الأحد، 5 أبريل 2009

قصة الإيمان، حول كتاب

قصة الإيمان، حول كتاب



"قصة الإيمان، بين الفلسفة والعلم والقرآن" كتاب غامض وواضح. واضح في رسم أسئلة الفلسفة العامة ومناطق البحث التي تنقب فيها. غامض لجهل اسم مؤلفه. على أعلى غلاف الكتاب يوجد اسم "نديم الجسر" وهو مفتي سابق للبنان الشمالي، لكن الجسر يذكر في مقدمة العمل أن هذا الكتاب ألقي إليه. قرأتُ مؤخراً أن هذا الكتاب كان من تأليف والد الشيخ نديم الجسر، والمسمى حسين الجسر. لكن نديماً أضاف بعض التعديلات في الكتاب وجهزه للنشر.

أعاد الذكريات لهذا الكتاب القيم سؤال صديق عنه، فوجدتني أحن لقراءته مجدداً، وأظن أني سأفعل ذلك في المستقبل القريب. وجدتُ مقالاً كتبه "يكري شيخ أمين" عن الكتاب، أترككم معه:

قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن


ما أكثر ما تنشر المطـابع كل يوم ، في الشرق والغرب ، من كتب ودراسات وأبحاث ، في شتى العلوم والفنون ! بل ما أكثر حظ الجيل المعاصر حين يجد بين يديه الكتاب الذي يتمنى ، والعلم الذي يريد ، والثمرة التي يرجو سائغة ميسرة ، قريبة من متناول يده ، يجتني منها ما يحب ويشتهي ، دون أن تكلفه من عناء إلا أن يمد يده إليها ليقطفها من هذا الكتاب أو ذاك !

وإذا كان هناك من صعوبات في سبيل الوصول إلى هذه الغاية ، فإنما هي في حسن اختيار الكتـاب والكاتب ، والقدرة على تمييز الصحيح من الزائف ، وتفريق الحق من الباطل . وهي مهمة عسيرة ، ومطلب بعيد المنال ، لا يتأتى إلا لأولئك الذين أوتوا حظاً من هدى ، ونصيباً من معرفة ، وخبرة في صحة التمييز والانتقاء .

لقد كتب الباحثون في العلم والفلسفة والدين كتباً تزيد على مئات الألوف ، واتجه كل كاتب الوجهة التي تراءت له ، وانتهى إلى نتيجة آمن بها ، ودعا إليها ؛ لذلك فليس من الغريب أن تجد في الموضوع الواحد وجهات نظر مختلفة ، بل نتائج متناقضة ، تتفق ومذهب كل باحث ، وتنسجم وفلسفة كل كاتب ؛ إنما الغريب أن تجد كتاباً واحداً سلك في سلك واحد مذاهب الفلاسفة من أقدم قديم الزمان إلى يومنا هذا ، وأضاف إليها معطيات العلوم المعاصرة ، ثم عرضها جميعاً على القرآن الكريم ، فإذا هي متساوقة ، متفقة ، مترابطة ، يشد بعضها بعضاً .

كل ذلك كان في كتاب دعاه مؤلفه الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس ولبنان الشمالي ـ سابقاً ـ : ( قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن ) ونشره المكتب الإسلامي ببيروت سنة 1961م ، ولا يزال يعيد طبعه كلما نفدت نسخه ، والتهمها القارئون .

جاء الكتاب في أربع مائة وخمسين صفحة ، ثم أضيف إليها أربع وعشرون للتقاريظ وآراء القارئين .
يتحدث الكتاب عن فتى اسمه ( الحيران ابن الأضعف البنجابي ) . طلب العلم في جامعة بيشاور بنفس طُلَعَة ، مشوقة بفطرتها إلى المعرفة ، تستشرف كل غيب ، وتشرئب إلى كل مجهول ، فتبحث عن أصل كل شيء وكنهه ، وسبب وجوده ، وسره ، وحكمته .

وكان دأبه أن يسأل الشيوخ والرفاق عن هذا العالم : ما هو ؟ ومتى خلق ؟ ومم خلق ؟ ومن الذي خلقه ؟ وكيف خلقه ؟ .. فلا يقابل على هذه الأسئلة إلا بالزجر ، ولا يجاب عنها إلا بالسخر ؛ ويتهمه بعض معلميه بأنه ليس طالب علم ، ولا دين ، إن هو إلا متفلسف سخيف ؛ ثم عَمَّ هذا التسخر كل رفاقه فنبذوه ، وسلقوه بالألسنة الحداد ، حتى ضاقت به الجامعة على رحبها .

ولم يزده التهكم إلا إصراراً وشكاً ، ووقر في ذهنه أن الحقائق التي ينشدها لا تدرك إلا عن طريق الفلسفة ، فارتمى على كتبها ؛ ولكنه لم يفهم منها إلا النذر اليسير ، فازداد شكاً وقلقاً . وخافت الجامعة أن يسري داؤه في سواه ، فيصيبه ما أصاب الحيران ، لذلك قررت طرده ؛ ونزل الخبر على أبيه نزول الصاعقة ، فحاول أن يرد ولده إلى الهدى بكل ما أعطي من عقل وحنان ، ونصحه أن يترك الفلسفة ، وينكب على علوم الدين ، فإذا ما أتقنها عاج على الفلسفة ، ثم قال له : يا بني ! إن الفلسفة بحر على خلاف البحور ، يجد راكبه الخطر والزيغ في سـواحله ، والأمان والإيمان في أعماقه . ثم دله على شيخه ( أبي النور الموزون ) إذا أراد فهم الفلسفة ، وإدراك جوهرها ، والوصول إلى حقائقها .

وأصاخ الولد إلى نصيحة أبيه . وما هي إلا حقبة حتى يمم وجهه نحو ( خرتنك ) القرية التي يعيش فيها أبو النور الموزون ، ويطلب فيها الهدى والرشاد . وفي هذه القرية الصغيرة بدأت رحلة الحيران إلى الله من خلال الفلسفة أولاً ، ثم من خلال المعطيات العلمية ثانياً ، ثم القرآن أخيراً . مع الشيخ الموزون كان يقرأ الفلسفة ، ويخوض في أدق أمورهـا ، وأعمق أفكارها ، وأبعد مراميها ؛ لا يغادر منها صغيرة أو كبيرة إلا وعاها . يقف على فلسفات اليونان ، فيرى ما تحدث به طاليس ، وما قال فيثاغورث ، وما جاء به ديموقريطيس ، وماذا ادعت مدرسة السفسطة ، وما هي مواقف سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطو ، من وجود الله وحقيقته ، وكيف وجدت مدرسة الرواقيين والأبيقوريين نظرية المعرفة .

ومن فلسفات اليونان ينتقل الشيخ أبو النور الموزون بتلميذه الحيران ابن الأضعف إلى آراء الفلاسفة المسلمين ، فيقف معه عند الرازي ، والفارابي ، وابن سينا ، ويقارن آراء الغزالي بآراء كانط مرة ، وبآراء ديكارت مرة أخرى ، أو يجمع ابن مسكويه وداروين على صعيد واحد ، ويظهر مواطن اللقاء بين هؤلاء المفكرين .
وقد يحدثه عن ابن رشد ، وابن الطفيل ، وأبي العلاء المعري ، وابن خلدون ، ويوقفه على الأسباب التي دفعت الناس أو فريقاً منهم إلى تكفيـر هذا ، أو رمي ذاك بالإلحاد ، والعوامل التي دفعت الجماهير إلى أن تحرق كتب بعض هؤلاء ، ويضع له إصبعه على مواطن الخطأ التي وقع فيها الدارسون ، ويوضح له كل صغيرة ودقيقة ، ويبين له سواء السبيل .

