الجمعة، 21 أغسطس 2009

سعيد، آه، رمضان كريم

سعيد، آه، رمضان كريم


لنْ تُباعدُنا أيُّها السَّفَـرُ..


ما أجمل الليلة، وما أجمل الليالي الهادئة!

مضى الأصدقاء بعدما كانوا فاكهة الليل كله. وبالجمعة تبدأ إجازةُ الأسبوع، فيستريحُ الإنسان من نصبِ الأيام الماضية. إن سئلتُ نفسي من قبلُ عن مُتعِ الحياة القصوى، أو إن سئلتُ أيَّ إنسان آخر لعددَ أشياء من متع الدنيا بها تكتملُ فرحته وسعادته. لكنما هنا لا يملأُ السعادة من ماء الحياة إلاَّ الأصدقاء.

مضى الأصدقاءُ، وأدركُ الآنَ أني أكلتُ أدسمَ عشاء منذ شهور طويلة. وأدركُ أنها كانت أهنأ وجبة، فلم يصاحبها قيء مزمن، ولا أدوية أخرى. الدنيا مازلت بخير، والربيعُ الخجول يلوحُ قليلاً في الأفقِ متوارياً ليأتي مبكراً الصيفُ الماطر. هكذا هي الأيامُ هنا.

لقد مضوا، وها هي الليلةُ تبدُأ هنا. ليست صاخبة، ولا باردة، بل هادئة، وجميلة بالذكريات البعيدة. الموسيقى الجميلةُ تعزفُ ما أبدعهُ الإنسان والطبيعة، ويبدوُ أن السعادة اللامتناهي لا تكن لتتحقق أيضًا إلاَّ بخفوتِ صوت الإنترنت ليتباطأ مع تقادير الحياة الأخرى. كوب للقهوة في منتصفِ الليل لن ينصحَ به طبيب، لكنما هي أسبابُ السعادة التي يسعى خلفها الإنسان مهما كلفته من ثمن أو جهد.

بعيداً عن الحياةُ الخارجية، أتوقفُ الآن.. أرى كل شيء وحيداً، كما كان وكما يفترضُ أن يكون كي نفهمه أيضًا. وحيداً دون كتاب أو صديق، بل متأملاً الحياة، متناسياً هموماً ومشاغلها، وعراقيلها. مستمتعاً بهذه اللحظة الرائعة كما فعلتُ قبلها بأزمان بعيدة في عوالم أخرى.

ويسألُ زميل متى السحورُ؟ ليخبرَ أن رمضان قريب، ولأخبره أنهُ فقط قبل الآذان بدقائق. فيستريحُ، ولا أستريحُ. أنظرُ للماضي، كيف كانَ؟ وكم من رمضان مرَّ دون أن يلاحظنا كما ينبغي؟ وأرى المستقبل بريبة البعيد المستحيل. هل سيأتي؟ أم نأتيه؟ أم نفترق قبل أن ينتهي الحاضرُ؟

أيها الليلُ ما أحلكَ اسودادكَ!

وننظرُ إلى الصورِ القديمة، فنرى أنفسنا أشخاصاً آخرين، غير ما نحنُ، وغير ما يُفترضُ أن نكون. نراها بقربِ البيتِ، وبقربِ اللهِ. ونرانا في شطٍ آخر بلا سفين، ولاحجابِ. يا سيدي، كنا هناك، وقد لا نكونُ فاغفر لي خطيئتي، إني كنتُ من الخاطئين، وابلغ السلامَ لكُلِ الناس الطيبين، الذين لم يظلموا الناس الآخرين. قد لا نلتقي، وقد نلتقي، فالليلُ هنا طويل، وأنا أعتزمُ الراحة البعيدة دون هم.

فلنلتقي كل حين أيها المستقبلُ،
والسلامُ حتى حين...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق