الجمعة، 22 أبريل 2011

مفارقات عُمان

مفارقات عُمان

"إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر"

شهد شهر إبريل الحالي أحداثاً لافتة في سلطنة عمان. أحداثاً لا تستحق الاهتمام الشديد بسبب تأثيرها في مجمل سير الأحداث، بل بسبب المفارقات التي تضمنتها، وللدلالات الكثيرة التي توحي بها عما يعتمل في ذهن الفاعلين على مستوى الأجهزة الحكومية. 

اتضح في بدء إبريل أن السلطة تنوي إنهاء ملف الاعتصامات. سعت لذلك عبر طرق مختلفة، فقامت بفض الاعتصام الرئيسي في صحار بالقوة، ولوحت باستخدام القوة في صور، وأرسلت مبعوثاً وزارياً لمدينة صلالة. وفي سياق التعليل لتلك الأفعال تردد أن "الحكومة" استجابت للمطالب، فقامت بزيادة دعمها للفئات الدنيا اقتصادياً، ورفعت الرواتب للعاملين والمتقاعدين، وهناك "تغيير دستوري" قادم يفضي بمنح صلاحيات أكبر لمجلس عمان -وإن لم يتم الإعلان عن طبيعة التغيير حتى الآن-. إذن فقد تمت الاستجابة للمطالب، ولابد من عودة الحياة لطبيعتها كما كان قبل يوم ٢٦ فبراير، وهو اليوم الذي بدأت به سلسلة الاعتصامات والاحتجاجات بالسلطنة.

ولأجل "إعادة" الحياة لسابق عهدها فقد أنهت القوى الأمنية اعتصام صحار نهاية مارس، واعتقلت العشرات في مركز الاعتصام وعبر اقتحام المنازل عنوة بساعة متأخرة ليلاً. كان هؤلاء محرضون على التخريب وقطع الطريق وتعطيل المنشئات العامة والخاصة كما جاء في بيانات الادعاء العام المتلاحقة. بعد ذلك بأسبوع، ١ إبريل، تظاهر أعداد كبيرة من المواطنين بصحار مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين، وردت الأجهزة الأمنية مستخدمة القوة لتفريق المظاهرة. قُتل شخص، وجرح العشرات، واعتقل العديد من المتظاهرين، وشهدت صحار انتشاراً أمنياً وعسكرياً مكثفاً استمر أسبوعاً كاملاً.

تغير سلوك الأجهزة الحكومية بعد ١ إبريل، عما كان بعد ٢٧ فبراير. ففي كلا اليومين قتلت الأجهزة الأمنية شابين في احتجاجات صحار. فقد تردد بعد ٢٧ فبراير أن السلطان أمر الأجهزة الأمنية بالهدوء والأجهزة الحكومية بالاستماع لمطالب المعتصمين والمحتجين، ورأينا للمرة الأولى في الصحافة العمانية مفردات الإصلاح والدستور التعاقدي وشكاوى المواطنين. في المقابل اختلف السلوك بعد ١ إبريل. كانت هناك بيانات للإدعاء العام الذي بدى وكأنه يقود جبهة الحكومة، تلك البيانات التي تثير تساؤلات أكثر من التي تحاول الإجابة عليها، وكانت هناك تصريحات أمنية ومن جهات مختصة -دون الإفصاح عن هويتها- تشير إلى إدارتها لتفاصيل الوضع على الأرض العمانية. وبدأت الأجهزة الحكومية كذلك حملة توظيف هائلة، خصوصاً في الأجهزة الأمنية العسكرية (٤٠ ألف وظيفة) لامتصاص قوى الشباب العاطلة عن العمل، وبالتالي إخماد الاحتجاجات. وفي خضم كل هذا كان الإعلام العماني الحكومي في مقدمة الركب مبشراً ونذيراً. كل ذلك الصخب لا يشير إلا إلى ذعر عام وأزمة وجودية عاشها قادة الأجهزة الحكومية.

خلق ذلك الذعر العام والأزمة الكبيرة مفارقات كبيرة تضمنت دلالات كثيرة أوحت عما يعتمل في ذهن الفاعلين على مستوى الأجهزة الحكومية. من تلك المفارقات الخبر رقم ٢٤ المنشور في وكالة الأنباء العمانية ٦ إبريل وهو "بيان بشأن الأحداث التي شهدتها صحار". الخبر جاء باسم "الجهات المختصة" التي لم يحدد كنهها. أستبعد أن يكون الحياء أو الاستحياء هو السبب وراء حجب اسم تلك الجهة المختصة، فالأجهزة الأمنية المختصة معروفة وتشابك علاقتها جلي. يدعي البيان امتلاكه وسرده "حقائق الأمور" التي حدثت بصحار ١ إبريل، وهو بالتالي يفند الروايات الأخرى التي ساقها "أولئك الأشخاص". يسوق البيان اتهامات متعددة "لأولئك الأشخاص". اتهمهم بوضع أصباغ حمراء على ملابسهم للإيحاء بتعرضهم للاعتداء أو "بوجود آثار دماء على أجسادهم". المفارقة أن تلك المواجهات التي يشير لها البيان أفضت لمقتل شخص من أهل صحار قطعاً لم يكن دمه ملفقاً، وسقوط جرحى تم علاجهم بمستشفى صحار. 
 ربما يكون هذا الفيديو، الذي يظهر نزيف شاب بأحداث ١ إبريل، محجوباً في السلطنة.

المفارقة الأخرى، هو الخبر رقم ٢٧ المنشور في وكالة الأنباء العمانية  ٦ إبريل، وهو بيان من الادعاء العام. يعدد البيان الأسباب التي دفعت الادعاء العام للقبض على متظاهرين يوم الجمعة ١ إبريل بصحار. أسباب الاحتجاز هي "التجمهر" و"القيام بإحداث الشغب والإخلال بالأمن والنظام العام وما صاحب ذلك من إصابات بين المتجمهرين ورجال السلطة العامة .. وارتكاب جرائم من قبيل إهانة الموظفين العاميين والاعتداء عليهم وتخريب المركبات الحكومية والخاصة". يدعي الادعاء العام أنه تحقق "من الاتهامات المنسوبة إليهم" - أي إلى المعتقلين. لكنه قرر الإفراج عن ٣٦ شخص منهم لأنهم تعهدوا بعدم العودة لما بدر منهم! لم افرج عن البعض فقط رغم ارتكاب المقبوض عليهم ذات الجرائم؟ هل يمتلك الادعاء العام سلطة الإفراج عمن اعترف بارتكابه الجرائم السابقة؟ أم الإفراج كما الاعتقال كما التبريرات كان تعسفياً؟

وفي بيان آخر يوم ٨ إبريل يصدر الادعاء العام بياناً آخر بشأن الإفراج عن جميع المعتقلين عدا ٢٦ شخص "تقديراً لجهود مشايخ وأعيان وأهالي صحار"! وتنشر جريدة الوطن ووكالة الأنباء العمانية تقريضًا للشيوخ لأنهم تحركوا "لاتخاذ موقعهم الطبيعي"! تساؤلات يثيرها بيان الادعاء العام: ما هو قيمة وشكل العدالة التي يمثلها الادعاء العام إن كان يتخذ قراراته تقديراً لجهود الشيوخ عوضاً عن مقاضاة الأفراد نتيجة لأعمالهم؟ وما هو "الموقع الطبيعي" المرجو لشيوخ القبائل في المجتمع؟ 

مفارقات آخرى: ٧ و٨ إبريل تعلن الأجهزة الأمنية -التي لم يتم تخصيصها- القبض على عصابات وأفراد يقتنون أسلحة بيضاء (سكاكين، ومسامير، وأنابيب معدنية) ومواد حارقة لصنع قنابل حارقة. تم وصف هذه المواد من قبل التلفزيون العماني بأن "لها خطورة بالغة فيما إذا استخدمت لأغراض إجرامية". الحالة الأولى: خالد البادي وزميل له، الحالة الأخرى كانت مع "عصابة التنين" ورئيسها خلفان المقبالي. وكعادة العدالة العمانية فقد اعترف المتهمون في كلتا الحالتين بالجريمة، لكن هذه المرة تم نشر صورهم في التلفاز.

تعليقاً على ادعاءات الأجهزة الأمنية واعترافات المتهمين ونشر الصور في التلفزيون كتب سعيد البادي في صفحة احتجاجات صحار على الفيسبوك معقباً: 
‫لأول مره في تاريخ عمان يتم نشر أسماء قبل التحقيق. اما نشر الصور فهذه حاله فريده من نوعها تسجلها حكومة السلطنة. إن نشر أسماء وصور شباب بالأمس كان يدل على إفلاس الحكومة. فهي التي تنادي دوما بأنها لا تريد نشر غسيلها امام الناس. تمت محاولات انقلاب على الحكم ولم ينشروا صورهم [واعلن الخبر] في أضيق الحدود. تمت خيانة الوطن والتآمر على النظام ولم ينشروا الأسماء ولا الصور. ‬والحين ‫ثلاثة شباب صغار يلفق او يتهموا بأنهم يصنعوا قنابل (الله عليها من قنابل). ومباشرة وبدون كلام ينشروا أسمائهم وصورهم. هذا ان دل فإنه يدل على ان الحكومة من يسرقها بالمليارات والملاين عادي. هذا ان دل فإنه يدل على ان الحكومة من أراد عن يخطط ضد النظام عادي. هذا ان دل فإنه يدل على ان الحكومة عادي رجالها يخونوا الوطن والشعب والسلطان. هذا ان دل فإنه يدل على ان الحكومة عادي يقتلوا الشباب ولا كأنه شيء. هذا ان دل فإنه يدل على ان الحكومة تبيع شبابها مقابل الحفاظ الى الكرسي.‬
 تعقيب سعيد البادي يختصر الكثير من التساؤلات التي يمكن أن تطرح على صنيع الأجهزة الأمنية والتلفزيون العماني وعلى طبيعة "العدالة العمانية". الجدير ذكره أن خلفان المقبالي "زعيم عصابة التنين" تم إطلاق سراحه بعد أيام من اعتقاله وتشويه سمعته!


مفارقات متنوعة: وزير العدل العماني يخاطب المعتصمين في صلالة أن السلطان كلفه بالمهمة لأنه "قبائل" والمعتصمين قبائل وحضهم على فض الاعتصام. حاول الوزير فض الاعتصام مستعيناً بالدعوى القبلية. كان مثاله كمن يحاول إطفاء النار بالبنزين. أيضًا العفو السلطاني عن بعض المعتقلين الذي أعلنه الإدعاء العام وليس وزير الديوان أو وزير شؤون البلاط. العفو عمن "اتهم في جرائم التجمهر في الطرقات العامة". صدر العفو السلطاني عن هؤلاء الشباب قبل محاكمتهم وقبل ثبوت التهمة عليهم. وكأن التهمة أثبتها الادعاء العام بمجرد القبض على الشباب دون الحاجة لمحكمة. وتم العفو عن جريمة خطيرة هي التجمهر في الطرقات العامة! 

المفارقة الأخيرة التي أود الحديث عنها هنا، هو الطريقة التي حاولت بها الأجهزة الحكومية تجنب مواجهة دامية مع متظاهري صحار يوم  الجمعة ٨ أبريل بعد جمعة ١ إبريل التي شهدت سقوط قتيل وجرحى ومعتقلين. كان الحل هو تجنيد الآلاف من شباب صحار للعمل في الأجهزة العسكرية. تم شحن هؤلاء من صحار إلى مسقط مباشرة في حافلات عسكرية. أيضًا حاولت مدارس وزارة التربية والتعليم تنظيم رحلات لطلبة المدارس العامة لأماكن خارج صحار يوم الجمعة ٨ أبريل. تم الترويج للرحلات المتوقعة حينها عبر وجبات غذائية مجانية ومبالغ مالية للحاضرين (لا أدري إن تم أخذ الطلاب للرحلة المتوقعة). كان الهدف هو إبعاد أكبر عدد من الشباب من صحار. لم يخرج الشباب للتظاهر تجنباً لسفك دماء جديدة بعدما وجهت لهم مناشدات من جهات متعددة.

أخيراً، أعلن قبل أيام الوزير المسؤول عن الشؤون المالية العماني توظيف الحكومة لأربعين ألف مواطن في الأجهزة الحكومية العسكرية والأمنية والمدنية.

شهد إبريل حراكاً حكومياً غير مسبوق، لربما تعكس جزء منه الآية الكريمة: "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ". حراكاً يمكن النظر إليه عبر زوايا متعددة لتقييمه، واستقراء كوامنه. 

هناك تعليق واحد:

  1. إياك أن تكشف الحقائق، و إلا سنتهمك بالعمالة لأجندة خارجية و سنلبسك تهمة التحريض من أجل التخريب، و لا تنسى أنك مهما فعلت فنحن لا نزال نمتلك الإعلام الأقوى و الأوسع، فلا تضيع وقتك في نشر رأيك حول سياستنا لأننا نمتلك وسائل إعلامية تستطيع بكل بساطة دهس و تهميش مقالاتك إلى الحضيض.

    ردحذف