الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

الشعب العُماني : الضجيج الافتراضي ، السكون الحقيقي

الشعب العُماني : الضجيج الافتراضي ، السكون الحقيقي


تحكي كتبُ التراثُ والتاريخ الإسلامي أن نصر بن سيار والي خرسان للأموين كتبَ لخليفته، مروان الحمار، رسالة ضمنها بيت الشعر التالي: فإن النار بالعودين تُذكى.. وإن الحربُ أولها كلامُ. أعجبني مقال لهلال السعيدي بمنتدى الحارة العمانية يشيرُ فيه أن العمانيين يتحدثون كثيراً على الإنترنت كثيراً لكنهم في العالم الحقيقي يخشون الجُدُر. وأقولُ بدوري أن الكلامُ له دلائل أيضًا. أترككم مع المقال:

إنهم غاضبون ... شيباً بعضهم وشبابٌ أكثرهم...

لا يكاد المتتبع للشأن العُماني ، يبحر في عالم الإنترنت حتى يشاهد بحراً متلاطماً من الأفكار والآراء المختلفة على قارعة كل منتدىً عماني أو مدونة عُمانية .

إنه لا يشاهد هذا وحسب ، فعند التوغل في المشهد الافتراضي العُماني سيجد تيارات فكرية متصارعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، تُقاذف فيما بينها الأفكار والرؤى فيما يشبه فرض الرأي على الطرف المنافس وليس مناقشته أو جره إلى الاقتناع ، إلا ما رحم ربي من هذه المناقشات ..

إنه عالمٌ عُماني غريبٌ وخالصٌ حقاً ، ستجد الاتهامات للوزراء بالفساد تكال يمنةً ويسرة ، بعلمٍ وبدونه ، ستجد الصراع الأبدي بين المتدينين والعلمانيّن ، وتم إضافة العقلانيّن والملحدين مؤخراً ، ستجد الصراخ والشعور بالظلم والانتقاص وانعدام العدالة وسوء المعاش ، ستجد التطبيل والتهليل للإنجازات .. ستجد وستجد وستجد !

لكن ما أن يطلُ أحدنا من شرفة ما على العالم الحقيقي ملقياً نظرةً بسيطة على الشارع العماني ، سيجد مواتاً ( وربما تماوتاً ) لا مثيل له ، كما لا مثيل للعالم الآخر ! ، سيرى الجميع شباباً بعنفوانهم الفتي ، رجالاً برزانة الأيام والسنين ، شيباً بالتجربة والخبرة في الحياة ، على السواء لا فرق !

كل واحد منهم يذهب كل صباح إلى دوامه بكل هدوء ، ويعود آخر اليوم إلى بيته بكل هدوء بل ورتابة وملل وضيق ! ، وحتى أصحاب الرؤى والأفكار المتضاربة عندما يلتقون في عالمهم الحقيقي ستجدهم أشد وداعة من الحمل ، ورقةً من الوردة الحمراء ، وستراهم يلقون الابتسامات على بعضهم بسبب أو بدونه قائلين لك عند سؤالهم عن السبب : إنها لصدقات جارية!

لا زلت أذكر تلك الحملة المنظمة التي شنت في المواقع الإلكترونية ، وبالرسائل النصية القصيرة ، لحضور تجمع في منطقة الوزارات بالخوير للاحتجاج على ارتفاع الأسعار قبل سنة تقريباً ، وحدد القائمون عليها ( وهم مجهولون ) وقتاً مناسباً للتجمع ، وقيل ما سيقال فيها ، وما سيرفع خلالها ، لكن عندما كنت أطل على المنطقة لحضتها لم أشاهد سوى بعض شباب أقل من أصابع اليدين ، وأجانب ذوي بشرة حمراء وصلهم الخبر بطريقةٍ ما ، لكنهم لم يجدوا أحداً ، فتقهقروا أدراجهم ! الغريب في الأمر أن هناك تجمعات للمواطنين حدثت لاحقاً تحتج على حرب غزة !

إنها أكثر الألغاز العُمانية صعوبة أيها السادة ، وأكثر العقد صعوبة كذلك ، حتى بت شبه متيقن بأن أغلبية هذا الجيل تشكو من ازدواج مزمن في الشخصية من الصعب تخطيه خلال جيل أو جيلين !
هذا هو لغزٌ بسيط من مجموعة الألغاز المستعصية للإنسان العُماني ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق