء بفك الاعتصامات والعودة للعمل والحياة الطبيعية تفادياً للإخلال بمصالح الناس، مع إعطاء الدولة فرصة لتنفيذ الإصلاحات والمكاسب المتحققة والموعودة. لكن في مقابل ذلك التزم المعتصمون بعدم التزحزح عن موقفهم حتى تنفيذ جميع المطالب التي تقدموا بها.
شعَرَ المعتصمون أن الاعتصامات لحظة تاريخية وهي الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحقيق كافة مطالبهم لسببين. الأول أنها أثبتت نجاعتها في الضغط على الحكومة لتوسيع خدماتها الاجتماعية للناس والوعد بإصلاحات سياسية. الثاني أن الحياة العامة بالسلطنة لم تقدم خبرات أو أمثلة سابقة ناجعة لإيصال أصوات الناس. لهذا كان القرار عدم فض الاعتصامات، مع تأكيد الدولة على شرعية الاعتصامات السلمية.
بيد أن الاعتقالات والمداهمات فجر ٢٩ مارس للقبض على المخربين ومثيري الشغب ومخلي النظام ومقلقي الطمأنينة.. ثير تساؤلات كثيرة حول طبيعة موقف الادعاء العام -والدولة من خلفه-.
هل أريد بتلك الأوامر مهددي الدوائر الحكومية؟ ولماذا لم يتحرك الادعاء العام مطلقاً أوامره للأجهزة الأمنية والعسكرية ساعة وقوع التهديدات ضد الدوائر الحكومية؟ لماذا انتظر الادعاء العام أياماً ليتخذ قراره؟ صيرورة الأحداث تجيب على التساؤل موضحة لنا مراد الادعاء العام: فض الاعتصام. ويتناقض هذا مع تصريحات وتأكيدات السابقة أن حق الاعتصام السلمي كفله النظام الأساسي للدولة. فكيف يقوم الادعاء العام بمخالفة النظام الأساسي للدولة؟
أيضًا هل كان كل من تم القبض أو التعميم عليه هو مخرب للمنشآت العامة أو الخاصة حقاً؟ أم أن هناك حساباتٌ أخرى؟ سلطان السعدي، علي المقبالي، عبدالغفار الشيزاوي، طالب المعمري، صالح العامري، أحمد الشيزاوي، حسن البشام .. هل اعتدى هؤلاء على منشئة عامة أو خاصة؟ أم أن الخطيئة هي المشاركة في تنظيم الاعتصام؟ هناك بون شاسع بين التحرك ضد المخربين وإلقاء القبض على رموز المعتصمين.
وأيضًا ما الداعي لاقتحام منازل المطلوبين عنوة آخر ساعات الليل؟ هذه الخطوة تنم على خطورة المطلوبين، فهم هم كذلك؟ ولم تلكأ الادعاء العام في القبض عليهم إن كانوا كذلك؟ ألا نعيش في بلد محافظ تتمتع فيه المنازل بحرمة كبيرة؟
لا يبدو لي أن خطاب الدولة متسق مع سلوك أجهزتها. ينبغي أن تغير الدولة خطابها أو سلوك أجهزتها. ليس القلق هنا على قيمة الصدق، إذ لا معنى للصدق في السياسة، لكنما القلق على مصداقية الدولة أمام الرأي العام العماني. الرأي العام الذي لايزال جزء مهم منه معتصماً في صور وصلالة منتظراً.