ومن عالم الفكر الإسلامي إلى عالم الفكر الأوربي ينتقل الشيخ أبو النور بتلميذه الحيران ، فإذا توماس الأكويني ، وفرنسيس بيكون ، وديكارت ، وباسكال ، ومالبرانش ، وإسبينوزا ، وبرغسون ، ولوك ، وهيوم ، يتحدثون بلغة عدنان ، ويعرضون آراءهم في حقيقة الوجود ، ويبسطون أعقد أفكارهم ، حتى لكأنها قطعة أدبية غنائية ، تلذ القارئ وتأسر لبه ؛ وإذا متناقضات الأمس تغدو اليوم متآلفة ، متساوقة ، منسجمة ، مترابطة .

على صعيد الطريق إلى الله يقف المسلمون والنصارى ، والقدماء والمعاصرون ، ينظرون النظرة الواحدة ، ويهتفون الهتاف الواحد : ذلك هو الله ، خالق كل شيء . والشيخ أبو النور الموزون يطوي متاهات الاضطراب والقلق بتلميذه الحيران ليسلمه إلى الإيمان ، والطمأنينة ، واليقين ، ويحقق له صحة قولة أبيه : يا بني ! إن الفلسفة بحر على خلاف البحور ، يجد راكبه الخطر والزيغ في سواحله ، والأمان والإيمان في لججه وأعماقه ، والقليل منها يبعد عن الله ، أما الكثير منها فيرد إلى الله .

وتمضي الرحلة في الموزون والحيران إلى رحاب العلوم ، ويستعرضان قوانين المصادفة وتطبيقاتها ، ويقفان من خلال عدد كبير من الأمثلة والعمليات على مدى صحتها أو زيفها ، ويطوفان بعالم الأفلاك ، ومخلوقات السماء ، ولجج المحيطات ، وقلب النباتات ، وباطن الإنسان ، وأنواع الحيوان ، فإذا كل شيء في هذه الدنيا يسبح الله ، ويوحده ؛ وإذا آيات القرآن العظيم تنطوي على حقائق كاملة وراء إشارات وظلال ، وإذا الحيران ابن الأضعف مشرق العقل ، يملك مفاتيح النور ؛ وكانت من قبل أقرب الأشياء إليه ، ولكنه كان يدير ظهره إليها ؛ فهو اليوم يعلم كيف يبحث فيها ، ويديرها ، أو يستدير إليها ؛ وإذا عالمه مغمور بالضياء : ضياء في القلب ، وضياء في الطبيعة ، وضياء في أغوار الكائنات .
الضياء في كل مكان ، والنور يسـطع في كل الوجود ، والله نور السماوات والأرض ، الله في كل مكان ، هو الظاهر والباطن ، آياته في الآفاق ، وفي نفس الإنسان ، تبين أنه الحق . لقد صـدق وعده ( سـنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).

العجيب في هذا الكتاب أنه كلما تلا القارئ منه فصلاً ازداد شغفاً ، وكان للباقي أشد ظماً ، وأكثر نهماً ، حتى إذا ما فرغ منه ، وجد من خلال العبرات التي يتلمسها ، وهي منحدرة من عينيه ، مسفوحة على خديه ، أنه يومئذ ودع آخر ظلمة من ظلمات الحيرة التي تمزق الإنسان المعاصر ، وأحس ببرودة اليقين ، وحلاوة الإيمان .


هناك تعليقان (2):

  1. رغم أني لا أقرأ كتباً عربية إلا نادراً، إلا أن هذا الكتاب هو على رأس قائمة الكتب المطلوبة لدي بمجرد أن قرأت عنه هنا في مدونتك .. أين يمكنني الحصول على نسخة من الكتاب يا حمد؟


    أعذب الأماني يا حمد ..

    ردحذف
  2. اعتقـد ان هـذه التـدوينة مكـانها هنا:

    http://hamedreviews.blogspot.com/

    :) :)

    ردحذف