صحار: متى يتكلم السلطان؟
انتهى الأول من إبريل في صحار بسقوط قتيل، وعشرات الجرحى، وانتشار مكثف للقوى العسكرية والأمنية بمدينة صحار.
لقد تصدر الإدعاء العام مشهد الأحداث عبر بياناته المتلاحقة. فالإدعاء العام وجه الأوامر للقوات العسكرية والأمنية بفض اعتصام صحار وإلقاء القبض على مجموعة "المخربين". تسائل بعض القانونين عن مدى قانونية إصدار الإدعاء العام أوامراً للجيش. وتسائل آخرون عن حقيقة تهمة التخريب التي رمي بها المقبوض عليهم.
وقرر الإدعاء العام الظهور في الصورة مرة أخرى، يوم الجمعة أمس، عقب إندلاع مواجهات بين متظاهرين يطالبون بإطلاق سراح زملائهم الذي تم اعتقالهم قبل أيام قلائل وبين الجيش والقوى الأمنية. ظهر الإدعاء العام عبر بيانه الذي أذاعته وكالة الأنباء العمانية أمس، ونشرته اليوم صحفاً محلية. وينبغي الوقوف حول هذا البيان عدة وقفات.
الأولى، أصدر الإدعاء العام تقريراً بما حدث يوم الجمعة الذي هو يوم إجازة رسمية في السلطنة. يقتضي ذلك إغلاق المؤسسات الحكومية أبوابها. ينطبق هذا أيضاً على الإدعاء العام. لكن بيان الإدعاء العام يشير إلى عكس ذلك. هل كانت المؤسسة تعمل يوم الجمعة حقاً؟ هل راقبت الوضع وكتبت التقرير تبعاً لذلك؟ أم أن أحداً ما راقب الوضع عوضاً عن الادعاء العام؟ ويقودنا هذا هل من كتب تقرير الادعاء العام شهد أحداث صحار حقاً؟
الثانية، لا يتضمن تقرير الادعاء العام ذكر المصادر التي اعتمد عليها. هل اعتمد مثلاً على موظفي الادعاء العام الذين حضروا المظاهرة، أو على شهود عيان، أو على إفادة رجال الجيش والشرطة، أو على المتظاهرين؟ غياب ذكر مصادر الإدعاء العام يلقي بضلاله على مصداقية التقرير، خصوصاً مع العلم أن رجال الادعاء العام لا يخرجون عادة لرصد وقائع أو إجراء تحقيقات دون تقديم دعاوي أو شكاوي بشأن ذلك.
الثالثة، اتهم الإدعاء العام المتظاهرين بجرم ما حدث وحملهم المسؤولية في تقريره. فقد قال: "قام المتجمعون بأعمال شغب وتعد على قوات الأمن" و"تأكد حمل بعضهم لأسلحة نارية وقيامهم بإطلاق النار باتجاه رجال الأمن"، ثم أردف"إلا أن استخدام العنف والسلاح ضد قوات الأمن أو المواطنين جريمة يعاقب عليها القانون". كيف يمكن للإدعاء العام أن يحدد الجاني والمجني عليه في أحداث عظيمة بعد وقت قصير جداً من حدوثها وخصوصاً في يوم إجازة رسمية؟
الرابعة، ذكر تقرير الادعاء العام أن التظاهرة كانت سلمية ثم استخدم المتظاهرون الحجارة والأسلحة البيضاء في التعدي على رجال الأمن. لكنه أكد كذلك حمل "بعضهم لأسلحة نارية وقيامهم بإطلاق النار باتجاه رجال الأمن". فكيف كانت مظاهرة سلمية أولاً، ثم استخدم فيها "حجارة وأسلحة بيضاء"، واستخدم فيها "أسلحة نارية" -حسب الإدعاء العام-؟ هذا كلام مضطرب وغير متسق مع نفسه. فهو لا يستطيع تحديد الحالة التي تواجد عليها المتظاهرون رغم ادعاء التقرير -ضمنياً- وجوده في قلب الحدث وإحصاءه الشامل لتطور الأحداث. إنه يؤشر أن كاتب التقرير تلقى خبرين متناقضين: استخدام أسلحة بيضاء، وأسلحة نارية. ونظراً لعدم تيقنه مما جرى على الأرض فقد قرر إيراد الخبرين المتناقضين معاً في تقريره.
الخامسة، يذكر التقرير أن أحد المواطنين قد "استخدام سلاحا ناريا (شوزن) ضد رجال الأمن وقد عمدت قوات الأمن إلى ضبط النفس وعدم استخدام القوة". فقوات الأمن، في هذه الحالة، ضبطت نفسها عندما أطلق المواطن سلاحه الناري ولم ترد بدورها بإطلاق النار رغم إمكانيتها فعل ذلك تحت حجة الدفاع عن النفس. فالتقرير يبزر هنا صفة التعقل التي تتمتع بها هذه القوات. لكن ذات القوات أطلقت النار "المطاطي" -حسب الإدعاء العام- على المتظاهرين "السلميين" يوم الجمعة، مما أسفر حسب التقرير عن سقوط ٥ جرحى أحدهم في حالة خطيرة. لماذا لم تتمتع القوى العسكرية بصفتي التعقل وضبط النفس يوم الجمعة؟ لماذا جرحت القوى الأمنية ٥ شباب؟ تورد جريدة الشبيبة في عدد اليوم أن "الجهات العسكرية" أطلقت النار على شاب من مسافة "خمسة أمتار تقريباً" ما أسفر عن وفاته.
التقرير السريع للادعاء العام وضعه في قلب أحداث صحار، فقد كان شاهداً -حسب صيغة التقرير- على الأحداث، ومبرراً للقوى العسكرية والأمنية إطلاق النار الذي نتج عنه قتيل وجرحى، وحكماً سريعاً. لكنه، في المقابل، تباطأ في التحقيق الذي أعلن عنه بشأن سقوط القتيل الأول في صحار يوم ٢٧ فبراير. مر شهر منذ سقوط القتيل، ولم تخرج مؤسسة الادعاء العام ببيانها، فلم يُعرف القاتل، وآمره. ولم يستلم ذوي القتيل حقهم في محكمة يكفلها لهم القانون!
طبيعة بيانات الادعاء العام المتتالية تشي بأزمة تعيشها مؤسسات الدولة في سلطنة عمان. فالإدعاء العام هو مؤسسة قضائية تتولى الدعوى العمومية عن المجتمع. بيد أن طبيعة الأحداث التي تعيشها السلطنة في الوقت الراهن ليست قضائية، ولا تتعلق بأفراد أو جنايات. إنها قضية سياسية تشغل المجتمع، وتتطلب تدخل جهات تملك ناصية القرار السياسي في السلطنة. تصدر الادعاء العام الواجهة لا ينم عن ممارسة هذه المؤسسة دورها الطبيعي، بل عن دفعها لصدارة الأحداث.
قتيلان بصحار في شهر. قتيلان برصاص القوى العسكرية والأمنية في ظل صمت مالكي القرار السياسي في السلطنة.
فمتى يتكلم السلطان؟
متى يتكلم السلطان؟
.
بيان الادعاء العام نقلاً عن موقع جريدة الوطن ٢ إبريل:
" شهدت ولاية صحار بعد صلاة الجمعة تجمعات لمواطنين للمطالبة بالإفراج عن الذين تم إلقاء القبض عليهم بتاريخ 29 مارس 2011 م والذين لا يزالون تحت ذمة التحقيق . حيث بدأت بتظاهر سلمي .. وكان التعامل بين المتظاهرين وقوات الأمن بما يحفظ الأمن العام ثم تطور الأمر بأن قام المتجمعون بأعمال شغب وتعد على قوات الأمن مستخدمين في ذلك الحجارة والأسلحة البيضاء الأمر الذي دفع برجال الأمن التصدي لهم بالهراوات والغاز المسيل للدموع.. كما تأكد حمل بعضهم لأسلحة نارية وقيامهم بإطلاق النار باتجاه رجال الأمن مما اضطر القوات الأمنية للدفاع عن النفس باستخدام الرصاص المطاطي حيث أصيب خمسة من المتجمعين حالة أحدهم حرجة.
الجدير بالذكر أن أحد المواطنين الذي تم إلقاء القبض عليه في وقت سابق كان قد استخدام سلاحا ناريا (شوزن) ضد رجال الأمن وقد عمدت قوات الأمن إلى ضبط النفس وعدم استخدام القوة.
ومن أجل بث الطمأنينة والاستقرار وعدم الإساءة إلى النظام العام يهيب الادعاء العام بأن التظاهر السلمي هو وسيلة مشروعة للتعبير عن الرأي إلا أن استخدام العنف والسلاح ضد قوات الأمن أو المواطنين جريمة يعاقب عليها القانون ويطالب الجهات المختصة بحفظ النظام وفرض القانون وعدم السماح بما يعطل المصالح العامة والخاصة ".