في البالِ أغنية
يا أختُ عن بلدِي
نامِي
لأكتُبها
رأيتُ جسمكِ
محمولاً على الزرَدِ
وكَان يرشحُ ألواناً
فقلتُ لهم:
جسمِي هُناكَ
فسدوا ساحةَ البلدِ ..
وكأني بمحمود درويش ينشدُ قصيدته عن بلده، فيغنيها معه مارسيل خليفة، ليرددُ الناس أغنية عن بلدهم. وهناك شاعر آخر (أو شعراء آخرون) لا يقتنع بالسابق، فيكتب عن بلده. وإن ضاقَ عليهم البلدُ في الشعرِ، لجأوا إلى الرموز، فصنعوا البلد رمزاً، وأمسى الرمز بلداً.
وقد يصادف أن تفتح الإذاعة فتسمع مغني هاو يتغنى بقصيدة كتبت لأجل البلد. وربما توجد هناك إذاعة أخرى تذيع قصيدة عن البلد الذي صار وطناً بعد أن نشرت في الصفحة قبل الأخيرة من جريدة محلية. واجتمع ناقد وناقدان حتى أصبحوا مجموعة، والمجموعة جماعة والخروج عليهم غير جائز لأنهم لا يجتمعون على ضلالة، ليقروا تحول القصيدة الوطنية إلى جنس يُسمى الشعر الوطني.
وقد كبرت الأسطورة، أي أنها تحولت، أو بلغة موضوعية تطورت. لكنها لم تخرج عن سياق التاريخ. ثم إننا اليوم في نهاية التاريخ التطوري، فالنسق المنتظم يُفرضُ عليه التحدي. والتحدي ليس مسابقة تنظمها الفيفا وهي الاتحاد الدولي لكرة القدم، بل إنه شيء يسمى شيئاً آخر قد نجيدُ وصفه وقد لا نجيد.
قالوا الشعر الوطني ظهر لما ظهرت الأوطان. والأوطان جمع مفرده وطن، والوطن كما سجله ابن منظور الأنصاري صاحب لسان العرب هو إما يكون مقر الإنسان وسكنه، أو مربط البقر والغنم. لكن الشعر الوطني لا يصف أيهما، إنه يصف شيئاً ما خطر على بال، ولا جاء على قلب بشر. إنه الشيء الذي ليس يُصدق. أي أن الوطن شيء ليس يصدق. والشاعر حينما يمدح وطنه يكون وطنياً، وكذلك من يرددُ القصيدة في جوقة الإذاعة.
والتاريخ الأسطوري ينتهي هذا العصر، أو كأنه سينتهي عند الآخرين، ولكننا سنلحقهم على ناقة أو بعير. فالصحراءُ ما تزال قاحلة، والدربُ طويل. لكننا سنصل إلى خط العولمة. وسنجد ألا وطن فيها، وسيخمد في تلك اللحظة الشعر الوطني لأن الشاعر سيكون في بلدة أخرى غير التي سكنها قبلاً، ولن يستطيع الإتيان بما لم تأتِ بهِ الأوائل. ولهذا سيسكت. وسينهي الشعرُ.
وإن انتهى الشعرُ الوطني سينهي الوطن، فهو ليس إلا فكرة عابرة للرؤوس. ليسَ شيئاً راسخاً كرسوخ شيء لا يمكن وصفه تماماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق