الأربعاء، 27 أغسطس 2008

رد على "ثقافة عنترة"



أرسلتُ مقالي الآنف "عنترة: بين الإشراك والتوحيد" إلى أحد الأصدقاء، ورد عليّ بهذه المقالة والتي عنونها ب"قربٌ منفوخة".

قُربٌ منفوخة
تحية طيبة،،

بدايةً شكرا لتواصلك الأدبي أخي العزيز حمد، وفي بداية مشوار التعليق على ما كتبت أود أن أوضح أنني لا أعارض شيء مما ذكرته في مقالك الذي عنونته بعنترة كفاتحة قصف للقُربِ المنفوخة التي نعايشها في واقعنا العربي الماضي والمعاصر ؛ وأعتقد جازماً أن القائمين على مُلحق شُرفات قد يتحفظون على نشر بعض ما كتبته كونه يعد تحريضاً على الرمز العُماني الذي يكاد يكون الأوحد في عقل المواطن الظاهر والباطن!وهنا لابد أن أعرج على شخصية عنترة بن شداد العبسي ، فهو كما ذكرت كان رمزاً للعاشق الفارس صاحب النخوةِ والشجاعة ، وحقيقةُ الأمر أني أستغرب كيف تمكن عنترة من بلوغ هذا المقام الرفيع مستنداً في استغرابي إلى العنصرية الشديدة التي كانت وما زالت إلى يومنا هذا تمارس ضد أصحاب البشرةِ السوداء ، فهم العبيد والموالي والبيسر وغير ذلك من الألقاب ، هناك من يقول ومنهم طه حسين أن عنترة كان شاعراً فقط ولم يكن فارساً كما تروج له الأدبيات والقصص الشعبية العربية ، ولفصاحة شعره وذوده به عن قبيلته " عبس " استطاع أن يرتقي في السلم الاجتماعي الطبقي في ذلك الوقت ، فليس لدى العرب في ذلك الزمان أحب من الشعر والشعراء ، كما أن سيرة هذا الرجل غير متفقٍ عليها فهي في الحجاز تختلف عن الشام والعراق ، والظاهر أن قصة هذا الرجل قد بنيت في عصور مختلفة وجرى الإضافةُ عليها مراتٍ كثيرة حتى وصل إلى هذه الدرجة الخرافية من المناقب والأوصاف ، فمما يروى أنه كان يقطع 50 رقبة بضربة واحدة ، ولعمري أن هذا هو الفُحش والعري الأدبي بعينه!إن العرب بشكلٍ عام دائماً ما يبحثون عن ( الرمز ) وفي هذا الرمز يختصرون كل أفكارهم الطوباوية عن الإنسان المثالي ، فنجدُ الرمز شاعراً وشجاعاً وشهماً وكريماً ومقداماً ، وهنا لابد أن أوضح أن المشكلة لا تكمن في الرموز فقط من خلال ما يحاولون بثه وترويجه عن أنفسهم بوسائل مختلفة أهمها في العصر الحالي الإعلام ، بل المشكلة مقرونة بالوعي الجمعي للعقلية العربية ، فدائما ما يبحثُ العربي عن رمزٍ يهتدي به وهو يعتقدُ جازماً ( نتيجة تراكمات مجتمعية ) أنه بدون هذا الرمز ليس قادراً على فعل شيء ..إن إشكالية الإنسان الرمز في المجتمع العربي بشكل عام تعود إلى طريقة التربية العربية منذ الصغر ، ففي البيت مثلاً وهو أصغر مؤسسة سلطوية في المجتمع العربي ، نجد طريقة إدارة كثير من الآباء لأسرهم لا تختلف عن طريقة إدارة الحُكام العرب لشعوبهم ، حيث أن الأب هو رمز الأسرة ومهما اتخذ من قرارات فهو مصيب ، كما أنه أقوى رجلٍ في الأسرة ، والأشجع فيها ، وقس على ذلك من الصفات ! يكبر الإنسان العربي وقد تشرب قيم السلطة الأبوية، ليرنو بنظره إلى رمزٍ أعم وهو قد يكون خارج المحيط الأسري رجل الدين أو الحاكم أو لاعب كرة القدم الشهير أو غير ذلك، وأعتقد أن هذا هو المنطلق الأساس لبداية النفخ في القرب! حيث تتضافر العقلية العربية للمواطن البسيط مع جهود التلميع التي يقوم بها الحاكم العربي لينتج عنها في المحصلة الرمز المسخ المثالي الخُرافي العربي !لابد أن أخص بالإشارة هنا شخصية " صدام حسين " فهذا الرجل الذي شغل العالم ما يقارب الثلاثة عقود ، وأصبح أسطورة عربية بامتياز ولك وحدك أن تتساءل ماذا يمثل هذا الرجل لدى كثيرٍ من مواطني الدول العربية مع أنه لم يحكم أيا من هؤلاء المواطنين ، فرغم الحقائق الدامغة على كونه رجل استبداد من الطراز الأول ، وأنه ارتكب مجازر بشعة في حق شعبه وشعوب مجاورة ، ولم يؤمن يوماً بأي قيمة من قيم الديمقراطية والحرية ، إلا أنه أستطاع أن يصل إلى مصاف الأنباء والرسل والشهداء! فهناك من مواطني العرب من شاهد صورة صدام مرتسمة على سطح القمر، ومنهم من بشره بالجنة، باختصار أصبح رمزاً قومياً لدى كثير من بني جلدتنا ، تحاك حوله الكثير من الغرائب والعجائب !إنها القمع مؤسسة عربية تتسع للجميع ويمارسها الجميع ، الأخ الأكبر على أخوانه الأصغر سنا ، والأب على أسرته ، ورجل الدين على أتباعه بطرق ملتوية ، والمدير على موظفيه ، والحاكم على رعيته بطرق وأساليب لينة حيناً وقاسية أخرى..وفي النهاية هذه القرب المنفوخة التي نعظمها هي من صنع أيدينا ، بئساً لنا ولهم!!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق