الأربعاء، 13 مايو 2009

التمييز العنصري

التمييز العنصري



قال المُتنبي هاجياً كافور الإخشيدي عظيم مصرَ يوماً:
... لا تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معهُ... إن العبيدَ لأنجاس مناكيدُ

ولئن قال المتنبي هذه الأبيات هاجياًكافور، فقد قال أجمل منها مادحاً لكافور، لكن المثير للدهشة في الأمر هو استخدام العنصريين لهذا البيت تدليلاً على حكمة سيدنا المتنبي.

اليومَ أنظر للسنةِ، نحنُ في 2009، ربما متحررين شكلاً من معطف الماضي لكنه روحنا التي نعيشُ بها، وننظرُ بها للأمور. الكاتبُ سالم آل تويه له ملف كامل يتحدث فيه عن العنصرية في سلطنة عُمان، فما كان من أحد الإخوة الذين يعيشون معنا على هذه الأرض المُسماة عمان إلاّ أن أردفهُ بالقول:

لا تشتري العبد إلا والعصا معه... إن العبيد لأنجــاس مناكــيد
نامت نواطير مصر عن ثعالبها ... وقد بشمن وما تفنى العناقيد
لا يقبض الموتُ نفسا من نفوسهم ... إلا وفي يده من نتنها عود
من علم الأسود المخصي مكرمة ... أقومه البيض أم آباؤه السود
أم أذنه في يد النخاس دامية ... أم قدره وهو بالفلسين مردود

أتألم لما قرأته، فهو يشير إلى دمار كبير يستوطن صاحبه. العنصريونَ لم يختفوا من العالم، إنهم يمارسون عنصريتهم باستحياء في أحيان عديدة. ويبدو أن صاحبنا هذا، المولود في عصر النهضة، لم يغسل عقله ووعيه من ترسبات المجتمع القبلي والعنصري بل يأكد بوضوح كبير أن التصنيفات القبلية والعرقية لا تزال سائدة في أذهان من يسكن هذا المجتمع.

لن يختلف متجادلان -كما أحسبُ- في نسبة هذه النظرة للثقافة القبيلة التي استطونت مجتمع صحراء الجزيرة العربية، فالقبيلة العربية كانت هي الوحدة الاجتماعية والسياسية المسيطرة في هذا المجتمع العربي الفضفاض. وفي الصحراء يخفتُ صوتُ الحكومة المركزية، وتقل سطوتها على الفرد، فتبرزُ القبيلة بكيانها السياسي، وتنظيماتها الاجتماعية. ولابدَ في هذه الوحدة التنظيمية القائمة على أساس العرق والولاء القبلي من فئة من المُستضعفين أو الموالي أو العبيد ليقوموا بأعمال عديدة دون مقابل. وحينما تقوى شوكة الدولة وتزداد عساكرها، وحينما تستوطن القبيلة الأرض، ويتداعى شكلها السياسي فإن ثقافتها الاجتماعية لا تأفلُ بسرعة، بل تتلاشى ببطء شديد.

الله خالق الإنسان بصفة واحدة، فكلهم أبناء آدم، ولم يستعبد بعضهم لبعض. لكن الإنسان يستعبد أخاه بشكل مباشر أو غير مباشر، فيرى في أخيه إنساناً من درجة أقل. والأمر سيّان أكان التمييزُ العنصريُ يجري على أيدي النازيين ضد اليهود، أم على يدِ اليهود ضد الفلسطينيين، أم بيد العاربة ضد المستعربين. الأمرُ سيان، وإن تعددت الأشكال.

ونحن نرى العنصريين في بلادنا يحقُ لنا التساؤل من أين أتوا؟ وكيف تشكلت ثقافتهم؟ لن أخالف الواقع إن جزمت أن كل هذه المعطيات هي نتاج لثقافة مترسبة من الماضي، لكنني أتساءلُ أيضًا عن مدى قوة القوى الثقافية المعاكسة التي ينبغي أن تربح المعركة الثقافية، لأنها فقط ثقافة العصر الحالي. هذه القوى الثقافية المعاكسة تتركزُ كما أتخيلها في الدين الذي يدعو في أهم نصوصه للتخلص من العبودية -مهما كان شكلها- للعيش في ظل المساواة والتكافؤ. هناك أيضًا ثقافة العصر الحديث التي كنا نتخيلُ ترسيخها في المناهج التربوية والخطاب الإعلامي الذي يوجه المجتمع دون ريب لقيم معينة.

الصيرورة التاريخية تحكي لنا أن الانتقال إلى الحضر يُلغي هذه الثقافة العنصرية بمرور الزمن الطويل. كتب ابن خلدون بعض الملاحظات في هذا الشأن بمقدمة تاريخه الشهير، لكن العمر المار بسرعة قد لا يدركنا للعيش في مجتمع عماني خالي من العنصرية.

الطبقية، والعنصرية، والقبلية، والجهوية كلها لا تقود إلى المساواة في معاملة الناس. ينبغي أن تقوم الأجهزة الحكومية المختلفة -باعتبارها الأجهزة الفاعلة في المجتمع- بمكافحة هذه الظواهر المأساوية. وينبغي على الكُتاب ومن لف لفيفهم نقد هذه الظواهر، ولفت أنظار المجتمع نحوها.

سيزيفُ لم تعد على أكتافه الصخرة
يحملها الذين يولدون في مخادع الرقيق
والبحرُ -كالصحراء- لا يروي العطش
لأن من يقول "لا" لا يرتوي إلاّ من الدموع

أمل دنقل.

هناك 9 تعليقات:

  1. أحييك عزيزي حمد على كتابتك الواضحة. أعتقد أن أحد الأسباب الرئيسة في تأصُّل العنصرية في نفوس كثيرين هي التربية منذ نعومة الأظفار على الأفضلية على الآخرين. قليلون مثلك ومثل معاوية الرواحي وسعيد جداد وبدر العبري على سبيل المثال لا يُواربون ولا تأخذهم العزة بالإثم ويُسمُّون الأسماء بمسمياتها وينقدون العنصرية بوضوح تام، والسبب أنكم باختصار لستم عنصريين.
    كثيرون هاجموني وسبوني وشتموني وكذبوني وقالوا العكس: لا توجد في بلادنا عنصرية! واقرأ مداخلاتهم الركيكة في منتديات "الحارة" و"السبلة" و"فرق" والعنصرية الطافحة منهم، هذا يسميني سالم تويه وذاك يسميني التويه لأن المشكلة الكبرى التي ستظل تقض مضجعه هي "آل"، أو بالأحرى عقدة "آل". أطمئنهم هنا: موتوا بغيظكم ستبقى "آل تويه وآل خليفين رغمًا عن أنوفكم المتمرغة في وحل التخلف والأنساب والجهالة والحمق.
    وماذا سنسمِّي تلك الردود إن لم تكن ردودًا عنصرية؟
    لا ينتبه هؤلاء إلى فقرهم الإنساني المدقع والتصاقهم بالعنصرية ومرادفاتها بصور مختلفة. ماذا يُسمَّى الذي يقول إن دمه نقيّ؟ أنا أدعو هذا وأمثاله إلى إجراء فحص الدي ان اي ليتأكد من دمه النقيّ! إن إحدى المشكلات التي تعترض العمل على إنشاء خريطة جينية في منطقة الجزيرة العربية هي معارضة القبليين والعنصريين لها، فهؤلاء سيُصابون بشتى أنواع الهستيريا والأرق عندما يكتشفون كذب مزاعمهم، فلا يوجد دم نقي على وجه الأرض، ولا يعود الأمر إلى مئة سنة أو خمسمئة بل إلى آلاف السنين، حيث توضح نتائج فحص الدي ان اي أصول المفحوصين ومن أين تحدَّروا وجاؤوا، والتي يفترض أن لا تُفاجئ أحدًا مؤمنًا بإنسانيته لكن هذا الفحص يصيب العنصريين في مقتل، يخذلهم، يكذب مزاعمهم بالرغم من أن الغرض الحقيقي منه اكتشاف مصادر الأمراض وأسبابها، وبالتالي احتواءها والسيطرة عليها.
    أولئك الذين سبوني و"تعنصروا" ضدي الشفقةُ أولى بوعيهم وعقولهم الخاوية. كيف يمكن مناقشتهم وهم لا يفهمون؟ لا يعون؟ لو جردتهم من "قبائلهم الشريفة" فماذا سيتبقى لهم؟
    ليبقبقوا ما شاؤوا وهم قبل أي أحد آخر يدركون خواءهم وضحالتهم، وإن لم يدركوا فهذه أيضًا نتيجة منطقية! أرد عليهم هنا بهذه الاقتباسات: "لا تُجادل الأحمق فقد يُخطئ الناس في التفريق بينكما"، "الحمق داءٌ لا يُداوى ومرض لا يبرأ"، "الحمق أدوأ الداء"، "الحمق أضرُّ الأصحاب"، "قال الإمام علي: "الأحمق إن استُنبِه بجميل غَفِل، وإن استنزل على حسنٍ نزل، وإن حمل على جهل جهل، وإن حدَّث كذب، لا يفقه، وإن فُقِّه لا يتفقَّه"، "السكوت على الأحمق أفضل من جوابه"، "لا ترد على الناس كلما حدثوك وكفى بذلك حُمقًا"، "وقيل: لو لم يكن من فضيلة الأحمق إلا كثرة أسمائه لكفى". فهنيئًا للعنصريين جمعهم أسفه الخصال وأحطَّها: العنصرية والقبلية والحمق.

    ردحذف
  2. أهلاً يا سالم.

    أشكر ما كتبته هنا. نعم، ثقافتنا تطفح بالعنصرية، ولا تحتاج لتدليل ذلك بالفحوصات الوراثية. الأمر أيسر من ذلك. بالمناسبة هل تعلم أن جامعة السلطان قابوس أجرت فحوصات وراثية في مختلف مناطق السلطنة واكتشفت أن نسبة الأمراض الوراثية تزداد بشدة في داخل عمان (سجلت نزوى رقماً قياسياً)، مقارنة بمدن الساحل، وكل هذا بسبب زواج الأقارب.

    لك أسمى التحايا..

    ردحذف
  3. لعل لما بحث فيه الوردي في موضعك السابق من دور البيئة والمجتمع دور جم في ترسيخ هذه المبادئ القاصرة عظيم الدور :/
    المجتمع مخيف بصور مشابهه Xl

    ردحذف
  4. نعم يا فريال. الأخلاق والأفكار لا تأتي من الفراغ، بل هناك طرق أكيدة لها لتلج العقل.

    يومك سعيد..

    ردحذف
  5. قضية تستحق التمعن فيها
    وطرح جميل أحييك عليه

    هناك سؤال يتسرب الى ذهني دوما
    وهو هل المطالبين بوأد التمييز والعنصرية أنفسهم لديهم الجرأة على ذلك ؟؟
    فمثلا هل هم يقبلون تزويج بناتهم-مثلا- لشخص أسود؟
    شخصيا لا أراهم قادرين على تطبيق نظرية المساواة كما ينادوا لها
    سيقولون اما انه حرية شخصية وحالة خاصة!!
    أو اننا نوافق في قرارة أنفسنا ولكن نخاف من نظرة المجتمع لنا!!
    هذه اجابتي المسبقة من وجهة نظري انتظارا لأجابتك وغيرك من القراء

    دمت بود

    ردحذف
  6. أهلاً أيها الزائر,

    ملاحظتك جميلة وفي محلها تماماً.
    الحديثُ عن تأصيل عرى الروابط الاجتماعية بين الناس هو حديث سابق لأوانه، ونادر كذلك إن تم بصفة عشوائية. ينطبق هذا على الزواج. الدعوة للمساواة بين الناس لا تعني أن كل من كان لون بشرته أسوداً أو أسمراً يجب أن يتزوج من بيضاء اللون. الأمرُ ليس هكذا. الأمرُ يتعلق بالاعتراف بالإنسانية المتساوية لكل هؤلاء. إن اعترفنا بهذا نعم الاعتراف، حينها فقط لن نرى معضلة في التزاوج بين الناس -مهماً كانوا-.

    لك أسمى التحايا..

    ردحذف
  7. (الدعوة للمساواة بين الناس لا تعني أن كل من كان لون بشرته أسوداً أو أسمراً يجب أن يتزوج من بيضاء اللون)
    أشكرك على ردك وأنا متابعٌ لك وقريبٌ منك ولظروفٍ قاهرة لا أكتب كثيرا" ولكن مدونتك أنت بالتحدبد -وغيرك- ربما ستكون سببا لميلاد مدونتي بجلاء الظروف تلك
    ,,,
    (الأمرُ يتعلق بالاعتراف بالإنسانية المتساوية لكل هؤلاء. إن اعترفنا بهذا نعم الاعتراف، حينها فقط لن نرى معضلة في التزاوج بين الناس -مهماً كانوا)


    هل أفهم من كلامك أنك -أنت- تعترف بهذه الانسانية اللتي تأملها في مجتمعنا ولا مانع لدبك شخصيا" عندما يكون الرأي والقرار لك - بصفتك والدا" لعبلة أحبت عنترة وعنترة هذا لم يعترف به لا عمه مالك ولا والده شدّاد -؟

    سلامي لك

    ردحذف
  8. أيها الزائرُ هذا المنحدر،
    أهلاً بك..

    في هذا الزمن المتقارب، والذي يتسمُ بتلاشي الحدود والحواجز يجب أن تتلاشى الحواجز التي تفرقُ بين البشر على أسس مختلفة.

    أنظرُ للناس بتساويٍّ ما ساوت بينهم الأخلاقُ والأفعال.

    لن أجد حرجاً أن أتزوج أو أزوج ابنتي -إن شاء الله- من عرق آخر. ما العيبُ في ذلك مادمنا نصنفُ أنفسنا جميعاً ضمن خانة الإنسان..

    لك أسمى تحية.

    ردحذف
  9. بلااىبفاقبفاقفاق

    ردحذف