انتهازية أم صيرورة طبيعية؟
ذكرتُ مسبقاً أن أحداث مدينة صحار كانت غير متوقعة، وتسلسل أحداثها لم يكن مدبراً، و نتائجها لم تكن قابلة للتنبأ ساعتئذ. وبما يوازي نسق سير الأحداث، لم يكن الشباب -عماد الحدث- مُدبرونَ أو منظمون للأحداث أو لأنفسهم. لكن كان هنالك شعور عام ألا تراجع حتى يتم تلبية مطالبهم حول الوظائف والحياة الكريمة. تجلت قلة التنظيم في توزع المعتصمين في الدوار، وحواليه مع عدم وجود جسم تنظيمي لهم في الأيام الأولى.
كان الاعتصام في أيامه الأولى خالياً من أي سلطة هرمية (تم الاستفتاء على حدة على كل مطلب سيُعرض على وزير الديوان في الليلة الثانية من الاعتصام مثلاً)، ولم يقبل ممثلي المجتمع كشيوخ القبائل على سبيل المثال. لم يكن هناك وجود منظم لمن يتعارف عليه "بالمطاوعة"، رغم وجود "المطاوعة" في الاعتصام باعتبارهم جزء عضوي من المجتمع. لم يكن هناك خطاب موجه من الأعلى للأسفل معتمداً على أية سُلط سياسية أو اجتماعية أو دينية. وكان هذا وضع متميز جداً في مجتمع هو بخلاف ذلك تماماً.
هل حدثت نقاط تماس مبكرة تختبر الوضع المذكور سابقاً؟
نعم. أحد أيام الاعتصام الأولى تقدم وجه عماني فني معروف في السلطنة ليلقي خطاباً من على المنصة المشيدة حديثاً. لكن أحدث أحدهم خطأ شنيعاً. لقد تم تقديم الرجل باعتباره "أستاذاً" مع التذكير "بمن هو". ولأن ذلك لم يكن مناسباً للجو العام السائد هناك فقد تم "إقصاء" الرجل من على المنصة. حتى التجمهر الصغير -الذي تكون لاحقاً- حول الفنان تم فضه تحت شعارات الخوف من مؤامرة!
هل استمر ذلك الوضع؟
لا، لأن ذلك الوضع كان مؤقتاً ومضاد لطبيعة أي اجتماع بشري، فقد نظم المعتصمون أنفسهم وشكلوا لجاناً لإدارة الميدان. تلك اللجان استضافت لاحقاً خطباءً يمثلون فئات المجتمع المختلفة مثل شيوخ القبائل، و"المطاوعة" رغم تغير شكل خطابهم وليس المضمون.
وفي مشهد آخر يستحق الملاحظة، تقدم بالدعم للمعتصمين بالدوار بعض الطامحين لعضوية مجلس الشورى في صحار. كانت تلك التحركات تضاهي التحركات التي تشهدها المواسم الانتخابية حينما يقصد المُترشحون "مراكز القوى" في كل ولاية. ولأن المعتصمين كانوا قوة كبيرة قد ظهرت، فقد كانوا المحل الأنسب لتحقيق "المطامح الشوروية" لحامليها. كان الأمل لدى هؤلاء أن يقدموا الدعم المعنوي أو المادي أو كليهما نظيراً للترويج الذي سيلقونه لدى أهل الاعتصام وامتداداتهم الانتخابية لاحقاً. لا أعلم ما حدث لاحقاً بين هؤلاء والمعتصمين.
تساؤلات كثيرة يمكن أن توجه للتصرفات الأخيرة من هؤلاء الأشخاص: هل هذه الأفعال انتهازية محضة وسط حراك اجتماعي وطني حقيقي؟ أم أن هذه هي الطبيعة الأزلية للعمل السياسي دون استثناء حتى أحلك اللحظات التي تحدد مصير البلد؟ هل تكرر مثل هذا المشهد في مناطق الاعتصامات الأخرى؟ هل هذه هي الطريق الجديد للفوز بعضوية المجلس عوضاً عن استخدام رشوة الخمس ريالات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق